0
دخلت الطبيعة التي كانت تُحتضر على مدى السنتين الماضيتين في وادي أدونيس مرحلة الموت السريري، وبدأت وزارة الطاقة بتنفيذ حكم الإعدام بحقها، بالتعاون مع وزارة الزراعة وعلى مرأى الوزارة الأم، وزارة البيئة.

ففي وادي أدونيس مقدّسات تدنّس، وطبيعة تُقتل "ولكن دون قيامة". فلم تردع دماء أدونيس الفينيقي النازفة ولا تضرعات عشتروت "الهة الحب والجمال" حكومة الصفقات والنهب المتبادل عن تنفيذ مشروع سد جنة الذي يحتاج إنجازه إلى قطع 300 ألف شجرة في وادٍ مميز في الشرق الأوسط بغناه البيئي، وادٍ ربما تعجز دولة تمديد الأزمات عن فهم قيمته البيئية، الثقافية والتاريخية.

آلاف الأشجار قُطعت وما زال القطع مستمرّا تحت حجة بناء سد يوفر المياه لمناطق كسروان وجبيل وبيروت، ولم تنجح مناشدات الجمعيات البيئية في وقف القطع المغطّى سياسياً، كما لم يستطع القضاء اللبناني منع وزارة الطاقة من القضاء على أسطورة طبيعية كانت حتى الأمس خالدة.

رد طلب
أعلنت وزارة الطاقة أن مجلس شورى الدولة قرر رد طلب وقف تنفيذ أشغال بناء في سد جنة - نهر ابراهيم، مؤكدا بذلك عدم جدية المراجعة المقدمة أمامه من الحركة البيئية اللبنانية وعدم قانونيتها وصوابية الوزارة ومؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان في عملهما. وقد تقدمت هذه الجمعية بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة بوجه الدولة اللبنانية ووزارة الطاقة والمياه ووزارة البيئة ومؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، طعنا بالمذكرة التنسيقية الموقعة بين وزارة الطاقة والمياه، ومؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، طالبة إبطالها وإبطال جميع الاجراءات التي بنيت عليها، ووقف أعمال تنفيذ بناء سد جنة.

جريمة موصوفة
يؤكد الناشط البيئي ورئيس الحركة البيئية اللبنانية بول ابي راشد لـ "البلد" بأن الأعمال بدأت في سد جنة في أواخر الـ2013، وفي أوائل الـ2014 طلبت الحركة البيئية من وزارة البيئة ملف المشروع، إلا أنه تبين بأن الوزارة لا تمتلك دراسة للأثر البيئي للمشروع رغم البدء بتنفيذه، وعندها تم الاجتماع مع رئيس الحكومة تمام سلام ووزير البيئة محمد المشنوق الذي استفاق متأخراً وأصدر كتابين بوقف الأعمال في السد كان بين إصدارهما بضعة أشهر، ولكن لم تلتزم وزارة الطاقة بقرار التوقيف الصادر من وزارة البيئة، ما اضطر الحركة إلى اللجوء الى القضاء على أمل أن يستطيع مجلس شورى الدولة أن ينقذ الطبيعة ويوقف الجريمة الموصوفة التي تمارس بحق تاريخ جمالي عمره ملايين السنين، ولكن دون جدوى. مشيراً إلى أن وزارة البيئة طُلب منها ان تعطي رأيها في المحكمة إلا أنها لم تقم بذلك في الوقت الذي يجب أن تكون هي المدافعة عن بيئة لبنان وطبيعته.

كلفة اقتصادية
ويرى أبي راشد بأن التكلفة البيئية لهذا المشروع لا تقدّر وكذلك الاقتصادية، فهناك 300 ألف شجرة سوف تقطع لإنجاز السد والبحيرة، وافقت وزارة الزراعة على قطع 50 الف شجرة مبدئياً، والشجرة البالغة 50 عاماً تفوق قيمة فوائدها 190 ألف دولار، حسب دراسة بيئية لجامعة كالكوتا الأميركية، فالقيمة الاقتصادية للـ50 ألف شجرة هي 10 مليارات دولار تقريباً.

أهمية بيئية
ويتحدث أبي راشد عن أهمية وادي أدونيس الذي يُعتبر منطقة تاريخية، تتمتع بجمال طبيعي، وهي من المناطق المرشحة لدخول لائحة التراث العالمي، والمشروع سيدمر جمالية المنطقة، كما سيؤدي الى جفاف نهر ابراهيم ذات الغنى الطبيعي الاستثنائي وخسارة معلم سياحي حيوي. وسبق أن صنفه المخطط التوجيهي الشامل لترتيب الأراضي في لبنان بأنه محمية طبيعية، بالإضافة أنه موقع طبيعي من أغنى المواقع الطبيعية في لبنان.

أهمية تاريخية
أما تاريخياً، فنشأت فكرة الموت والقيامة في أول دين في العالم، بالدين الكنعاني في هذا الوادي، الذي يقتل اليوم ولكن دون قيامة، إذ أن الأسطورة تحدثت عن جمال طبيعة تموت وتقوم، إن ما يحدث اليوم هو موت دون قيامة برعاية وزارة الطاقة والطبقة السياسية التي تغطي صفقات السدود في لبنان ولو حتى على حساب الطبيعة.

cadre
بيان صادر عن الحركة البيئيّة
ردّاً على بيان وزارة الطاقة والمياه
بتاريخ 21/01/2015، تبلّغت الحركة البيئيّة اللبنانيّة القرار الإعدادي رقم 105/2014 الصادر عن مجلس شورى الدولة - الغرفة الثانية الذي تمّ بموجبه ردّ طلب وقف تنفيذ مذكرة التنسيق المتعلّقة بسدّ وبحيرة جنة – نهر إبراهيم، غير أنّ المحكمة قرّرت "تكليف المستدعى بوجههما إيداع المجلس الملف الإداري لكامل العقد العائد لهذه المراجعة وذلك خلال مهلة شهر من تاريخ تبليغهما القرار"، ممَا يدل على أنّ القضيّة لا تزال سارية أمام مجلس الشورى على عكس إدعاءات وزارة الطاقة في بيانها الذي أصدرته عقب صدور قرار مجلس الشورى.
وقد اعتبر مجلس شورى الدولة في أنّ الضرر المحتم الذي سيلحق بالسلامة العامة وبالموقع (المصنّف: طبيعي والمحمي من وزارة البيئة) ليس ضرراً محدقاً وبليغاً وليس سبباً لوقف تنفيذ أعمال السد علماً أنّ الوضع اليوم قد تبدّل وتفاقمت الحالة على أثر الموافقة الأخيرة لوزارة الزراعة بقطع حوالي 51000 شجرة وشجيرة في موقع السدّ وبحيرته.
ورداًّ على البيان الصادرعن وزارة الطاقة الذي جرى فيه تضليل الوقائع وتحوير جواب مجلس شورى الدولة لجهة الحديث عن "عدم جديّة المراجعة المقدّمة أمامه من إحدى الجمعيات البيئيّة وعدم قانونيتها وصوابية الوزارة ومؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان في عملهما"، تذكر الحركة البيئيّة اللبنانيّة :

1- أنّها تشكّل تجمعّاً لـ60 جمعيّة بيئيّة وإختصاصيين بيئيين من كافة الأراضي اللبنانيّة وليست إحدى الجمعيات كما تدعي الوزارة.

2- أنّ وزارة البيئة لا تزال حتى اليوم تطالب وزارة الطاقة والمياه بوقف تنفيذ أعمال بناء السد واستكمال الدراسات المتعلّقة بدراسة الأثر البيئي للمشروع.

كان من الأجدى بوزارة الطاقة الحرص على احترام القانون كأي مؤسسة مسؤولة مناط بها الحفاظ على مصالح الناس بدلاً من أن تستفيض بالبيانات الملتوية علماً أنّ الحركة البيئيّة اللبنانيّة هي بصدد متابعة المراجعة أمام مجلس الشورى وإعادة النظر بقرار رد طلب وقف التنفيذ. 

"البلد أونلاين" - 24\1\2015

إرسال تعليق

 
Top