0
بعد أن أدركت إدارة الرئيس باراك أوباما، ولو متأخرة، أن سياسة «النأي عن النفس» - إن لم يكن «الانسحاب» - من الشرق الأوسط، مشكلة أميركية بقدر ما هي معضلة شرق أوسطية، وبعد أن لمست أنها مشكلة تطال هيبة أميركا في العام كله، وليس في الشرق الأوسط فحسب.. بات السؤال مبررا عما إذا كانت عاكفة جديا على إعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة وفقا لمقتضيات تطوراتها الأمنية والسياسية لا قناعات رئيسها الوجدانية والانتخابية في ظل الوضع النفسي لغالبية الرأي العام الأميركي.
ربما ساهم التحدي «الداعشي» العلني لهيبة الولايات المتحدة، وتحديدا قطع رأسي مواطنين أميركيين، في تظهير صورة تهديد «داعش» الإرهابي للرأي العام الأميركي، وبالتالي تسهيل مهمة الإدارة الأميركية في إعادة النظر في بعض أولوياتها في الشرق الأوسط. وبقدر ما يكشف الخطاب الذي وجهه الرئيس أوباما إلى الأميركيين في العاشر من الشهر الحالي عن خطة متكاملة للقضاء على ما يصفه بـ«السرطان الداعشي»، يسمح أيضا بتوقع مقاربة دبلوماسية جديدة لشؤون الشرق في السنتين المتبقيتين من ولايته.
من الطبيعي الافتراض أن دوائر الاستخبارات الأميركية مطلعة على معلومات وافرة ودقيقة عن قوة «داعش» العسكرية وطاقاتها الحربية. ومن الطبيعي أيضا الافتراض أنها تعتبر أن «الفضل» الأول في توسعها الميداني السريع في كل من سوريا والعراق يعود، بالدرجة الأولى، إلى انهيار المؤسسة العسكرية في الدولتين، وإلى الشرخ المذهبي العميق في مجتمعيهما، أكثر مما يعود إلى تفوق استراتيجية «داعش» العسكرية. وفي هذا السياق تكشف محاولات «داعش» تعميم صورتها الإرهابية عن ضعفها أكثر مما تكشف عن بطولاتها العسكرية.
ومع التسليم بأن أسوأ منطق في تحليل الحدث السياسي هو المنطق المستند إلى الفرضيات، من الصعب على أي مراقب سياسي لتحولات المقاربة الأميركية لأحداث سوريا تجاهل فرضيتين هما:
- «لو» عمدت الإدارة الأميركية إلى تزويد «الجيش السوري الحر» بأسلحة نوعية محددة يوم كان لا يزال رأس حربة المعارضة السورية المسلحة.
- و«لو» مضت قدما في تهديدها بقصف مواقع عسكرية سورية في أعقاب انكشاف لجوء النظام إلى السلاح الكيماوي في حربه على شعبه.. لما كانت «أُخليت» ساحة سوريا العسكرية للفصائل الإسلامية المتشددة - الأفضل تمويلا وتسليحا من الجيش الحر - ولما كانت استمرت حرب سوريا الأهلية حتى الآن، ولما اضطرت واشنطن إلى مراجعة استراتيجيتها في المنطقة.
ولكن، إذا أصبحت مقاتلة «داعش» أولوية أميركية في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر، فإن تحديد الإدارة الأميركية لفترة ثلاث سنوات للقضاء على «داعش» يعني أيضا منح إدارة أوباما فرصة باتت تحتاج إليها لإعادة الاعتبار إلى صورة زعامتها الدولية وتعويض ما فقدته من مصداقية.
ومن ناحية أخرى، فإن تقدير الإدارة الأميركية الفترة الزمنية التي تحتاج إليها لاستئصال «داعش» بثلاث سنوات يضع عامل الزمن في هذه المواجهة بأهمية العامل العسكري في مرحلة تتجاذب فيها تيارات سياسية ومعتقدية متضاربة مجتمعات الشرق الأوسط.
من هنا أهمية أن تعكف واشنطن على إعادة نسج خلفية سياسية تواكب قيادة حلفها الشرق أوسطي في مواجهة الإرهاب تكون أكثر انفتاحا على القضايا العربية. وإذا كان من الطبيعي أن تبدأ عودة الاعتبار لزعامة واشنطن في المنطقة بإزالة الشكوك العالقة حيال صدقية التزاماتها (خصوصا أنها تفترض تدخلا عسكريا مباشرا في سوريا) فقد تكون أيضا مناسبة مواتية لإعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة.
التزام عواصم المنطقة بفترة الثلاث سنوات لتفعيل المواجهة الأميركية - الإقليمية لـ«داعش» يفترض ضمان استقرار دولها على مدى السنوات الثلاث المقترحة، بالتالي توفير المناخ السياسي والنفسي المساعد على إنجاحها. وذلك يستدعي، بدوره، عودة الاهتمام الأميركي الجدي بعامل رئيسي في زعزعة استقرار الشرق الأوسط وإثارة تياراته المتشددة، وربما إحباط حربه على الإرهاب، أي النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.. فهل من أمل، ولو ضعيف، في أن تعيد واشنطن القضية الفلسطينية إلى رأس أولوياتها في الشرق الأوسط؟

وليد أبي مرشد - الشرق الأوسط 14\9\2014

إرسال تعليق

 
Top