0
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي صلاة الجناز لراحة نفس المثلث الرحمة المطران فرنسيس البيسري على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي بمشاركة البطريرك الكاردينال نصرالله صفير وأعضاء سينودس الكنيسة المارونية. كما شارك السفير البابوي المونسنيور غابريلي كاتشا، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان وممثلون عن مختلف الطوائف المسيحية ولفيف من المطارنة والكهنة.
كما حضرت
وزيرة المهجرين أليس شبطيني ممثلة الرئيس ميشال سليمان، النائب ميشال موسى ممثلا دولة الرئيس نبيه بري، وزير العمل سجعان القزي ممثلا دولة الرئيس تمام سلام، الدكتور داود الصايغ ممثلا دولة الرئيس سعد الحريري، النائب وليد خوري ممثلا النائب العماد ميشال عون، رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وعقيلته النائب ستريدا جعجع، السيدة مارلين حرب ممثلة الوزير بطرس حرب، خالد علوان ممثلا الوزير اشرف ريفي، النواب اميل رحمة، هادي حبيش وايلي كيروز، ممثل قائد الجيش العماد جان قهوجي العقيد شارل الخوري، العميد وليم مجلي ممثلا دولة الرئيس عصام فارس، الوزيرة السابقة نايلة معوض، رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن على رأس وفد من المجلس، الوزراء السابقون عبد الله فرحات وناجي البستاني وناظم الخوري، الزميل انطوان قسطنطين ممثلا الوزير السابق محمد الصفدي، النواب السابقون سايد عقل وجبران طوق ونادر سكر، المدير العام للتجهيز المائي والكهربائي فادي قمير، المستشار الاعلامي في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا، رئيس اتحاد بلديات بشري ايلي مخلوف، رئيس رابطة قنوبين للرسالة والتراث نوفل الشدراوي، قائد فوج طوارىء بيروت العميد فؤاد الخوري، مسعود الاشقر، مدير فرع مخابرات جبل لبنان العميد الركن ريشار حلو، العميد الياس البيسري، رئيس الرابطة المارونية سمير ابي اللمع على رأس وفد من الرابطة، القنصل العام لجمهورية مالاوي انطوان عقيقي، قنصل مولدافيا ايلي نصار، اعضاء مجلس امناء المؤسسة المارونية للانتشار شارل حاج، سركيس سركيس وفادي رومانوس، رئيس الحركة الاجتماعية اللبنانية المهندس جون مفرج والدكتور أنطوان أبي ناصيف، نقيب مالكي الشاحنات شفيق القسيس وحشد من الفاعليات السياسية والعسكرية والدينية والدبلوماسية والنقابية والاعلامية بالاضافة الى اهالي واقارب المطران الراحل وحشد من اهالي بلدته قنات وقضاءي بشري والبترون.
عظة
بعد الانجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة بعنوان:" فرحت بالقائلين لي الى بيت الرب ننطلق"، قال فيها: "فرحت بالقائلين لي: إلى بيت الرب ننطلق" (مز122: 1)
فرنسيس البيسري، الإكليريكي والكاهن والأسقف، إسم مرادف للفرح وروح السلام والحنان. هكذا عرف منذ مولده في بلدة قنات - بقضاء بشري، في بيت المرحومين نعمه وبديعة البيسري، حيث تربى على الإيمان والأخلاق إلى جانب شقيقين وشقيقتين، سبقته إحداهن المرحومة سيدة إلى بيت الآب تاركة عائلة من بعدها، شملها المثلث الرحمة المطران فرنسيس بعطف خاص.

لبى صغيرا دعوة الله إلى الكهنوت، بفضل إيمانه الواعي والحب المتقد في قلبه للمسيح وللكنيسة. وكان يقر بفضل المرحومة والدته، التي لم تبارح صورتها غرفته، على خلق جو من الصلاة في البيت، جعلت من عائلتها كنيسة بيتية تناقلت الإيمان وعلمت الصلاة، فاستطاع أن يسمع نداء المسيح الرب، وبدأت معه مسيرة فرح الإنجيل إلى هذا اليوم الصافي المفرح، بعد يوم أمس الحزين بدموع مطره الخفيف، وهو يردد في غيبوبته: "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب ننطلق" (مز122: 1).

في المدرسة الإكليريكية، حيث تنقل ما بين مار عبدا - هرهريا وعين ورقة ومار مارون غزير، في المراحل الابتدائية والتكميلية والثانوية، ميز دعوته إلى الكهنوت، والتزم بروحانيته، ونما في فضائله وروح الخدمة والغيرة والجهوزية، وظهرت عنده النباهة وسرعة الخاطر وروح النكتة والذكاء المتقد.

وفي جامعة القديس يوسف - بيروت، نضجت كل هذه الفضائل والميزات، وكونت شخصيته المعدة للكهنوت، عبر دراسة الفلسفة واللاهوت، فبلغ إلى الرسامة الكهنوتية التي قبلها بوضع يد أبينا صاحب الغبطة والنيافة مار نصرالله بطرس، عندما كان نائبا بطريركيا عاما، في 8 نيسان 1962. وأكمل، في تلك السنوات ثقافته بإجازة في الفلسفة من الجامعة اللبنانية، وبديبلوم في علم الاجتماع من معهد الآداب الشرقية.

كل هذه السنوات التأسيسية لحياته الكهنوتية، ملأته معرفة لسر الله ولحبه اللامحدود ورحمته الفائقة، ولشخص يسوع المسيح الذي كشف لنا كل حقيقة الله والانسان والتاريخ. كما ملأته حبا للصلاة والتأمل، ورغبة في الاتحاد الدائم بالله، وفي الوحدة الكاملة مع جميع الناس. من هذه الينابيع المتنوعة والمتدفقة امتلأ قلبه فرحا وسلاما وحبا وحنانا. كان يعبر عنها بالعاطفة والبسمة والنكتة الحاضرة ببداهةٍ فائقة. وجل مبتغاه أن يزرع الفرح في القلوب، ويخرج الناس من همومهم، ويرطب الأجواء المتشنجة، ويزيد فرحة العيد.

بهذه العدة بدأ رسالته الكهنوتية في السنتين الأوليين مدرسا في إكليركية مار عبدا - هرهريا. وفي سنة 1964 عين كاهنا لرعية مار إسطفان البترون فخدمها خدمة كهنوتية مميزة روحيا وراعويا واجتماعيا، على مدى سبعٍ وعشرين سنة. فدخل قلوب أبناء البترون والمنطقة على اختلاف طوائفهم، وحفظ لهم مكانة في قلبه وصلاته، وهم بادلوه إياها.
وفي الوقت عينه، درس الفلسفة في مدارس رسمية وكاثوليكية، وتولى إدارة معهد التثقيف الديني في النيابة البطريركية في البترون، في عهد سيادة أخينا المطران بولس إميل سعاده. وكان يلتقي، أسبوعيا، مع عددٍ من كهنة الشمال، ومن بينهم من أصبح أسقفا وهم المثلثا الرحمة جبرايل طوبيا وإسطفان هيكتور الدويهي، والمطارنة يوسف بشاره وبولس اميل سعاده ويوسف ضرغام، والمرحوم الخوراسقف انطوان دهمان، لعيش حياة كهنوتية مشتركة، وإعداد عظة الأحد، وتبادل الخبرات الراعوية، والتباحث في خططها الجديدة. وأنشأوا مجلة "نور وحياة".

وعاش معهم تعاليم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. وشكلوا النواة الأولى لمشروع مجمعٍ لبنانيٍ جديد على شاكلة المجمع اللبناني الذي عقد سنة 1736 في دير سيدة اللويزة، فكان المجمع البطريركي الماروني الذي عقد ما بين 2003-2006. وظلوا هم إياهم، مع سواهم، في صلب تهيئة نصوصه وفي أعماله كأساقفةٍ فاعلين، ومتابعة تطبيق تعاليمه وتوصياته إلى اليوم.

وفوق ذلك، كتب في مرحلة خدمته الكهنوتية ثمانية مؤلفات من أصل اثنين وثلاثين مؤلفا. وقد بدأ مرحلة الكتابة في سنة 1964 بترجمة وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني مع المطرانين يوسف بشاره والمثلث الرحمة عبدو خليفه، قبل أسقفيتهم جميعا.

بفضل غنى شخصيته الكهنوتية والإنسانية، وفطنته وحكمته وحسن إدارته، وبخاصة محبته الراعوية، وحالة الفرح الدائم من فرح المسيح والإنجيل، وبفضل عطاءاته المتنوعة في التسع وعشرين سنة من الخدمة في الكهنوت، إختاره الروح القدس، بانتخاب سينودس أساقفة كنيستنا البطريركية المارونية، أسقفا في السابع من حزيران 1991، ومنحه البابا القديس يوحنا بولس الثاني الشركة، فأعلن نبأ انتخابه في الخامس والعشرين من الشهر نفسه، وقد شاءه سلفنا صاحب الغبطة مار نصرالله بطرس، نائبا بطريركيا عاما في نيابة الجبه من الأبرشية البطريركية، مقيما في الكرسي البطريركي في الديمان، فخدمها حتى سنة 2012 لمدة إحدى وعشرين سنة.

تميزت رعايته الأسقفية في نيابة الجبه، بمزيد من الفرح الدائم والسلام الداخلي وابتسامة المحبة. فعطف على الكهنة وأحبهم واحترمهم وأكرمهم، إدراكا منه أنهم معاونوه في الخدمة، وأخوته في الكهنوت، وأصدقاؤه الأحباء الذين يحمل معهم عبء الرسالة الراعوية. وإدراكا أيضا وبخاصةٍ أنهم جسمٌ كهنوتي هو رأسه باسم المسيح وبشخصه، فلا يمكن انفصال الأسقف الرأس عن الجسم الكهنوتي الموحد، ولا الجسم أو أحد أعضائه عن التناغم مع الرأس. وله الفضل الكبير في إرسال عددٍ من كهنة النيابة للتخصص في روميه وباريس، إعدادا لمستقبلٍ زاهر فيها. ورسم إثنين وثلاثين كاهنا.
ساعد من ماله الخاص الكهنة المرضى، وخصص من ماله أيضا مؤسسة للعناية بالكهنة، وعمل باهتمامٍ على مشروع تقاعدهم، وأولى العناية بالرعايا بحضوره فيها في مختلف المناسبات، قريبا جدا من أبنائها في كل ظروف حياتهم. وسهر على تنشيط الحياة الروحية فيها، وبناء الكنائس الجديدة، والقاعات الراعوية. وعطف على الفقراء والمهمشين والمسنين.


ومتن علاقات المحبة والتعاون مع الرهبانيات الرجالية والنسائية، وأديارها ومؤسساتها. وقد اعتبرهم جزءا أساسيا من حياة الكنيسة المحلية، بفضل حضورهم الروحي والراعوي والاجتماعي والتربوي الفاعل.

وزار أبناء النيابة البطريركية المنتشرين في كندا والولايات المتحدة الأميركية وأوستراليا والخليج العربي. فأحبوه وفرحوا به، ووثقوا علاقات التعاون والدعم مع بلداتهم وقراهم الأصلية. وظل على علاقة طيبة مع أبرشية البترون، مع أسقفها المطران منير خيرالله وكهنتها وشعبها. وهم وجدوا فيه أبا محبا وصديقا وفيا. وظلوا يشركوه في أفراحهم وأحزانهم.

مع هذه المهام الأسقفية، واصل الإرشاد الروحي في إكليريكيتنا البطريركية في غزير، ثم أسند إليه سلفنا صاحب الغبطة والنيافة مهمة الإشراف على هذه الإكليركية، والإشراف على رابطة كاريتاس - لبنان باسمه كرئيسٍ لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. وانتخبه هذا المجلس رئيسا للجنة الأسقفية للتعليم المسيحي، ورئيسا للجنة الأسقفية لراعوية الصحة، ما اضطره السفر إلى روما مرات عديدة للمشاركة في الجمعيات العمومية والمؤتمرات التي كانت تنظمها الدوائر الفاتيكانية المختصة. هذا فضلا عن مشاركته في أعمال السينودس الخاص بلبنان، الذي دعا إليه ورئسه البابا القديس يوحنا بولس الثاني. تعرف الأب الأقدس إلى المطران فرنسيس وفرح بنكاته، فأحبه وذات يوم شد بيديه على وجنتيه وطبع قبلة الحب على رأسه الأصلع. وأحبه المطران فرنسيس من كل قلبه ونقل إلى العربية ثلاثة كتب عن سيرة حياته. وشارك بشكل فاعل في جميع دورات مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وفي جميع نشاطات مجلس المطارنة الموارنة في لبنان ومجمع أساقفة كنيستنا. وفي أوقاته الحرة ولا سيما في أشهر الثلوج، طيلة سنوات أسقفيته الأربع والعشرين، واصل التأليف والتعريب والثبت المنطقي لمخطوطات الكرسي البطريركي ونشرها، فجاء عددها بعدد سني أسقفيته، أربعا وعشرين مؤلفا؛ بمعدل مؤلف واحد في كل سنة، حتى بلغ عدد كتاباته بمجملها اثنين وثلاثين.

مع هذا كله، خص بلدته قنات بعناية خاصة وتفقد أهلها الذين شردتهم الحرب المشؤومة، وعمل جاهدا في سبيل عودتهم، وشجع وساهم في إعادة ترميم كنسيتها، وفي بناء قاعتها الراعوية الجميلة. ولقي سندا وتعاونا كاملا، طيلة سنواته الأسقفية، من وكيلنا البطريركي في الديمان الخوراسقف فؤاد بربور. وبعد تقاعده أحاطه خلفه نائبنا البطريركي العام في نيابة الجبه سيادة المطران مارون العمار بكل محبة وتعاون واحترام. أما الأسرة العاملة في كرسي الديمان البطريركي، من راهباتٍ وموظفات وموظفين، فنعمت بمحبته وسخاء يده، وبادلته الخدمة بمودةٍ واحترام.

هذا هو المثلث الرحمة المطران فرنسيس البيسري، المعروف "بمطران الفرح والنكتة". إنه أيضا وبخاصة الكاهن والأسقف رجل المسؤوليات والأعمال الكبيرة المخبأة تحت ستار البساطة والتواضع وفرح المسيح الداخلي والابتسامة الصافية. إنه رسول فرح الانجيل لكل مسيحي، لكي يعيش جمال هذا الفرح الداخلي الذي يتولد من لقائه الشخصي مع يسوع المسيح، ومن البحث عنه كل يوم. لا يوجد فرح حقيقي من دون يسوع المسيح. ولا يقصى أحد عن الفرح الذي حمله المسيح إلى العالم. إن القلوب المنغلقة على ذاتها، وعلى مصالحها الذاتية وملذاتها وملاذها السطحية، وعلى نظرتها الضيقة ومواقفها المتصلبة، لا تعرف الفرح ولا تنبض حماسا لفعل الخير، بل تعيش في حزنٍ وفراغ داخلي، وتحرم غيرها من الفرح والسعادة في العائلة والمجتمع والدولة.

المثلث الرحمة المطران فرنسيس البيسري الذي غاب عنا سريعا كالبرق، على نشيد المزمور: "فرحت بالقائلين لي: إلى بيت الرب ننطلق"(مز 122: 1)، يدعونا جميعا بلسان بولس الرسول: "إفرحوا بالرب دائما. وأكرر القول: إفرحوا! ولتعرف محبتكم عند جميع الناس. إن الرب قريب"(فيل 4: 4).

فليجد العزاء في هذه الكلمات أخوتنا البطاركة والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات، وأبناء النيابة البطريركية في الجبه، وشقيقاه وشقيقته وأولاد المرحومة شقيقته وأخص من بينهم العزيز عبدو الذي رافقه في كل هذه السنوات، وعائلاتهم، وأهل بلدته قنات، وجميع أصدقائه ومحبيه، وهذا الحضور الكريم.

نلتمس من رحمة الله أن تشركه في فرح السماء الأبدي وتعزي قلوبكم جميعا. فالمسيح قام! آمين".

وفي نهاية الصلاة، تلا السفير كاتشيا رسالة تعزية من أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين للبطريرك الراعي وأعضاء السينودس.

ثم ووري جثمان الراحل في الثرى في مدافن الصرح البطريركي في بكركي وتقبل بعدها البطريرك والمطارنة والاهل التعازي.

وكان جثمان الفقيد وصل الى الصرح البطريركي التاسعة صباحا حيث سجي في كنيسة السيدة ورفع البطريرك الراعي والكاردينال صفير والمطارنة والاهل صلاة البخور ثم انتقل الجميع الى صالون الصرح الذي غص بالمعزين ومن ابرزهم دولة الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق جان عبيد.

26\2\2015

إرسال تعليق

 
Top