مُعبِّرٌ ما قاله العماد ميشال عون غداة الجلسة الاولى للانتخابات الرئاسية التي وضع فيها نوابه أسماء شهداء الحرب على شكل تصويت سلبي لماضي الدكتور سمير جعجع، حيث قال متبنِّياً نظرية نبش قبور الحرب: «للناس ذاكرة».
ذاكرة عون لا تزال قوية جداً لكي لا تنسى أنه قال «للناس ذاكرة»، وعلى قاعدة ذكّر إن نفعت الذكرى، لا يفترض المرور على السجلّ الطويل لعلاقة عون وجعجع بلا تنشيط الذاكرة. يقول أحد القياديين إنّ عون الذي شنّ حرب إلغاء على «القوات اللبنانية»، كلفت لبنان أكثر من 1000 قتيل، ومئات آلاف المهاجرين وآلاف الجرحى، يفتح الابواب اليوم أمام حوار مع جعجع، مائدته الاساسية ترتيب صفقة ثنائية تمهِّد لوصوله الى بعبدا، عليه مسؤولية أن يشرح، خصوصاً لجمهوره، لماذا فقد الذاكرة فجأة، كما عليه أن يشرح لماذا يستعيدها كلما اعترض أحدٌ طريقه للوصول الى قصر بعبدا، مرة باتهام جعجع بالاجرام، ومرة باتهام تيار «المستقبل» بالفساد، كذلك عليه أن يشرح لماذا يعطّل استعادة الذاكرة، عندما يرى أملاً في تليين موقف خصومه من انتخابه رئيساً.
إذا كان يصحّ تطبيق مبدأ «الإبراء المستحيل»، على ذاكرة عون، فأيّ مبدأ يصحّ تطبيقه على مَن حاوروه، ومَن يحاورونه اليوم، وهل هؤلاء شركاء لا اراديين له، في استغباء عقول الناس واحتقارهم، الى درجة التواطؤ؟ وماذا يبرّر هذا الحوار الذي لا يُفهم منه الى الآن سوى محاولة التوصل الى تفاهم رئاسي، سواء عبر صفقة تقاسم للسلطة، او عبر محاولة التوصل الى اسم توافقي.
قد يبدو موقف كلٍّ من تيار «المستقبل» أو «القوات اللبنانية» مفهوماً في الاستجابة لأيّ دعوة للحوار، لكن ما لا يمكن وضعه في خانة الانسجام مع الذات الـ 14 آذارية، هو هذا التهافت الى الحوارات الثنائية، مرة مع عون، ومرة مع حزب الله، كذلك ما لا يمكن فهمه، هو الرد بين الحلفاء بعضهم على بعض، بحوار ثنائي مقابل حوار آخر، في مشهد يوحي كأنّ قوى 14 آذار باتت تلعب في خانة حزب الله بالكامل، خصوصاً عندما تتخلّى عن قوة ادعائها بأنها تحمل مشروعاً عابراً للطوائف، بات يواجه الآن أكثر منه بكثير من العام 2005، موجة مذهبية عاتية.
تبعاً لذلك فإنّ الاعتراف بخطورة النزاع المذهبي، لا يكون علاجه بحوار بين ممثلي مذهبين، فهذا الاعتراف هو مكسب كبير لحزب الله، وخسارة لتيار «المستقبل» الذي وضع منذ اللحظات الاولى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في خانة الشأن الوطني.
وتبعاً لذلك أيضاً فإنّ الاعتراف بالانقسام المسيحي الذي يضعف المسيحيين ودورهم، لا يكون علاجه بحوار اضطراري بين «القوات» وعون تحت عنوان الإمساك بثنائية الزعامة المسيحية على ابواب التسوية الرئاسية، في حين أنّ هذا الانقسام هو في حقيقته خلاف على الخيارات السياسية الكبرى، ولا يُفترض أن يكون نزاعاً على الاحجام، عبر استثارة عصبية مسيحية، لا مكان فيها لطرف عبر حواجز الحرب، كـ«القوات اللبنانية».
لم يتطرّق الحوار الذي إنعقدت جلسته الأولى في عين التينة الى أيّ موضوع اساسي. يحمل «المستقبل» بعض القضايا التفصيلية ليطرحها في الجلسة المقبلة الاثنين، منها ما يرتبط بتخفيف الاحتقان المذهبي (إنهاء الأعلام والمظاهر الحزبية الاستفزازية في شوارع بيروت) ويحمل طرحاً للكلام حول التوافق في الانتخابات الرئاسية.
أما الحوار الثاني بين عون وجعجع، فهو يبدو الى الآن حواراً احتياطياً، في ظلّ تأكيد أن لا لقاءَ قريباً بينهما، على الأقل في انتظار توضح صورة الحوار الأول والنتائج الرئاسية التي ستصدر عنه.
ما يُستخلص من هذين الحوارين، هو أنّ كلاً من «المستقبل» و»القوات» يسيران منفردَين، في حوارات ثنائية، وكلّ ذلك يتمّ قبل اسابيع من الذكرى العاشرة لولادة «ثورة الاستقلال» الثاني.
أسعد بشارة - الجمهورية 3\1\2015
ذاكرة عون لا تزال قوية جداً لكي لا تنسى أنه قال «للناس ذاكرة»، وعلى قاعدة ذكّر إن نفعت الذكرى، لا يفترض المرور على السجلّ الطويل لعلاقة عون وجعجع بلا تنشيط الذاكرة. يقول أحد القياديين إنّ عون الذي شنّ حرب إلغاء على «القوات اللبنانية»، كلفت لبنان أكثر من 1000 قتيل، ومئات آلاف المهاجرين وآلاف الجرحى، يفتح الابواب اليوم أمام حوار مع جعجع، مائدته الاساسية ترتيب صفقة ثنائية تمهِّد لوصوله الى بعبدا، عليه مسؤولية أن يشرح، خصوصاً لجمهوره، لماذا فقد الذاكرة فجأة، كما عليه أن يشرح لماذا يستعيدها كلما اعترض أحدٌ طريقه للوصول الى قصر بعبدا، مرة باتهام جعجع بالاجرام، ومرة باتهام تيار «المستقبل» بالفساد، كذلك عليه أن يشرح لماذا يعطّل استعادة الذاكرة، عندما يرى أملاً في تليين موقف خصومه من انتخابه رئيساً.
إذا كان يصحّ تطبيق مبدأ «الإبراء المستحيل»، على ذاكرة عون، فأيّ مبدأ يصحّ تطبيقه على مَن حاوروه، ومَن يحاورونه اليوم، وهل هؤلاء شركاء لا اراديين له، في استغباء عقول الناس واحتقارهم، الى درجة التواطؤ؟ وماذا يبرّر هذا الحوار الذي لا يُفهم منه الى الآن سوى محاولة التوصل الى تفاهم رئاسي، سواء عبر صفقة تقاسم للسلطة، او عبر محاولة التوصل الى اسم توافقي.
قد يبدو موقف كلٍّ من تيار «المستقبل» أو «القوات اللبنانية» مفهوماً في الاستجابة لأيّ دعوة للحوار، لكن ما لا يمكن وضعه في خانة الانسجام مع الذات الـ 14 آذارية، هو هذا التهافت الى الحوارات الثنائية، مرة مع عون، ومرة مع حزب الله، كذلك ما لا يمكن فهمه، هو الرد بين الحلفاء بعضهم على بعض، بحوار ثنائي مقابل حوار آخر، في مشهد يوحي كأنّ قوى 14 آذار باتت تلعب في خانة حزب الله بالكامل، خصوصاً عندما تتخلّى عن قوة ادعائها بأنها تحمل مشروعاً عابراً للطوائف، بات يواجه الآن أكثر منه بكثير من العام 2005، موجة مذهبية عاتية.
تبعاً لذلك فإنّ الاعتراف بخطورة النزاع المذهبي، لا يكون علاجه بحوار بين ممثلي مذهبين، فهذا الاعتراف هو مكسب كبير لحزب الله، وخسارة لتيار «المستقبل» الذي وضع منذ اللحظات الاولى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في خانة الشأن الوطني.
وتبعاً لذلك أيضاً فإنّ الاعتراف بالانقسام المسيحي الذي يضعف المسيحيين ودورهم، لا يكون علاجه بحوار اضطراري بين «القوات» وعون تحت عنوان الإمساك بثنائية الزعامة المسيحية على ابواب التسوية الرئاسية، في حين أنّ هذا الانقسام هو في حقيقته خلاف على الخيارات السياسية الكبرى، ولا يُفترض أن يكون نزاعاً على الاحجام، عبر استثارة عصبية مسيحية، لا مكان فيها لطرف عبر حواجز الحرب، كـ«القوات اللبنانية».
لم يتطرّق الحوار الذي إنعقدت جلسته الأولى في عين التينة الى أيّ موضوع اساسي. يحمل «المستقبل» بعض القضايا التفصيلية ليطرحها في الجلسة المقبلة الاثنين، منها ما يرتبط بتخفيف الاحتقان المذهبي (إنهاء الأعلام والمظاهر الحزبية الاستفزازية في شوارع بيروت) ويحمل طرحاً للكلام حول التوافق في الانتخابات الرئاسية.
أما الحوار الثاني بين عون وجعجع، فهو يبدو الى الآن حواراً احتياطياً، في ظلّ تأكيد أن لا لقاءَ قريباً بينهما، على الأقل في انتظار توضح صورة الحوار الأول والنتائج الرئاسية التي ستصدر عنه.
ما يُستخلص من هذين الحوارين، هو أنّ كلاً من «المستقبل» و»القوات» يسيران منفردَين، في حوارات ثنائية، وكلّ ذلك يتمّ قبل اسابيع من الذكرى العاشرة لولادة «ثورة الاستقلال» الثاني.
أسعد بشارة - الجمهورية 3\1\2015
إرسال تعليق