0
على الورق ميشال سليمان رئيسٌ سابق. في الواقع ميشال سليمان ما زال موجودًا في المحافل الدوليّة “بصفةٍ شخصيّة” وفي الحكومة بتمثيل ثلاثة وزراء. في البروتوكول، كلّ “التشريفات” التي تستثنيه من مرسومها بصفته غادر القصر ولن يعود اليه يدحضها الحراك الذي يسجّله ابن عمشيت الباحث عن حيثيّة أكبر... وربّما عن تكتّل وزاري أكبر يتحكّم جزئيًا بالآلية “الشاغرة”.

يخطئ قائلٌ إن سليمان “راح واستراح”. كلّ حركةٍ منه تشي بالعكس. برقيات تعازيه، تهانيه، لقاءاتُه، مشاركته في المؤتمرات الدوليّة، تشريفاتُه، خطاباتُه. ربما في مُنى الكثيرين أن يختفي عن الساحة السياسية كأسلافه، لكن هذا السيناريو لا يندرج ضمن حساباته. فما الذي قد يبحث عنه رئيسٌ سابق يعلم خير علمٍ أنه لو امتلك عصا سحريّة لما استطاع كسر القطبية المسيحيّة ولا منافسة من يأتي في الدرجة الثانية تمثيلاً كالكتائب والمردة؟

بمَ يتسلّح؟
كثيرة هي العناصر التي يتسلّح بها ميشال سليمان لضمان بقائه في اللعبة السياسيّة: أولاً، الشغور يخدمه أكثر من سواه كونه آخر من لمحته العيون في القصر وحفظته السيكولوجيا اللبنانية. ثانيًا، كتلته الحكومية المؤلّفة من ثلاثة وزراء تبقي خيوطه معلّقة في السلطة وتحفظ وجوده كلاعبٍ على الساحة أيًا تكن قدرتُه التمثيليّة. ثالثاً، التعاطف الذي يحصده الرئيس السابق لا سيّما من الوزيرين المستقلّين بطرس حرب وميشال فرعون اللذين يجدان نفسيهما خارج كلّ الأسراب، ناهيك عن “التحالف” الذي يجاهر به الكتائبيّون معه خصوصًا في هذه المرحلة “الحرجة” بالنسبة اليهم والتي يجدون أنفسهم فيها خارج أيّ غرفةٍ حواريّة مغلقة. رابعًا وأخيراً، الاستفادة من الحيثيّة (على صغر حجمها) التي بناها حجرًا حجرًا لا سيما في بلاد جبيل يوم كان قائدًا للجيش وبعدها رئيسًا “خدماتيًا”.

لمّ شمل...
قبل أن يكون ضيف الشرف اللبناني “للمنتدى الدولي للاتصالات الحكومي 2015” في امارة الشارقة في الامارات العربية المتحدة، لمّ سليمان شمل وزرائه “التائهين” في حكومة الآلية التائهة وهمس بعض النقاط الجوهرية في آذانهم ثمّ ضمّ اليهم وزيرين مستقلين (بطرس حرب وميشال فرعون) ووزيراً عن الكتائب (سجعان قزي). للوهلة الأولى فهم جميع الحكوميين فصول اللعبة السليمانيّة وأبعاد لقاءٍ مماثل عرّابه رئيسٌ سابق كان يمكن لوزرائه الثلاثة أن يتنصّلوا منه ببساطة بحكم أسبقيّته لو وجدوا لهم مكانًا في الكتل الأخرى أو قلْ لو سمحت لهم أخلاقياتُهم بالتخلي عمّن هاتفهم في ليلةٍ قمراء ليفاجئهم بهديةٍ وزارية ما كانوا يحلمون بها. فهم الجميع أن “السليمانية” لم تنتهِ بعد وأن مؤسّسها يحاول جاهدًا “تزعّم” كتلة وزاريّة وازنة إن لم تكن فاعلة فقادرة على تعطيل ما طاب لها من مراسيم وما لا يعجبها منها أو ما يمنحه رصيدًا لكتلة 8 آذار الضاغطة. لم يهضم سليمان هذا “التحليل” فسارع الى نفيه واضعًا حراكه في خانة حماية صلاحيات الرئيس التي “انتشى” بها طوال ستّ سنوات والتي يفرّط فيها بعض الوزراء اليوم (من وجهة نظره). أما الوزيران المستقلّان فحضورهما مبرّر حسب سليمان بحمايتهما من العزل. كلامٌ تعيد تأكيده مصادر مقرّبة من سليمان بإشارتها الى حرص فخامته على إنهاء الشغور كي لا يصبح المنصب المسيحي الأعلى في البلاد “مضغةً” في أفواه كلّ من استساغ الفراغ أو وجده عاديًا على المستويين التنفيذي والتشريعي”.

“الكتائب” يخرق الجدار
لا تؤمن قوى 8 آذار الحكومية والنيابيّة بمثل هذا “الكلام الوردي الذي لا يُقنِع ابن سنتين. فسليمان يحاول إنشاء تكتّل وزاري ثالث منذ كان في سدّة الرئاسة ولكن الكتائب كانوا حذرين إزاء هذا الموضوع، نظرًا الى أن حلفهم مع القوات كان لا يزال جيدًا، أما اليوم فيتّضح أن الدعم الأكبر الذي يلقاه سليمان إنما مصدره الكتائبيون كونهم يصنّفون أنفسهم على أنهم منفردون خصوصًا بعد الحوار العوني-القواتي، فقرروا خرق جدار الحوارين القائمين بفتح جبهة ثالثة تقوم على إرضاء الرغبة السليمانية بكتلةٍ ثالثة” تقول مصادر 8 آذار لـ”صدى البلد”. وشددت المصادر على أن “هذا الحلف لا يخيف أحدًا إن كُتِبت له الحياة، حتى إن بكركي لا تباركه بل تبارك الحوار بين الرابية ومعراب فحسب خشية تعزيز التشتّت المسيحي الذي لم يصدّق سيّد الصرح أن حواراً من قبيل ذاك الآخذ في النضوج قد يضع حدًا جزئيًا له”.

“متحالفون وإيّاه”
صحيحٌ أن التقارب الكتائبي-السليماني ليس حديث العهد، إلا أن الظروف المختلفة اليوم بعد “تقاعد” الرئيس واستبعاد الكتائب من حركة الحوار تحمّل لقاءهما والتقاءهما رمزيّة يُبنى عليها إن لم يكن في المفاعيل فأقله في المظاهر السياسيّة. وفي هذا المضمار، يؤكد وزير العمل سجعان قزّي لـ”صدى البلد” أن “الاجتماع الذي حضره لم يكن لكتلة الرئيس سليمان بل لكتلتي الرئيس والكتائب وأبرز وزيرين مستقلين، وعندما سنجتمع في دارة الرئيس أمين الجميل ككتلة لن يحضر وزراء سليمان. جلّ ما في الأمر أننا في صدد العمل على إرساء تشاور دائم في ما بيننا لمواجهة التحديات الراهنة وأبرزها شغور رئاسة الجمهورية والعمل على خلق ديناميكية ضاغطة للانتخاب”. وأردف: “لم أحضر من تلقاء نفسي بل بتوجيهات من الرئيس الجميل”. ولكن كثرًا يعتقدون أن سليمان يعمل على استيلاد تكتّل حكومي جديد بدعمٍ منكم؟ يجيب قزي: “لا أعلّق على ما يقوله هذا أو ذاك عن سليمان الذي أنهى عهده بمواقف وطنية وله حيثيته ونحن في الكتائب نتعامل معه على هذا الأساس، خصوصًا أن ما يميز هذه العلاقة أنها لا تجمع كتلتين وزاريّتين فحسب، بل رئيسي جمهوريّة سابقين، وهذا قلما حصل”. وعن توقيت اللقاء المتزامن مع حوارٍ سارٍ وحوارٍ مسيحي منتظر قريبًا ليس الكتائبيون أحد أطرافه قال قزي: “اليوم بالذات لأن الشغور طال وبعضهم يريد أن يعزز عمل باقي المؤسسات الدستورية على حساب رئاسة الجمهورية وهذا أمر لا نقبل به”. أوَلا يمنح حزب الكتائب سليمان حيثيّة إضافية بمشاطرته همّي الرئاسة والآلية؟ يختم قزي: “ليست بيننا ذهنية الأخذ والعطاء، نحن نتحالف وإياه لأننا نؤمن بالمبادئ الوطنية ذاتها وكنا الى جانبه في رئاسة الجمهورية ومعًا أصدرنا إعلان بعبدا وطرحنا اللامركزية الموسعة والحياد. ما يجمعنا معه خيارات وطنية مهمّة أبعد من الأخذ والردّ، ثمّ هو له حيثيته الداخلية والخارجية”.

تعويمٌ حريري
إذا كان عذرُ الكتائبيين معهم، فماذا يفعل حرب وفرعون في اجتماع مماثل؟ الجواب في جعبة الرئيس سعد الحريري الذي ما زال داخل الأراضي اللبنانيّة. جعبة يختبئ فيها السبب الحقيقي وراء ما يسمّيه حكوميّون “تعويم” الحريري لسليمان بمباركةٍ جنبلاطيّة، وهو ما برز في الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في “البيال” حيث كان مقعد سليمان محفوظًا الى جانب الرئيسين تمام سلام وسعد الحريري. ليس هذا الاهتمام وليد مرحلة الشغور بل ما قبلها حيث كان “المستقبل” يغتبط للاندفاعة السليمانية المصوِّبة على حزب الله في مواقف جعلته يغادر قصره “مكروهًا” من قبل شريحة كبيرة من اللبنانيين بلا خطّ رجعة. وبما أن خطّ الرجعة غير محفوظ لا ضير في توجيه أصابع الاتهام أخيراً بتشويه صورته الى حارة حريك والرابية على السواء.

يرى صورته فيهم...
إذاً، الحالة الرئاسيّة ما زالت تلبس سليمان وتأبى مفارقته من عمشيت الى الشارقة الى البيال وحتى الى سريره. وإن خرق بروتوكول الرئيس السابق أو أحرج الرئيس تمام سلام بتصرفاته الرئاسيّة التي لا تحمل صفة “السابق” أو أبرق الى الرئيس المصري معزيًا بالأقباط الـ21... لا يهمّ. جلّ ما في الأمر أن الرجل الذي استهلّ مسيرة الأضواء في المؤسسة العسكرية واستكملها في قصر بعبدا لا يريد أن ينهيها في أحد أحواض سباحة قصره العمشيتي... طموحه أن يرى صورتَه في وزراء أوفياء له يقولون ذات يوم: مرجعيّتنا فخامة الرئيس ميشال سليمان (مع إسقاط كلمة السابق عمدًا)، أو في أحسن الأحوال في كتلةٍ وزاريّة ملوّنة من المستقلين والناقمين يكون هو عرابها الروحي الشرفي... لا أكثر. 

 الياس قطار - "البلد" - 25\2\2015

إرسال تعليق

 
Top