0
عقد رؤساء الطوائف المسيحية والاسلامية في دار الفتوى في بيروت، قمتهم الروحية الأولى بعد انتخاب المفتي الجديد للجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان. وهنأ القادة الروحيون المفتي بانتخابه، وأشادوا "بالمواقف المبدئية التي أعلنها في خطاب انتخابه وتنصيبه، والتي جدد فيها تأكيد الحريات التي أعلنها الأزهر الشريف، وهي حرية العقيدة والعبادة وحرية الرأي والتعبير وحرية البحث العلمي وحرية الابداع الأدبي والفني".
وتوقفوا مطولا عند "الانتهاكات المروعة لحقوق الانسان وكرامته التي استهدفت مواطنين ابرياء، وخصوصا في سوريا والعراق ولبنان، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن والسلام والاستقرار وعلى كرامة الانسان وحقوقه". وأعربوا عن "ألمهم الشديد لاستمرار خطف المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي وعدد من الكهنة المغلف بالصمت المطبق حول مكان وجودهم وهوية الخاطفين".

واعتبروا "انتهاك حريتيهم بمثابة انتهاك لحرياتهم جميعا". كما أعربوا عن "ألمهم الشديد أيضا لخطف جنود ورجال أمن لبنانيين من شراذم مسلحة، وقتل بعضهم بطرق وحشية".
ونددوا "بهذه الجرائم البشعة"، وطالبوا ببذل كل الجهود من قبل الحكومة اللبنانية لإطلاق المحتجزين بأسرع وقت "رحمة بهم وبعائلاتهم".

وأعرب المجتمعون عن "ضرورة متابعة قضية الإمام موسى الصدر ورفيقيه"، مقدرين عاليا "الدور الرائد الذي قام به من أجل تعزيز الحوار والعيش المشترك".

وتوقف القادة الروحيون عند "ما يواجهه لبنان من صعوبات اقتصادية واجتماعية ومن تحديات سياسية وأمنية".

بيان
وشددوا في بيان تلاه الامين العام للجنة الوطنية للحوار الاسلامي-المسيحي محمد السماك على ما يلي:

"أ - إن لبنان في حاجة الى رئيس يتمتع بالرؤيا والحكمة وبالقدرة على قيادة اللبنانيين نحو جوامع مشتركة تمكنهم من اجتياز الصعوبات والتحديات التي تواجههم.
ولذلك يطالبون مجلس النواب اللبناني القيام بواجبه الدستوري الاساسي والمبادرة الفورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون رأس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة لبنان ويسهر على أمنه وسلامته ويصون وحدته الوطنية وسلامة اراضيه يحترم دستوره. وان التأخير في انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، في وقت يواجه فيه مسيحيو الشرق المعاناة الشديدة على ايدي قوى ارهابية متطرفة، يعطل دور لبنان في اداء رسالته الوطنية والعربية النبيلة التي لا يكون إلا بها.

ب - مطالبة القوى السياسية والحزبية اللبنانية المختلفة بالابتعاد بلبنان عن الصراعات الخارجية وسياسات المحاور الاقليمية والدولية التي تعرضه لخطر استباحة أرضه وتحويله مرة جديدة الى مسرح لصراعات الآخرين وتأكيد أهمية تعزيز الجيش اللبناني والقوى الامنية ودعمها لأداء دورها في المحافظة على سلامة لبنان واستقراره في وجه المخاطر التي يتعرض لها.

ج - معالجة قضية النازحين السوريين الى لبنان بحكمة ومسؤولية، لما باتت تشكله هذه القضية من أعباء ثقيلة على الاستقرار الاجتماعي، ومن أخطار كبيرة على الأمن الوطني والسلم الاهلي. وان قيام لبنان بواجباته الانسانية تجاه النازحين من أخوتنا في سوريا والعراق هو حق وواجب. إلا ان لبنان لا يستطيع ان يتحمل ويجب ان لا يحمل أعباء أكثر من ثلث شعبه. ونحن نطالب المجتمعين العربي والدولي بإلحاح للمشاركة في تحمل المسؤوليات بما يؤدي إلى صون الأوطان والبشر.

د- تثبيت أسس وركائز الدولة اللبنانية في مؤسساتها الدستورية والسياسية والأمنية وعدم تعطيلها والاستقواء بها، وليس عليها، في مواجهة الملمات والتحديات ومكافحة الفساد . واحترام ميثاق الطائف نصا وروحا باعتباره ميثاقا وطنيا جامعا بين اللبنانيين جميعا.

إن أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة إذ يجددون التزامهم بالعيش المشترك وبالوحدة الوطنية بين أبنائهم جميعا، وإذ يؤكدون تمسكهم بالدولة اللبنانية وبمؤسساتها الدستورية ملاذا ومرجعا وحيدا لمعالجة قضاياهم الوطنية المختلفة، يؤكدون رفضهم مبدأ الاستقواء بالخارج، أو الاحتكام الى السلاح في الداخل. ويعلنون تمسكهم بالحوار الوطني أساسا لمعالجة الاختلاف وادارة التعددية. وهم على ثقة من أن المسلمين والمسيحيين في هذا الشرق، والذين تجمعهم ثقافة مشتركة ومصير واحد والذين صنعوا حضارة واحدة، قادرون على إعادة بناء مستقبلهم معا، وعلى مواكبة الحضارة الانسانية بكل قيمها وأخلاقها.

ثانيا: إن جرائم الاعتداء والتهجير الممارسة من الشراذم المسلحة بحق المسيحيين والمسلمين وسواهم في العراق وسوريا، واستباحة ممتلكاتهم ودور العبادة، والاساءة لايمانهم، هي كلها جرائم ضد الانسانية وضد الدين معا. فممارستها باسم الاسلام تشكل انتهاكا للاسلام في قيمه وتعاليمه، واساءة بالغة اليه وتشويها لصورته. وهو براء منها ومن اصحابها. بل يحرم كل من يمارسها او يشجعها او يدعو اليها، والمسلمون كانوا في طليعة ضحاياها.

ثالثا: لا توجد قضية مقدسة على حساب كرامة الانسان وحقوقه. ولا حرب مقدسة باسم الدين. ان السلام، وهو اسم من أسماء الله وصفة من صفاته، هو المقدس، وهو الهدف الأنبل والأسمى الذي يسعى اليه المؤمنون الحقيقيون برسالات السماء.
وان من موجبات احترام كرامة الانسان، وهي قضية مقدسة احترام إيمانه واحترام حقه في عبادة الله الواحد. واحترام بيوت الله من مساجد وكنائس. ومن هذه الموجبات أيضا احترام الممتلكات الشخصية والعامة. ان انتهاك أي من هذه الموجبات - كما حدث لمسيحيي ومسلمي سوريا والعراق- هو انتهاك لحقوق سائر الجماعات الدينية.

رابعا: إن التهجير القسري والارهابي لأي مواطن آمن على خلفية دينية أو مذهبية أو عرقية يشكل خطرا على وحدة نسيج المجتمعات العربية التي تقوم أساسا على التنوع، والتي تجعل منه أساسا في هويتها وفي ثقافتها هذا التهجير. هو جريمة كبرى يعاقب عليها القانون اللبناني والقانون الدولي وتحرمها كل شرائع السماء.
فالتهجير القسري والعدواني لا يجرد هذه الاوطان من كفاءات علمية ومن قدرات اجتماعية واقتصادية ومن قيادات وطنية فقط، ولا يحرم المجتمعات من مصدر ثرائها الروحي والقيمي والمادي فقط، ولكنه يصم الاسلام الذي ترتكب هذه الجرائم افتراء باسمه بما ليس فيه من خلال اتهامه بأنه يرفض الآخر المختلف، الأمر الذي يلحق ضررا شديدا بسمعة الاسلام والمسلمين، وتاليا بالعلاقات الاسلامية- المسيحية التي كانت وستبقى المحافظة عليها وتعزيزها، أمانة في أعناق شعوب المنطقة وقياداتها الروحية والسياسية المختلفة.

خامسا: ان التنديد الشديد بجريمة التهجير القسري والارهابي، وبأصحابها الخارجين عن تعاليم الدين والمنتهكين لحرمة الوطن وسيادته والمتمردين على شرعة حقوق الانسان والمواثيق الدولية، يتطلب في الوقت ذاته التحذير من النتائج السلبية لتشجيع المسيحيين على الاستيطان في دول أخرى واقتلاعهم من اوطانهم وهم فيها اصيلون منذ ألفي سنة.

إن الشرق يكون ويستمر بمسلميه ومسيحييه معا أو لا يكون. ولذلك فان اصحاب السماحة والغبطة والسيادة اذ ينددون بشدة بعمليات التهجير الارهابي، يناشدون ابناءهم المسيحيين خاصة، التمسك بأوطانهم والتشبث في أرضهم. صحيح ان الظلم قاهر ولكنه عابر، وصحيح ان ليل الارهاب حالك ولكن لا بد له أن ينجلي.

سادسا: يدعو اصحاب الغبطة والسماحة والسيادة الى استخلاص العبر من المحنة الدامية والمدمرة التي تمر بها مجتمعات عربية عانت طويلا من ثنائية الاستبداد والارهاب، وذلك باعتماد أنظمة للحكم تساوي بين المواطنين، وتحفظ حقوقهم، وتصون حرياتهم، وتمكنهم من المشاركة الفعلية في عملية اتخاذ القرارات التي تتعلق بإدارة شؤون حاضرهم وصناعة مستقبلهم. فالمواطنة هي الاساس وهي العمود الفقري للدولة الوطنية. ولقد اثبتت التجارب الانسانية ان الدولة المدنية التي تحترم الأديان وكرامة الانسان هي الصيغة التي نجحت في تحقيق الامن والاستقرار والازدهار في دول المجتمعات المتعددة كدولنا العربية.

سابعا: من الملاحظ أن جرائم الاعتداء على مسيحيي سوريا والعراق على يد حركات التطرف الارهابي تزامنت مع جرائم الاعتداء على أهلنا في قطاع غزة في فلسطين المحتلة على يد القوات العسكرية الاسرائيلية. وان هذه الجرائم التي يندى لها جبين الانسانية خجلا، تحتم على المجتمع الدولي ليس ادانتها فقط، انما ادانة ومعاقبة المعتدين وتفشيل مشاريعهم التي تستهدف الانسان في وطنه وفي حريته وكرامته وفي حقوقه المقدسة بما فيها حقه في الحياة. فالجريمة ضد الانسانية هي جريمة واحدة أيا كان مرتكبها.

وإن احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي اقامة دولته الوطنية على ارضه وعودة المهجرين من ابنائه الى هذه الدولة، يشكل أساسا لاستقرار المنطقة والعالم وسلامهما.

ثامنا: قرر أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة تشكيل وفد إسلامي- مسيحي مشترك لعرض الأخطار المترتبة على قضية انتهاك حقوق المسيحيين العرب وتهجيرهم، أمام المرجعيات الدينية والمراجع السياسية العربية، باعتبار أن هذه الانتهاكات تتناقض مع الإسلام، كما تتناقض مع حقوق المواطنة، وان التصدي لها بفاعلية، ضروري لصون العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين في الدول العربية وفي العالم.

ويتوجه أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة بالدعاء الى الله عز وجل ان يحفظ بلداننا وشعوبنا من كل شر، ويعيد الى منطقتنا المعذبة السلام الذي تنشده كل الأديان ويحافظ على كرامة الانسان وحقوقه".

وإثر انتهاء القمة، أقام المفتي دريان مأدبة غداء تكريمية على شرف المشاركين فيها.

25\9\2014

إرسال تعليق

 
Top