0
إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما الحرب بلا هوادة على تنظيم «الدولة الإسلامية»، وقيادة بلاده تحالفاً دولياً لمحارية هذا التنظيم في العراق وسوريا ما كان ليبصر النور من دون الاتفاق على استراتيجية واضحة المعالم في ما خص مستقبل دول المنطقة التي تَسَرّب إليها النفوذ الإيراني، وتشهد راهناً مواجهة سياسية وعسكرية وأمنية مع حلفاء إيران وأذرعها العسكرية، بدءاً من العراق وسوريا ولبنان ومصر وغزة، مروراً بليبيا واليمن والبحرين ودول الخليج ووصولاً إلى باكستان وأفغانستان وحتى المغرب العربي. وإذا كانت الترتيبات السياسية التي شهدها العراق مع إزاحة نوري المالكي - رجل إيران الأول - والضغط في اتجاه تشكيل «حكومة عراقية جامعة» شكلت المقدمات المطلوبة لانطلاق هذا التحالف، فإن استبعاد طهران من التحالف يحمل دلالات كبيرة على الاتجاه الذي ستسلكه الأمور في المرحلة المقبلة، تماماً كما هو حال غياب روسيا الغارقة في وحول الأزمة الأوكرانية.
وتتجه أنظار المراقبين إلى مسار التطورات التي ستشهدها سوريا، ذلك أن خارطة الطريق التي رُسمت في العراق لمواجهة «داعش» قد انطلقت مع تشكيل الحكومة العراقية، وستتواصل مع إعادة تأهيل الجيش العراقي ودعمه إلى جانب قوات البشمركة الكردية، وتعزيز القوات الأمنية المحلية في المحافظات تحت راية السلطة المركزية، إضافة إلى إعادة إطلاق ورشة إصلاحات سياسية وإعادة التوازن إلى السلطة وضمان حقوق مختلف مكونات الشعب العراقي، ما يوفر عوامل إضعاف «الدولة الإسلامية» تمهيداً لاستعادة العراق سيطرته على الأجزاء الواسعة التي خرجت عن سلطته. غير أن هذا الواقع يختلف جذرياً في سوريا، حيث الحرب مستعرّة بين المعارضة المعتدلة والنظام من جهة، وبينها وبين «داعش»، فيما تنظيمات جهادية أخرى كـ «جبهة النصرة» تسيطر على أجزاء من سوريا وهي مصنفة إرهابية حتى إشعار آخر، وثمة إشكالية في التعاون معها. وبرزت المعضلة بعدما غلب اتجاه استبعاد النظام السوري بأن يكون شريكاً في «حملة مواجهة داعش». وكشف مطلعون على أن مناقشات دولية - إقليمية عدّة جرت حول إمكان ضم الرئيس السوري بشار الأسد إلى هذه الحملة بوصف أن مكافحة الإرهاب باتت اليوم هي الأولوية. وتركزت المناقشات على إمكان إعادة تأهيل الأسد ليقود مرحلة انتقالية بعد تشكيل حكومة بمشاركة المعارضة لوضع نظام جديد للبلاد، لكن حسم القيادة السعودية بأنه لم يعد ممكناً أن يكون للأسد دور في مستقبل سوريا لتعويمه، ولو مرحلياً، أدى إلى طيّ هذا الخيار. ويكمن التحدّي راهناً في كيفية دعم المعارضة المعتدلة لتكون جاهزة لملء الفراغ الذي سينشأ عن إضعاف «داعش» على الأراضي السورية، ومنع النظام السوري من الإفادة من الإنجازات التي يمكن أن يحققها التحالف الدولي في هذا الإطار. وهو ما يتم العمل عليه من خلال إعادة ترتيب وضع المعارضة المعتدلة عبر الجيش السوري الحر وتدريبه وتسليحه، والبحث في إيجاد منطقة حظر جوي في شمال سوريا!
وفي المعلومات أن قنوات اتصال مصرية - سورية قد فُتحت بقوة في الآونة الأخيرة، وأن تعويلاً كبيراً على القاهرة للعب دور محوري فـي كيفية ترتيب الوضع السوري. وفُهم أنّ رسالة وصلت إلى الأسد تحضّه على اتخاذ خطوات سياسية جريئة بما يُجنّب سوريا مزيداً من التفسّخ والدمار، وتمهّد له، في مدى زمني مقبول، خروجاً آمناً من السلطة على طريقة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، حتى أن بعض المتابعين أدرجوا تحرّك الموفد الدولي الجديد إلى سوريا ستيفان دو ميستورا في اتجاه دمشق بهذا الوقت في أول زيارة له منذ تعيينه في سياق الخطوات التي يجري رسمها لمستقبل سوريا على وقع مقاربة التحالف الدولي واستراتيجيته حيال سوريا. وبدا واضحاً تركيز الموفد الدولي على أهمية تسريع المسار السياسي في سوريا، والذي رأى أنه لا يتعارض مع مواجهة المجموعات الإرهابية، بل يتكامل معه.
وإذا كان من المبكر الجزم بما سيفرضه الميدان من تطورات، وما سيؤول إليه مستقبل النظام السوري مع بدء التحالف الدولي في مواجهة «داعش»، فإن ثمة مخاوف فعلية لدى النظام من أن تؤول المهمة الدولية، في ضوء الخطوط الحمر التي يتم رسمها، من توجيه ضربات جوية لمواقع النظام ومنظومته الجوية إذا ما سعى إلى التقاط الفرصة لتعزيز وضعه على الأرض. وهو أمر قد يؤول إلى اهتزازات كبيرة في صفوف الجيش السوري، الذي بدأت تتسرّب معلومات عن حركة تململ واسعة في صفوفه، بعدما دفعت الطائفة العلوية ثمناً باهظاً من ضباطها وجنودها.
على أن الرهان بإمكان إقناع الأسد بالخروج الآمن لا يبدو، في رأي من يعرفون الرجل، بأنه رهان قد يلقى آذاناً صاغية، فقد سبق أن بُني مؤتمر «جنيف 1» على أسس تشكيل مرحلة انتقالية و نقل صلاحيات الرئيس إلى حكومة تشارك فيها المعارضة ووضع دستور جديد للبلاد، ما يمهّد إلى حل سياسي للأزمة السورية، وانعقد «جنيف 2» على أسس مندرجات «جنيف 1» من دون أن يفضي إلى أن يشق الحل السياسي طريقه، بل كان اعتماد النظام دوماً على الحل العسكري والذي نجح من خلال دعم روسي - ايراني وانخراط أذرع إيران العسكرية في تحقيق مكاسب على الأرض وتعزيز وضع الأسد حيث ترجم إنجازاته بولاية رئاسية جديدة، وسيسعى تالياً إلى الاستمرار في هذا المنحى، والإفادة من الظروف إلى أقصى مدى ممكن، وإن كان يُدرك أن المعادلة التي دعمت بقاءه في موقعه قد تكون آيلة إلى التغيير مع الزلزال الذي أصاب إيران في العراق ومع الإنشغال الروسي في أوكرانيا، والذي حوّلها من شريك في الحل إلى جزء من الأزمة ووضعها في حال من الصدام والمواجهة مع الغرب. معادلة ستتطلب تنازلات وتسويات قد لا تكون في صالح الأسد بعد اليوم!.

رلى موفق - اللواء 12\9\2014

إرسال تعليق

 
Top