لم يتمكن توماس فريدمان من الحصول على أي معلومة جديدة من باراك أوباما، خلال المقابلة التي أجراها معه ونشرتها «واشنطن بوست» قبل أسبوعين، لكنه وقع على جملة مهمة وذات دلالة توحي بما يشبه الانقلاب الكامل في سياسة الإدارة الأميركية حيال الشرق الأوسط، وهو ما يساعد في فهم التناقض الصارخ والمتزايد في مواقف واشنطن من التطورات التي تجتاح بعض دول المنطقة.
يعترف أوباما ضمنا بأنه يتعامل مع الشرق الأوسط من منطلق اقتناعه بأن المعادلة الجيوستراتيجية التي رسمتها نهاية الحرب العالمية الأولى للمنطقة قد انتهت، وهذا لا يعني أن المعادلات التي أرساها اتفاق سايكس - بيكو على النحو المعروف قد سقطت بالنسبة إلى إدارته، بل يعني أن هذه الإدارة تعمل وفق استراتيجية جديدة غير معلنة.
على هذا الأساس يمكن من خلال ما تتخذه واشنطن من المواقف في الأعوام الـ4 الأخيرة، حيال علاقاتها التفاعلية مع النظام الإيراني وحيال التطورات العاصفة التي شهدتها بعض الدول كمصر وسوريا والعراق، أن نفهم ازدواجية المعايير والتناقض المتزايد، بين ما يحصل عليه خصومها المفترضون وما يفاجئ حلفاءها التقليديين، وخصوصا دول «مجلس التعاون الخليجي»!
ما يزيد الأمور إثارة أن إدارة أوباما تبدو وكأنها تطبق نمطين متناقضين في علاقاتها الدبلوماسية، ربما على سبيل التعمية كما يرى بعض المسؤولين الذين فروا من إدارة أوباما بسبب سياسته حيال الأزمة السورية مثل ليون بانيتا وتشاك هيغل وروبرت فورد وفريدريك هوف، وفي هذا السياق تحديدا تبرز «دبلوماسية الرياء» التي يتم اعتمادها مع الدول العربية والخليجية، وفي مقابل «دبلوماسية الخفاء» التي تتميز بميل متصاعد إلى القبول بزيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، رغم كل ما قيل ويقال عن «الاشتباك» في الملف النووي!
طبعا لم تكن رسالة أوباما إلى المرشد علي خامنئي التي أدت إلى استقالة أو إلى إقالة وزير الدفاع السابق تشاك هيغل الأولى؛ فمنذ عام 2009 وجّه أوباما ثلاث رسائل مماثلة إلى خامنئي، انطلاقا من الاقتناع بأن «الأمر في طهران يعود إلى علي».. هكذا يقال في الغرف المغلقة في البيت الأبيض، حيث يبرز التهافت المتصاعد الذي يظهره أوباما على طهران للتوصل إلى اتفاق نووي، بغض النظر عن قواعد وحدود السياسات والتدخلات والتلاعب الإيراني المتزايد في شؤون المنطقة ودولها.
وهكذا فإن تصريحا كالذي أدلى به مستشار خامنئي، علي أكبر ولايتي قبل أسبوعين، والذي يقول إنه بات لإيران نفوذ أساسي في المنطقة يمتد من اليمن إلى لبنان، لا يترك أي أثر أو رد فعل في البيت الأبيض، الذي لا تفوته بالطبع أبعاد المطامع الإيرانية التي تندفع للعب دور محوري في الإقليم، ولعل ما يحصل هذه الأيام في اليمن خير دليل على هذا!
من الهرطقة أن يرى البعض في واشنطن أن أوباما يتعمد إظهار الصبر والإيجابية في الملف النووي بهدف عدم تحميل الجانب الأميركي مسؤولية إفشال المفاوضات، لكن قياسا بحديثه عن الانقلاب الجيوستراتيجي في المنطقة، يصبح هذا الكلام مجرد تفصيل أو بالأحرى مجرد تعمية، ذلك أن رسائل أوباما إلى خامنئي، ليست أكثر من الجزء الظاهر من جبل جليد لعلاقات غير مكتوبة بدأت تتشكّل منذ الثمانينات، عندما انفجرت «فضيحة الكونترا» أو ما سُمّي في حينه بفضيحة «إيران غيت»، عندما نقلت الاستخبارات الأميركية شحنات السلاح للثورة الإيرانية من إسرائيل.
دعونا من الشعارات الطنّانة الرنّانة: «الشيطان الأكبر» و«الاستكبار والتآمر» وفي المقابل «محور الشر» والتطرف وما إلى ذلك، فمنذ عام 2001 إلى الآن مرورا طبعا بعام 2003 هناك آلاف من الدراسات والتصريحات ومجموعة واسعة من الكتب، وكلها تؤكّد وجود تعاون ضمني بين واشنطن وطهران، أو على الأقل تتحدث عن تلاقٍ في المصالح بينهما، من البديهي أنه يحتاج عمليا إلى تخطيط أكثر من المصادفات!
والدليل أن الحرب على أفغانستان عام 2001 كانت قرارا أميركيا لكنه أفاد إيران كثيرا، وخصوصا لدورها المساعد في ضرب «طالبان» و«القاعدة» التي انتقل بعض من قيادييها الإرهابيين إلى طهران، ثم إن الحرب على العراق عام 2003 التي أسقطت نظام صدام حسين انتهت بتقديم البلد إلى الإيرانيين على طبق من فضة، وهو «طبق» نوري المالكي الذي تبيّن أنه صنع دولة دفترية من ورق، وهو ما ساعد «داعش» على اجتياح محافظاتها الفارغة إلا من الفساد.
منتصف الشهر الماضي كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن رسالة أوباما السرية إلى خامنئي لم تكن السبب وراء إقالة تشاك هيغل، بل المناقشة الساخنة التي جرت حولها وأوحت وكأن أوباما يغرّر بوزير دفاعه فيما يتعلق بالأزمة السورية، فبعدما سأل هيغل عن الرسالة كشف أوباما صراحة أنه أورد فيها ما يطمئن خامنئي إلى أن واشنطن ليست بصدد المسّ ببشار الأسد حليفه في دمشق، وأنه على استعداد للابتعاد عن حلفائه العرب والخليجيين وللتضحية بالمعارضة السورية، إذا كان ذلك سيؤدي إلى توقيع إيران على اتفاق نووي!
أمام ذهول أعضاء الحكومة الحاضرين سأل هيغل وما هو مبرر تقديم كل هذه التنازلات للإيرانيين، فجاء جواب أوباما من صميم نظريته حول التغيير الجيوستراتيجي في المنطقة: «ذلك سيعزز الاستقرار في الشرق الأوسط. يجب أن نتعامل مع إيران كشريك في العراق وسوريا»!
شريك إيراني في العراق وسوريا؟
أولم يقرأ أوباما كلام وزير دفاعه الأسبق المستقيل ليون بانيتا الذي اتهمه بالتسبب فيما جرى في العراق؟ أولم يقرأ اتهامات هيلاري كلينتون بأنه ترك في سوريا فراغا ملأه الإرهابيون؟ أولم يعرف أن روبرت فورد سفيره في دمشق استقال بسبب تعاميه عن المذابح التي نفذها الأسد حليف إيران؟ أولم يقرأ كلام فريدريك هوف مستشاره الخاص للشؤون السورية الذي يقول «إن نتائج القتل الجماعي مذهلة عندما يصبح الأسد عامل استقرار في سوريا»؟
ثم أولم يعرف أوباما أن الجمعية الأوروبية لحرية العراق تتهمه بتسليم العراق إلى الإيرانيين وأن ما جرى ويجري من تغول «داعش» هو نتيجة طبيعية لهذا، وأن التعاون مع إيران في مواجهة الإرهابيين خطأ قاتل لأنه يزوّد «داعش» بالمزيد من التأييد، وخصوصا مع تأجج المشاعر المذهبية المخيفة التي ينفخ البيت الأبيض فيها!
وبإزاء كل هذا ومع فرار المسؤولين الأميركيين نتيجة سياسات أوباما الإيرانية - السورية، هل كثير القول إن الأسد ينجح في تدمير إدارة أوباما كما دمر سوريا!
يعترف أوباما ضمنا بأنه يتعامل مع الشرق الأوسط من منطلق اقتناعه بأن المعادلة الجيوستراتيجية التي رسمتها نهاية الحرب العالمية الأولى للمنطقة قد انتهت، وهذا لا يعني أن المعادلات التي أرساها اتفاق سايكس - بيكو على النحو المعروف قد سقطت بالنسبة إلى إدارته، بل يعني أن هذه الإدارة تعمل وفق استراتيجية جديدة غير معلنة.
على هذا الأساس يمكن من خلال ما تتخذه واشنطن من المواقف في الأعوام الـ4 الأخيرة، حيال علاقاتها التفاعلية مع النظام الإيراني وحيال التطورات العاصفة التي شهدتها بعض الدول كمصر وسوريا والعراق، أن نفهم ازدواجية المعايير والتناقض المتزايد، بين ما يحصل عليه خصومها المفترضون وما يفاجئ حلفاءها التقليديين، وخصوصا دول «مجلس التعاون الخليجي»!
ما يزيد الأمور إثارة أن إدارة أوباما تبدو وكأنها تطبق نمطين متناقضين في علاقاتها الدبلوماسية، ربما على سبيل التعمية كما يرى بعض المسؤولين الذين فروا من إدارة أوباما بسبب سياسته حيال الأزمة السورية مثل ليون بانيتا وتشاك هيغل وروبرت فورد وفريدريك هوف، وفي هذا السياق تحديدا تبرز «دبلوماسية الرياء» التي يتم اعتمادها مع الدول العربية والخليجية، وفي مقابل «دبلوماسية الخفاء» التي تتميز بميل متصاعد إلى القبول بزيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، رغم كل ما قيل ويقال عن «الاشتباك» في الملف النووي!
طبعا لم تكن رسالة أوباما إلى المرشد علي خامنئي التي أدت إلى استقالة أو إلى إقالة وزير الدفاع السابق تشاك هيغل الأولى؛ فمنذ عام 2009 وجّه أوباما ثلاث رسائل مماثلة إلى خامنئي، انطلاقا من الاقتناع بأن «الأمر في طهران يعود إلى علي».. هكذا يقال في الغرف المغلقة في البيت الأبيض، حيث يبرز التهافت المتصاعد الذي يظهره أوباما على طهران للتوصل إلى اتفاق نووي، بغض النظر عن قواعد وحدود السياسات والتدخلات والتلاعب الإيراني المتزايد في شؤون المنطقة ودولها.
وهكذا فإن تصريحا كالذي أدلى به مستشار خامنئي، علي أكبر ولايتي قبل أسبوعين، والذي يقول إنه بات لإيران نفوذ أساسي في المنطقة يمتد من اليمن إلى لبنان، لا يترك أي أثر أو رد فعل في البيت الأبيض، الذي لا تفوته بالطبع أبعاد المطامع الإيرانية التي تندفع للعب دور محوري في الإقليم، ولعل ما يحصل هذه الأيام في اليمن خير دليل على هذا!
من الهرطقة أن يرى البعض في واشنطن أن أوباما يتعمد إظهار الصبر والإيجابية في الملف النووي بهدف عدم تحميل الجانب الأميركي مسؤولية إفشال المفاوضات، لكن قياسا بحديثه عن الانقلاب الجيوستراتيجي في المنطقة، يصبح هذا الكلام مجرد تفصيل أو بالأحرى مجرد تعمية، ذلك أن رسائل أوباما إلى خامنئي، ليست أكثر من الجزء الظاهر من جبل جليد لعلاقات غير مكتوبة بدأت تتشكّل منذ الثمانينات، عندما انفجرت «فضيحة الكونترا» أو ما سُمّي في حينه بفضيحة «إيران غيت»، عندما نقلت الاستخبارات الأميركية شحنات السلاح للثورة الإيرانية من إسرائيل.
دعونا من الشعارات الطنّانة الرنّانة: «الشيطان الأكبر» و«الاستكبار والتآمر» وفي المقابل «محور الشر» والتطرف وما إلى ذلك، فمنذ عام 2001 إلى الآن مرورا طبعا بعام 2003 هناك آلاف من الدراسات والتصريحات ومجموعة واسعة من الكتب، وكلها تؤكّد وجود تعاون ضمني بين واشنطن وطهران، أو على الأقل تتحدث عن تلاقٍ في المصالح بينهما، من البديهي أنه يحتاج عمليا إلى تخطيط أكثر من المصادفات!
والدليل أن الحرب على أفغانستان عام 2001 كانت قرارا أميركيا لكنه أفاد إيران كثيرا، وخصوصا لدورها المساعد في ضرب «طالبان» و«القاعدة» التي انتقل بعض من قيادييها الإرهابيين إلى طهران، ثم إن الحرب على العراق عام 2003 التي أسقطت نظام صدام حسين انتهت بتقديم البلد إلى الإيرانيين على طبق من فضة، وهو «طبق» نوري المالكي الذي تبيّن أنه صنع دولة دفترية من ورق، وهو ما ساعد «داعش» على اجتياح محافظاتها الفارغة إلا من الفساد.
منتصف الشهر الماضي كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن رسالة أوباما السرية إلى خامنئي لم تكن السبب وراء إقالة تشاك هيغل، بل المناقشة الساخنة التي جرت حولها وأوحت وكأن أوباما يغرّر بوزير دفاعه فيما يتعلق بالأزمة السورية، فبعدما سأل هيغل عن الرسالة كشف أوباما صراحة أنه أورد فيها ما يطمئن خامنئي إلى أن واشنطن ليست بصدد المسّ ببشار الأسد حليفه في دمشق، وأنه على استعداد للابتعاد عن حلفائه العرب والخليجيين وللتضحية بالمعارضة السورية، إذا كان ذلك سيؤدي إلى توقيع إيران على اتفاق نووي!
أمام ذهول أعضاء الحكومة الحاضرين سأل هيغل وما هو مبرر تقديم كل هذه التنازلات للإيرانيين، فجاء جواب أوباما من صميم نظريته حول التغيير الجيوستراتيجي في المنطقة: «ذلك سيعزز الاستقرار في الشرق الأوسط. يجب أن نتعامل مع إيران كشريك في العراق وسوريا»!
شريك إيراني في العراق وسوريا؟
أولم يقرأ أوباما كلام وزير دفاعه الأسبق المستقيل ليون بانيتا الذي اتهمه بالتسبب فيما جرى في العراق؟ أولم يقرأ اتهامات هيلاري كلينتون بأنه ترك في سوريا فراغا ملأه الإرهابيون؟ أولم يعرف أن روبرت فورد سفيره في دمشق استقال بسبب تعاميه عن المذابح التي نفذها الأسد حليف إيران؟ أولم يقرأ كلام فريدريك هوف مستشاره الخاص للشؤون السورية الذي يقول «إن نتائج القتل الجماعي مذهلة عندما يصبح الأسد عامل استقرار في سوريا»؟
ثم أولم يعرف أوباما أن الجمعية الأوروبية لحرية العراق تتهمه بتسليم العراق إلى الإيرانيين وأن ما جرى ويجري من تغول «داعش» هو نتيجة طبيعية لهذا، وأن التعاون مع إيران في مواجهة الإرهابيين خطأ قاتل لأنه يزوّد «داعش» بالمزيد من التأييد، وخصوصا مع تأجج المشاعر المذهبية المخيفة التي ينفخ البيت الأبيض فيها!
وبإزاء كل هذا ومع فرار المسؤولين الأميركيين نتيجة سياسات أوباما الإيرانية - السورية، هل كثير القول إن الأسد ينجح في تدمير إدارة أوباما كما دمر سوريا!
راجح الخوري - الشرق الأوسط 4\1\2015
إرسال تعليق