تأرجحت كيانيّة هذه المساحة الاستثنائية الرابطة بين الشرق والغرب على وتر صراعات في كوكبة حضارات وقضايا متضاربة بطبيعة حال معتقدات تقضي بأطماع أنظمة وجمهوريات ومماليك، على مدى قرون وقرون كانت كفيلة بتيقّظ الشعوب العربيّة الطينة لمفاهيم معبّرة عنها وإنتاج مسارات إبداعيّة متحرّرة فكرياً، سياسياً أو فنياً أو فلسفياً.
أفكار ومبادئ ومرتكزات متفرّعة كرّستها محاور أممٍ وأطراف مجتمعات وأشلاء معادلات استراتيجيّة منذ ما قبل تعريف الحضارة مروراً بها وبتطوّر العقليات في الشرق حتّى اليوم. مفكّرون مميّزون ومبدعون أدبيّون وناشطون بالكلمة إن في قطار الصحافة الميدانية المتشعّبة أو وسط الأروقة الفنيّة ذات الأفق المفتوح أو ببيوت عمق النخوة الشعريّة وصدق إطلاقها.
قلائل جداً هم من اختلفت حول علامتهم الإجتهاديّة الفارقة تيارات فكريّة في ظلّ سقفٍ "عروبيّ" سائد. إلاّ أنّ أحاديّة "القرن والثلاثة سنوات" كمنت، منذ نعومة مآل الفكرة اللبنانية وبراءة سطوع ابتكارها، بتحوّل إعتبارٍ أوّل من نوعه إلى اتّجاه ضخم صدر عن صف معلّم وقلم صحافيّ وسجع شاعرٍ... ونسيج استحقاق خلود.
بالإسم، هو "حارس الأرز" سعيد عقل، الذي تدور حوله تواريخ وحكايات في المساحة الرابطة بينه وبين يسوع المسيح والحياة والمرأة والحب.. ووجهات نظر لامتناهية في تأسيسه لمفهوم القوميّة اللبنانية والتعليقات والتصاريح التي أدلى بها ضمن هذا المضمار بشكل خاص، وهو الذي رأى كاتب هذه السطور في الوقت وحده، منذ أربعين يومٍ، الحاجز أمام إعداد لفتةٍ لشاغل الدنيا عند رحيله كما في ربيع الجانب الإيديولوجي العام من عقله المدبّر. في السياسة اللبنانية والمراحل المفصليّة الراسخة في الذاكرة الجماعيّة، كان الموجة التي كلما أحيت بحرها العقائديّ القوميّ المناصر لشعار القضيّة اللبنانية لفظت ارتدادات نقديّة موهولة بما تعدّى الاقتناع الجريء في ذاك الزمن.
تفرّد بحجم ومدى النقد الذي كلّما كان يتذوّق نواياه، حسنة كانت أو مجبولة بالحسد والحقد، كان يرتقي ويرتقي إلى حيث عجز أرقى وأعلم وأكبر لفيف فكريّ شرقيّ عن الوصول إليه.. هم أكثروا من الكلام أياً كان مقصوده، وكما كان لعرض عدد من أوجه النقد "الحديث" تسليطاُ مؤخّراً، يكون لنشر أبرز ما قال عقل- مع أنفاس الأشهر الأخيرة- في نفسه ولبنان اليوم، الحقّ الأجدى:
بحديث سعيد عقل عن نفسه يرفع لبنان، مع رفع ذلك الإصبع الذي هو أحد رموزه، إلى الخط الإبداعي الأماميّ الذي بلوَر بعناد تميّز لبنان بنظر الشرق الأوسط والعالم فقلائل اطّلعوا على شخصه حين ينطوي بصراحة مستحقّة على حجم إنجازاته والشواطئ التي رسى عليها، وكثيرون إن أدركوه للمرّة الأولى سيروا فيه، بطبيعة الحال، الكبرياء الأقصى!
"إذا العرب أعطوا كلّ مئة سنة سعيد عقل، يعيشون مليار سنة"
الشاعر اللبناني حفظ بأمانة هذا القول العريض لـ"نظيره" السوري سليمان العيسى وتغنّى به دائماً وسامَ أحاديّة على المستوى العربيّ الشامل، ويضيف متسائلاً: "هل هناك شعراء كثيرون قيل عنهم مثل هذا الكلام، إذا نعم دلوني لأذهب وأتتلمذ عليه". هذا وكان يُثير عقل مقارنته بـ"المتنبّي" فشدّد في إحدى الحوارات الإعلاميّة على أنّ "شعري هو أعمق وأقدس وأكرم وأعظم من شعر المتنبّي".
"أنتجوا شعراً هو الأجمل في العالم، لكنّهم لا يعادلون شيئاً قياساً بشعري. قد يكون في هذا الكلام افتخاراً بالنفس، لكنّه صحيح".
من يميل إلى الغوص في تحديد معنى هذه الثقة الذاتية، عليه أوّلاً أن يسكن اليقين حول الشعر الذي نمّ عن إطلاق فكر ضخم نجحت مسيرة سبيله في إيصال الرسالة من الفصل الفلسفيّ ونموذجيّة الحقيقة والعقيدة القوميّة الأصحّ في المجتمع اللبناني.. إلى حدّ منظومة كيانية متماسكة في رجل واحد!
"أنا مبسوط لأنني لست خائفاً على لبنان فلبنان قويّ كثيراً، وأنا مستقوٍ كثيراً بلبنان!"
على الرغم من الحروب الدائرة حول لبنان وكافّة الثغرات الداخليّة التي يعاني منها، لم يخف سعيد عقل من الانهيار متّخذاً مراراً من مواقف المؤرخين الفرنسيين بول موران وغبريال أنتون ملجأ مطمئناً. فالأوّل وضع المدينتين صيدا وصيدون في كفّ محور التاريخ العالميّ، أمّا الثاني فوصف لبنان بـ"أعلى قمّة في التاريخ" أي وبعنى آخر "لبنان ما بينطال".
وقبل أن يشهد على فقدان لبنان- الذي لم يخف عليه يوماً- رأس جمهوريّته، قدّرت فخامة الأيدي الأولى "العقل المدبّر" قبل حوالي ثلاث سنوات أغلقت ستار القرن لترسّخ نفسها قيمة تكريميّة مُضافة لفلاذِ حجر الزاوية المئويّ..
بعد أربعين يوماً، لبنان فقد من عمره قرناً.. وبقيَّ!
أفكار ومبادئ ومرتكزات متفرّعة كرّستها محاور أممٍ وأطراف مجتمعات وأشلاء معادلات استراتيجيّة منذ ما قبل تعريف الحضارة مروراً بها وبتطوّر العقليات في الشرق حتّى اليوم. مفكّرون مميّزون ومبدعون أدبيّون وناشطون بالكلمة إن في قطار الصحافة الميدانية المتشعّبة أو وسط الأروقة الفنيّة ذات الأفق المفتوح أو ببيوت عمق النخوة الشعريّة وصدق إطلاقها.
قلائل جداً هم من اختلفت حول علامتهم الإجتهاديّة الفارقة تيارات فكريّة في ظلّ سقفٍ "عروبيّ" سائد. إلاّ أنّ أحاديّة "القرن والثلاثة سنوات" كمنت، منذ نعومة مآل الفكرة اللبنانية وبراءة سطوع ابتكارها، بتحوّل إعتبارٍ أوّل من نوعه إلى اتّجاه ضخم صدر عن صف معلّم وقلم صحافيّ وسجع شاعرٍ... ونسيج استحقاق خلود.
بالإسم، هو "حارس الأرز" سعيد عقل، الذي تدور حوله تواريخ وحكايات في المساحة الرابطة بينه وبين يسوع المسيح والحياة والمرأة والحب.. ووجهات نظر لامتناهية في تأسيسه لمفهوم القوميّة اللبنانية والتعليقات والتصاريح التي أدلى بها ضمن هذا المضمار بشكل خاص، وهو الذي رأى كاتب هذه السطور في الوقت وحده، منذ أربعين يومٍ، الحاجز أمام إعداد لفتةٍ لشاغل الدنيا عند رحيله كما في ربيع الجانب الإيديولوجي العام من عقله المدبّر. في السياسة اللبنانية والمراحل المفصليّة الراسخة في الذاكرة الجماعيّة، كان الموجة التي كلما أحيت بحرها العقائديّ القوميّ المناصر لشعار القضيّة اللبنانية لفظت ارتدادات نقديّة موهولة بما تعدّى الاقتناع الجريء في ذاك الزمن.
تفرّد بحجم ومدى النقد الذي كلّما كان يتذوّق نواياه، حسنة كانت أو مجبولة بالحسد والحقد، كان يرتقي ويرتقي إلى حيث عجز أرقى وأعلم وأكبر لفيف فكريّ شرقيّ عن الوصول إليه.. هم أكثروا من الكلام أياً كان مقصوده، وكما كان لعرض عدد من أوجه النقد "الحديث" تسليطاُ مؤخّراً، يكون لنشر أبرز ما قال عقل- مع أنفاس الأشهر الأخيرة- في نفسه ولبنان اليوم، الحقّ الأجدى:
بحديث سعيد عقل عن نفسه يرفع لبنان، مع رفع ذلك الإصبع الذي هو أحد رموزه، إلى الخط الإبداعي الأماميّ الذي بلوَر بعناد تميّز لبنان بنظر الشرق الأوسط والعالم فقلائل اطّلعوا على شخصه حين ينطوي بصراحة مستحقّة على حجم إنجازاته والشواطئ التي رسى عليها، وكثيرون إن أدركوه للمرّة الأولى سيروا فيه، بطبيعة الحال، الكبرياء الأقصى!
"إذا العرب أعطوا كلّ مئة سنة سعيد عقل، يعيشون مليار سنة"
الشاعر اللبناني حفظ بأمانة هذا القول العريض لـ"نظيره" السوري سليمان العيسى وتغنّى به دائماً وسامَ أحاديّة على المستوى العربيّ الشامل، ويضيف متسائلاً: "هل هناك شعراء كثيرون قيل عنهم مثل هذا الكلام، إذا نعم دلوني لأذهب وأتتلمذ عليه". هذا وكان يُثير عقل مقارنته بـ"المتنبّي" فشدّد في إحدى الحوارات الإعلاميّة على أنّ "شعري هو أعمق وأقدس وأكرم وأعظم من شعر المتنبّي".
"أنتجوا شعراً هو الأجمل في العالم، لكنّهم لا يعادلون شيئاً قياساً بشعري. قد يكون في هذا الكلام افتخاراً بالنفس، لكنّه صحيح".
من يميل إلى الغوص في تحديد معنى هذه الثقة الذاتية، عليه أوّلاً أن يسكن اليقين حول الشعر الذي نمّ عن إطلاق فكر ضخم نجحت مسيرة سبيله في إيصال الرسالة من الفصل الفلسفيّ ونموذجيّة الحقيقة والعقيدة القوميّة الأصحّ في المجتمع اللبناني.. إلى حدّ منظومة كيانية متماسكة في رجل واحد!
"أنا مبسوط لأنني لست خائفاً على لبنان فلبنان قويّ كثيراً، وأنا مستقوٍ كثيراً بلبنان!"
على الرغم من الحروب الدائرة حول لبنان وكافّة الثغرات الداخليّة التي يعاني منها، لم يخف سعيد عقل من الانهيار متّخذاً مراراً من مواقف المؤرخين الفرنسيين بول موران وغبريال أنتون ملجأ مطمئناً. فالأوّل وضع المدينتين صيدا وصيدون في كفّ محور التاريخ العالميّ، أمّا الثاني فوصف لبنان بـ"أعلى قمّة في التاريخ" أي وبعنى آخر "لبنان ما بينطال".
وقبل أن يشهد على فقدان لبنان- الذي لم يخف عليه يوماً- رأس جمهوريّته، قدّرت فخامة الأيدي الأولى "العقل المدبّر" قبل حوالي ثلاث سنوات أغلقت ستار القرن لترسّخ نفسها قيمة تكريميّة مُضافة لفلاذِ حجر الزاوية المئويّ..
بعد أربعين يوماً، لبنان فقد من عمره قرناً.. وبقيَّ!
ريكاردو الشدياق - منبر "ليبانون تايم" 2\1\2015
إرسال تعليق