0
الدولة كـ»نظام» في أي بقعة من الأرض هي التي يتفق الشعب على قيامها في الإقليم من الأرض الذي يعيشون فيه، بعد أن تجمعهم حال «التضامن الثقافي» المتولدة من حال «الإندماج المجتمعي» عبر الأزمنة بعد أن تكون وحدة «الثقافة» والتي ترتكز على تاريخ طويل تعيشه الأجيال المختلفة قد وحّدتهم في ظل نظم واحدة، فتتكوّن عندها روح الوحدة توحّد أهداف أفراد هذه «الثقافة الواحدة» أو الشعب بامتلاكهم لـ»وحدة التضامن الاجتماعي» الشرط الأساسي لكل حياة إجتماعية سليمة أو عادية، أو حال «الضمير الاجتماعي» أو «الوعي بالجماعة».

من هنا فإنّ الدولة تحترم مبدأ «المواطنة» أو «الوعي بالجماعة» إذا توافر شرطان رئيسيان وهما: 1- زوال وجود حكم قلّة من الناس، وتحرير الدولة من التبعية لحكم الفرد أو هذه القلّة، وذلك باعتبار الشعب كل الشعب مصدر السلطات. 2- إعتبار جميع من يتمتّع بجنسية هذه الدولة، مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات أمام دستور هذه الدولة.

فـ»المواطنة» إذن واحترام أحكامها من المكوّنات الأصيلة لـ»دولة الديموقراطية» أو «دولة القانون»، وحينما يتحدّث «أهل الحل والربط» في المجتمع اللبناني، عن مبدأ «المواطنة» فهم يُفترض فيهم أنهم يتحدّثون عن المواطنين اللبنانيين الذين يحترم كل منهم الآخر -أو مبدأ الإعتراف بالآخر كما هو هذا الآخر- وكذلك احترام والعمل بمبدأ «التسامح» و»الإعتدال والوسطية» تجاه «التنوّع» الذي هو «لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه»، فمن دون «التنوّع» لا وجود لـ»لبنان - الوطن» صاحب «الصيغة الفريدة» في «العيش المشترك» منذ القرن الـ8 الميلادي إنطلاقاً من «بيروت التاريخ» بـ»وجهها الحضاري المميّز».. هذه الصيغة التي أكد عليها «الميثاق الوطني» في عام 1943، ثم «إتفاق الطائف» 1989، والذي كرّس في الإعلان الدستوري 1990/9/21، ومن ثمّ تأكدت روح هذا «الميثاق الوطني» في «إعلان بعبدا» 2012..

ليصل «لبنان - الرسالة الحضارية» بهذه المحطات الثلاث الى التأكيد على احترام «التعددية في الدين والإلتحام في المواطنة» مبدأ «المواطنة» وهو احترام لأهم المكوّنات الأصيلة لـ»الدولة الديموقراطية» أو «دولة القانون» التي كان قد أطلق الرئيس «سليمان» من دافع تقديره واحترامه لمبدأ «المواطنة» لقب «دولة المواطنة» أو «التوازن الوطني» حينما قال: «أُذكّر الجميع بتطبيق ميثاق العيش المشترك المنصوص عليه في البند -ي- في مقدمة الدستور، هذا الميثاق الذي لا يهدف الى توزيع الحصص بين الطوائف يلقي المسؤوليات الجسام على عاتق هؤلاء المسلمين والمرجعيات، أقلها المشاركة في واجب احترام الدستور، وتطبيق القوانين وتطويرها وعصرنتها لتنقل وطننا من واقعه الراهن الى دولة المواطنة».

وبهذه القراءة لحكمة «سليمان الحكيم» عن كيفية نقل «الواقع اللبناني» الراهن الى «دولة المواطنة المتساوية» عبر «حوار يستند الى الحقائق» لأنّ تجارب لبنان السابقة أثبتت بحسب ما أكد رئيس وزراء لبنان السابق «نجيب ميقاتي»: «أنّه لا يمكن لطرف أن يُلغي الآخر أياً كان هذا الآخر» لأنّ: «لبنان لم يكن يوماً بلون سياسي أو حزبي أو طائفي أو مذهبي واحد، ولن يكون على هذا النحو».

ومن هنا يثور التساؤل وقد دخل لبنان في «أجواء المنعطف الخطر» لسنة الإستحقاقات الكبرى 2015 كيف سيحافظ «لبنان التنوّع» على «دولة المواطنة المتساوية» أو «دولة القانون» التي تحمي ذاتها بمؤسساتها الدستورية وفي مقدمها «مؤسسة الرئاسة الأولى» المغيّبة قسراً من قِبَل «البعض الداخلي» وتسهر على مصالح جميع أبنائها إذا تعثرت مسيرة «الحوار الوطني» كما في الماضي حينما أصبح كالسراب كلما اقترب منه اللبنانيون كلما ابتعد عنهم! وكالصدى يسمعه اللبنانيون بآذانهم إلاّ أنّه يستحيل أن يروه بأعينهم»!!..

وقد تكون الإجابة في ظل الإحتمالات المتعددة هي في تحوّل «ميزان القوة» في اتجاه اللبنانيين المعتدلين، لأنّ على اللبنانيين جميعاً أن يوفروا لأنفسهم الإستقرار -في إقليمهم الكبير: إقليم الشرق الأوسط المتفجر- لأنّ ليس هناك أي فريق لبناني -والجميع محشور سياسياً في هذه الظروف الصعبة- سيستفيد من أي خلل أو اضطراب يُبعد لبنان الراهن عن «دولة المواطنة»، لأنّ لبنان حينما «سيكوّع» عن «دولة المواطنة» أو «الوعي بالجماعة» سيغرق في التداعيات الإقليمية التي تحاصره..!

القاهرة - يحيى أحمد الكعكي - الشرق 5\1\2015

إرسال تعليق

 
Top