0
المسؤولون الاجانب الذين يزورون لبنان في مهمة من حكوماتهم، والسفراء المعتمدون في بيروت، ورؤساء الدول، عندما تدعو الحاجة، حتى بان كي مون امين عام الامم المتحدة، لا تسمع منهم سوى «نصيحة» انتخاب رئىس للجمهورية بأسرع ما يمكن، لأن وجود رئيس على رأس الدولة اللبنانية، يوفّر لها احتراماً اضافياً لدى الدول والمحافل الدولية، ويساعد على تقديم الدعم المالي والاقتصادي والسياسي والعسكري لها في هذه الايام الصعبة، حتى ان الصحافيين الاجانب والعرب يركزون دائماً في كتاباتهم ومداخلاتهم ورسائلهم على هذه النقطة بالذات، معتبرين ان فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للجمهورية بعد حوالى ثلاثة اشهر ونصف الشهر، من الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية، يضعف مكانة لبنان كدولة ديموقراطية رائدة في هذا الشرق الملتهب بالدكتاتوريات والانظمة الاحادية ذات الطابع الديني، كما يحرمه من المساعدات المالية لمواجهة النزوح السوري المليوني الى اراضيه، ونتائجه الكارثية على اقتصاده وأمنه ووضعه الديموغرافي الدقيق، ويمكن في هذا المجال ان اشير الى مداخلة لي في نهاية الاسبوع الماضي على فضائية «C.N.B.C» الاميركية حيث فوجئت بقول مقدم البرنامج بعد انتقاد شديد منيّ للدول العربية التي تقبض يدها عن مساعدة لبنان على الاهتمام بالنازحين السوريين، ان هذه الدول تنتظر ان ينتخب لبنان رئيساً لتبدأ في تقديم مساعداتها.
 
بعد هذه المّدة الطويلة على الفراغ في رئاسة الجمهورية كان يمكن قبولها، اوعدم الخوف منها، لو ان الاوضاع الداخلية في لبنان عادية، والامور «ماشية» والمؤسسات تعمل ولو بنصف طاقتها، ولو أن البراكين المتفّجرة في الدول القريبة منّا، لا تطولنا بشيء من تداعياتها القاتلة، ولو ان تنظيم «داعش» الارهابي بقي بعيداً عن بيوتنا وقرانا ومدننا، ولو ان النزوح السوري والفلسطيني والعراقي كان بالحجم المعقول المقبول الذي يمكن السيطرة عليه، ولكن مع جميع هذه المصائب والكوارث التي تجمّعت دفعة واحدة في موعد انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان، بعدما عمل المستحيل لتجنيب لبنان شرب هذه الكأس المرة، كان يفترض بجميع المسؤولين، وجميع القيادات السياسية، ان يواجهوا هذه المحنة المصيرية بحدّ ادنى من المسؤولية الوطنية، وان يأخذوا شعاراً لهم ان المرحلة اليوم هي للتضحية من اجل الوطن، وليس التضحية بالوطن، ويتعالوا فوق الأنا، والمصالح الشخصية والحزبية والطائفية، ويعتبروا ان الوطن هو قبل الجميع، وأكبر من الجميع، والقوي في هذه الايام بما يختزن من وطنية، يوظّفها في مصلحة وطنه وشعبه، واذا كانت الظروف الخارجية، والاعتبارات الداخلية، تقف عقبة اليوم امام انتخاب رئيس من الاربعة «الاقوياء» الذين باركتهم بكركي، فمن المعيب بعد هذه المدة الطويلة من الفراغ، الا يدرك الاربعة ان حظوظهم معدومة، قياسياً على الاحجام الناخبة، وانه من المستحسن، بل من الواجب التوافق على مرشح آخر، او فتح ابواب مجلس النواب امام عملية انتخابية ديموقراطية دستورية، يتنافس فيها مرشحون حائزون على الأهلية الاخلاقية والوطنية والعلمية مثلهم مثل الاربعة الاقوياء، يتم احتضانهم ودعمهم من الجميع وفي مقدمهم المرشحون الاربعة.
 
البلد يا جماعة على كف عفريت، والخوف على العملة الوطنية، ينعكس غلاء فاحشاً في الاسعار، بما يهدد معيشة وحياة اكثر من 85 بالمئة من الشعب اللبناني، اضافة الى التهديدات الامنية المستمرة.
 
انزلوا من بروجكم العاجية، «وتدروشوا» ولن يعجبكم ما سوف تسمعون.

فؤاد أبو زيد - الديار 17\9\2014


إرسال تعليق

 
Top