وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف الاتي نصها: الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي من علينا بالإسلام ، واصطفى لنا نبينا محمدا خير الأنام ، فأزال به الجهل ، وأضاء به الظلام ، ووصفه تعالى بقوله : {وإنك لعلى خلق عظيم}، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد: يقول المولى تبارك وتعالى في محكم تنزيله:
{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} . (سورة الأحزاب ، الآيات : 45 - 48) .
تتجدد البشرى كل عام بمولد النبي الخاتم، الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بثلاث صفات في آيات سورة الأحزاب: أنه الشاهد ، وأنه البشير ، وأنه النذير . أما رسالته العامة ، فقد جاءت في قوله تعالى : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. (سورة الأنبياء ، الآية : 107).
وتحل البشرى هذا العام مقترنة بذكرى مولد المسيح عيسى بن مريم ، صلوات الله وسلامه عليه، ليتشارك أهل الدعوة الإبراهيمية ، وهم معظم بني الإنسانية ، يتشاركون في هذا الخير، وهذه النعمة التي أنعم بها المولى عز وجل عليهم، ويطمحون لتقاسمها مع سائر بني آدم خيرا وبرا ورحمة وفلاحا وشهادة للحياة الحرة الكريمة. كل هذه المعاني أوجزها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في قوله : (إنما أنا رحمة مهداة).
إن هذه الرؤية الإلهية لطبيعة الدعوة والرسالة، تستنهض وعي المؤمنين، كل المؤمنين، لتمثل معاني البشرى والرحمة والشهادة.
فالله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه قائلا: وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون، (سورة الزخرف ، الآية : 44) . نعم ، إن البشرى والشهادة معا تقتضيان المسؤولية. فما دمنا قد قبلنا الدعوة وبشراها، فإنه يترتب عليهما مسؤوليات الالتزام ، تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين، كل الآخرين. ذلك أن أمة الاستجابة مسؤولة عن تحقيق المقتضيات الذاتية ، والأخرى العامة تجاه بني البشر. وهذه الالتزامات تتصل أول ما تتصل - كما سبق القول - بالوعي الضروري بالتضامن والتواد والتآخي ، كما تتصل بالواجبات القريبة تجاه مجتمعاتنا وأوطاننا ، وتتصل آخرا بما نقدمه للعالم بأنفسنا، وعن أنفسنا وأمتنا وديننا. يقول حامل الدعوة والبشرى: (مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
ولا بد هنا من القول: إن جسد الأمة اليوم يعاني من شكاوى وجراحات هائلة. وهي شكاوى وجراحات تشعر واقعا بأن هذا الذكر الذي أخبرنا الله سبحانه وأنذرنا بأننا نحن قوم النبي مسؤولون عنه ، يتطلب الإسراع في النظر والمراجعة والمعالجة . فقد حلت محل التضامن والمودة العداوات والقتل والقتال. وحل محل الوحدة التسارع إلى الشرذمة والفرقة . وكل قوم بما يقومون به من مشاركة في هذه المقتلة الهائلة، فرحون ومعتزون ومصرون على الاستمرار، ومؤمنون بالانتصار، وعلى من؟ على أنفسهم وبني قومهم وأبناء جلدتهم . في الوعد الإلهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين ببشارته لهم فضل كبير : فهل يكون الفضل بالقتل ، وهل يكون الفضل بإهلاك المجتمعات والأوطان والإنسان ؟ ماذا نقول لقرآننا ونبينا عن زهاء الخمسة عشر مليون مهجر في سوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن والصومال ، لا يجد أطفالهم ونساؤهم وشيوخهم ملاذا ولا كساء ولا غذاء في هذا الشتاء القارس؟ بل ماذا نقول عن نصف مليون قتيل عربي في أقل من خمس سنوات، وأكثر من مليون مصاب ، وبلدان تهلك ، ودول تتحطم ، ومعظم ما يحصل إن لم يكن كله بأيدي عرب ومسلمين ، يذكرهم القرآن بقوله تعالى {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} ، (سورة الأنبياء ، الآية : 92) .
لقد اعتدنا على الصراخ أن القدس يضيع ، والشعوب تهلك ، والعالم يتفرج . لكن أين مسؤوليتنا نحن الذين صرنا نخيف العالم ، ونخافه، ثم نعجز عن وقف سيول الدم والخراب، في غياب العالم أو حضوره.
أيها الإخوة ، أيها المواطنون ، أيها العرب: في ذكرى مولد محمد نبي الرحمة ، وعيسى رسول المحبة ، يكون علينا الاعتراف أن هذا الداء العياء، داء القتل باسم الدين والمذهب ، نازلةٌ كبرى ، كادت البشرية تنساها، حتى ذكرها بها بعض المعاصرين في شرقنا . نعرف أن الطغيان السياسي قتل ويقتل ، ونعرف أن العصبيات القومية قتلت وتقتل . لكن الجديد علينا ، وربما على العالم ، هذا القتل الذريع باسم السنة والشيعة ، وباسم إحقاق هذا المذهب أو ذاك ، أو إقامة هذه الدولة القاتلة أو تلك . ويعتذر كل طرف بأن الآخر هو البادئ أو هو المعتدي . ما كانت دعوة نبينا ، إلا دعوة للحياة بالرحمة والتراحم ، وبالعيش المشترك بل الواحد ، فكيف صارت دعوة الكرامة الإنسانية هذه ، داعية - ومن جانب بعض شباننا وأحزابنا - للقتل والموت ، وباسم ماذا ؟ باسم التكفير المتبادل، والإهلاك المتبادل.
لقد أخبرنا القرآن الكريم أن هناك أمرين اثنين ، لا يصبر عليهما أي إنسان مهما بلغ به الضعف والهوان : القتال والقتل باسم الدين أو على الدين ، والتهجير من الديار . قال عز وجل : {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} ، (سورة الممتحنة ، الآية : 8). وهذان الأمران يحدثان عندنا بالضبط في السنوات الأخيرة : يقتل أحدنا الآخر باسم الدين ، أو يهجره من بيته ومزرعته ووطنه من أجل الغلبة والسيطرة والطغيان، كما يفعل الصهاينة في فلسطين، وفي الحالتين: الدين والاستيطان.
إن الحديث العام هذا ليس المقصود به تجهيل الفاعل حتى لا يزعل أو يغضب أحد. فالمتقاتلون معروفون . والقتلة باسم الدين والمذهب ، ومن أجل السطوة والغلبة معروفون . وهذه حروب داخلية وأهلية لا غلبة فيها لأحد . بل هي بمثابة هلاك جماعي. والآية القرآنية في النهي عن القتل من اجل الدين أو للاستيلاء على الديار، كان سبب نزولها الضرب على أيدي الذين يفعلون ذلك من المسلمين تجاه ذوي الدين المختلف، أو ديار النزاعات . إن القرآن الكريم يطلب منا اتباع نهج البر والقسط في الحالتين . والبر هو المودة والتعامل الحسن . والقسط هو العدل والإنصاف . فيا أيها الإخوة الأعداء ، وبمناسبة المولد النبوي ، هذا نداء قرآني بل أمر قرآني بأن تتبعوا تجاه الآخرين، وتجاه أنفسكم نهج البر والقسط، نهج المودة والعدل : {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} ، صدق الله العظيم ، (سورة فصلت ، الآيتان: 34 و 35) .
أيها الإخوة، أيها اللبنانيون: يحل علينا المولدان، مولد عيسى ومولد محمد صلوات الله وسلامه عليهما ، ووطننا في أزمة تتفاقم ، بسبب الصراع في الجوار الملتهب، وتأخر انتخاب رئيس للجمهورية ، وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وطننا مهدد، ونظامنا السياسي مهدد. ويدعي القريب والبعيد الحرص على إخراجنا من المأزق . ونحن وحدنا بعيشنا المشترك ، وبتجربتنا الطويلة في العيش معا ، وفي القدرة على التحاور والتوافق ، مهما تفاقمت الخلافات ، نحن وحدنا القادرون بالإرادة الحرة والقوية ، على تنظيم أمور الخروج من المأزق ، وأي تأخر أو تردد أو رهان سيزيد من صعوبات الوصول إلى حلول تنقذ لبنان واللبنانيين .
أسأل الله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم ، وفي ذكرى المولد النبوي الشريف ، ودعوة الهدى والنور والرحمة أن يضيء قلوبنا جميعا بنور المحبة والتسامح والسكينة ، وأن يوفقنا جميعا للعمل الخالص والمخلص من أجل سلام وسلامة إنساننا ووطننا ودولتنا، وأن يطمئننا وأهالي العسكريين المحتجزين إلى سلامهم وسلامتهم وخلاصهم.
اللهم في ذكرى مولد محمد اليتيم الذي آويته، والعائل الذي أغنيته، والضال الذي هديته ، ارحم ضعفنا وضعفاءنا، ارحم ملايين الأطفال المشردين والجوعى وفاقدي الأهل، وأدخلهم وأدخلنا في عهد سكن وسكينة وسلام ، وأمن ومرحمة واطمئنان.
اللهم إني أدعوك بدعاء محمد الذي أخرجته مكة وما آوته الطائف: يا رب، أنت رب المستضعفين، إلى من تكلنا، إلى بعداء يتجهموننا أم إلى أعداء ملكتهم أمورنا. إنا نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بنا غضبك، أو يحل علينا سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، (سورة البقرة ، الآية : 286) . وكل عام وأنتم بخير بالميلاد والمولد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} . (سورة الأحزاب ، الآيات : 45 - 48) .
تتجدد البشرى كل عام بمولد النبي الخاتم، الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بثلاث صفات في آيات سورة الأحزاب: أنه الشاهد ، وأنه البشير ، وأنه النذير . أما رسالته العامة ، فقد جاءت في قوله تعالى : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. (سورة الأنبياء ، الآية : 107).
وتحل البشرى هذا العام مقترنة بذكرى مولد المسيح عيسى بن مريم ، صلوات الله وسلامه عليه، ليتشارك أهل الدعوة الإبراهيمية ، وهم معظم بني الإنسانية ، يتشاركون في هذا الخير، وهذه النعمة التي أنعم بها المولى عز وجل عليهم، ويطمحون لتقاسمها مع سائر بني آدم خيرا وبرا ورحمة وفلاحا وشهادة للحياة الحرة الكريمة. كل هذه المعاني أوجزها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في قوله : (إنما أنا رحمة مهداة).
إن هذه الرؤية الإلهية لطبيعة الدعوة والرسالة، تستنهض وعي المؤمنين، كل المؤمنين، لتمثل معاني البشرى والرحمة والشهادة.
فالله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه قائلا: وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون، (سورة الزخرف ، الآية : 44) . نعم ، إن البشرى والشهادة معا تقتضيان المسؤولية. فما دمنا قد قبلنا الدعوة وبشراها، فإنه يترتب عليهما مسؤوليات الالتزام ، تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين، كل الآخرين. ذلك أن أمة الاستجابة مسؤولة عن تحقيق المقتضيات الذاتية ، والأخرى العامة تجاه بني البشر. وهذه الالتزامات تتصل أول ما تتصل - كما سبق القول - بالوعي الضروري بالتضامن والتواد والتآخي ، كما تتصل بالواجبات القريبة تجاه مجتمعاتنا وأوطاننا ، وتتصل آخرا بما نقدمه للعالم بأنفسنا، وعن أنفسنا وأمتنا وديننا. يقول حامل الدعوة والبشرى: (مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
ولا بد هنا من القول: إن جسد الأمة اليوم يعاني من شكاوى وجراحات هائلة. وهي شكاوى وجراحات تشعر واقعا بأن هذا الذكر الذي أخبرنا الله سبحانه وأنذرنا بأننا نحن قوم النبي مسؤولون عنه ، يتطلب الإسراع في النظر والمراجعة والمعالجة . فقد حلت محل التضامن والمودة العداوات والقتل والقتال. وحل محل الوحدة التسارع إلى الشرذمة والفرقة . وكل قوم بما يقومون به من مشاركة في هذه المقتلة الهائلة، فرحون ومعتزون ومصرون على الاستمرار، ومؤمنون بالانتصار، وعلى من؟ على أنفسهم وبني قومهم وأبناء جلدتهم . في الوعد الإلهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين ببشارته لهم فضل كبير : فهل يكون الفضل بالقتل ، وهل يكون الفضل بإهلاك المجتمعات والأوطان والإنسان ؟ ماذا نقول لقرآننا ونبينا عن زهاء الخمسة عشر مليون مهجر في سوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن والصومال ، لا يجد أطفالهم ونساؤهم وشيوخهم ملاذا ولا كساء ولا غذاء في هذا الشتاء القارس؟ بل ماذا نقول عن نصف مليون قتيل عربي في أقل من خمس سنوات، وأكثر من مليون مصاب ، وبلدان تهلك ، ودول تتحطم ، ومعظم ما يحصل إن لم يكن كله بأيدي عرب ومسلمين ، يذكرهم القرآن بقوله تعالى {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} ، (سورة الأنبياء ، الآية : 92) .
لقد اعتدنا على الصراخ أن القدس يضيع ، والشعوب تهلك ، والعالم يتفرج . لكن أين مسؤوليتنا نحن الذين صرنا نخيف العالم ، ونخافه، ثم نعجز عن وقف سيول الدم والخراب، في غياب العالم أو حضوره.
أيها الإخوة ، أيها المواطنون ، أيها العرب: في ذكرى مولد محمد نبي الرحمة ، وعيسى رسول المحبة ، يكون علينا الاعتراف أن هذا الداء العياء، داء القتل باسم الدين والمذهب ، نازلةٌ كبرى ، كادت البشرية تنساها، حتى ذكرها بها بعض المعاصرين في شرقنا . نعرف أن الطغيان السياسي قتل ويقتل ، ونعرف أن العصبيات القومية قتلت وتقتل . لكن الجديد علينا ، وربما على العالم ، هذا القتل الذريع باسم السنة والشيعة ، وباسم إحقاق هذا المذهب أو ذاك ، أو إقامة هذه الدولة القاتلة أو تلك . ويعتذر كل طرف بأن الآخر هو البادئ أو هو المعتدي . ما كانت دعوة نبينا ، إلا دعوة للحياة بالرحمة والتراحم ، وبالعيش المشترك بل الواحد ، فكيف صارت دعوة الكرامة الإنسانية هذه ، داعية - ومن جانب بعض شباننا وأحزابنا - للقتل والموت ، وباسم ماذا ؟ باسم التكفير المتبادل، والإهلاك المتبادل.
لقد أخبرنا القرآن الكريم أن هناك أمرين اثنين ، لا يصبر عليهما أي إنسان مهما بلغ به الضعف والهوان : القتال والقتل باسم الدين أو على الدين ، والتهجير من الديار . قال عز وجل : {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} ، (سورة الممتحنة ، الآية : 8). وهذان الأمران يحدثان عندنا بالضبط في السنوات الأخيرة : يقتل أحدنا الآخر باسم الدين ، أو يهجره من بيته ومزرعته ووطنه من أجل الغلبة والسيطرة والطغيان، كما يفعل الصهاينة في فلسطين، وفي الحالتين: الدين والاستيطان.
إن الحديث العام هذا ليس المقصود به تجهيل الفاعل حتى لا يزعل أو يغضب أحد. فالمتقاتلون معروفون . والقتلة باسم الدين والمذهب ، ومن أجل السطوة والغلبة معروفون . وهذه حروب داخلية وأهلية لا غلبة فيها لأحد . بل هي بمثابة هلاك جماعي. والآية القرآنية في النهي عن القتل من اجل الدين أو للاستيلاء على الديار، كان سبب نزولها الضرب على أيدي الذين يفعلون ذلك من المسلمين تجاه ذوي الدين المختلف، أو ديار النزاعات . إن القرآن الكريم يطلب منا اتباع نهج البر والقسط في الحالتين . والبر هو المودة والتعامل الحسن . والقسط هو العدل والإنصاف . فيا أيها الإخوة الأعداء ، وبمناسبة المولد النبوي ، هذا نداء قرآني بل أمر قرآني بأن تتبعوا تجاه الآخرين، وتجاه أنفسكم نهج البر والقسط، نهج المودة والعدل : {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} ، صدق الله العظيم ، (سورة فصلت ، الآيتان: 34 و 35) .
أيها الإخوة، أيها اللبنانيون: يحل علينا المولدان، مولد عيسى ومولد محمد صلوات الله وسلامه عليهما ، ووطننا في أزمة تتفاقم ، بسبب الصراع في الجوار الملتهب، وتأخر انتخاب رئيس للجمهورية ، وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وطننا مهدد، ونظامنا السياسي مهدد. ويدعي القريب والبعيد الحرص على إخراجنا من المأزق . ونحن وحدنا بعيشنا المشترك ، وبتجربتنا الطويلة في العيش معا ، وفي القدرة على التحاور والتوافق ، مهما تفاقمت الخلافات ، نحن وحدنا القادرون بالإرادة الحرة والقوية ، على تنظيم أمور الخروج من المأزق ، وأي تأخر أو تردد أو رهان سيزيد من صعوبات الوصول إلى حلول تنقذ لبنان واللبنانيين .
أسأل الله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم ، وفي ذكرى المولد النبوي الشريف ، ودعوة الهدى والنور والرحمة أن يضيء قلوبنا جميعا بنور المحبة والتسامح والسكينة ، وأن يوفقنا جميعا للعمل الخالص والمخلص من أجل سلام وسلامة إنساننا ووطننا ودولتنا، وأن يطمئننا وأهالي العسكريين المحتجزين إلى سلامهم وسلامتهم وخلاصهم.
اللهم في ذكرى مولد محمد اليتيم الذي آويته، والعائل الذي أغنيته، والضال الذي هديته ، ارحم ضعفنا وضعفاءنا، ارحم ملايين الأطفال المشردين والجوعى وفاقدي الأهل، وأدخلهم وأدخلنا في عهد سكن وسكينة وسلام ، وأمن ومرحمة واطمئنان.
اللهم إني أدعوك بدعاء محمد الذي أخرجته مكة وما آوته الطائف: يا رب، أنت رب المستضعفين، إلى من تكلنا، إلى بعداء يتجهموننا أم إلى أعداء ملكتهم أمورنا. إنا نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بنا غضبك، أو يحل علينا سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، (سورة البقرة ، الآية : 286) . وكل عام وأنتم بخير بالميلاد والمولد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2\1\2015
إرسال تعليق