0
يعيش العالم برمّته راهنًا، حالة واضحة من التيه والضياع ما بين المحطات والاستحقاقات والأحداث العالمية التي قلبت الأمور رأسًا على عقب وأسهمت في ضياع الأوطان وتشريد ناسها ونشوب الحروب الكبيرة والصغيرة مع ما حملته من أعداد مهولة للقتلى والجرحى وأصحاب العاهات المستديمة على مذبح الانتظار المزمن والأمل الغائب بتحقيق السلام العادل والشامل، وكل ذلك نتيجة تزاحم الأحداث على نحو جعلنا كمراقبين ومتابعين غير قادرين على إيجاد الأسباب الأصلية للحدث الذي تعمل صفعته الأولى دائمًا على محو ما سبقه من ذاكرتنا، فلا نجد أمامنا إلا المعطيات الطارئة طرفًا نحمّله كل المسؤولية. 

والمتابع لأحوال المشهد العربي والدولي حاليًا، يرى هذه الصورة بعين اليقين حيث لا يجتمع عربيان أو أجنبيان إلا ولسان حالهما تحميل الربيع العربي مسؤولية الحالة الإرهابية والتكفيرية المستجدة في العديد من الدول العربية ووصف ذلك الربيع بالكذبة أو بالهدية المفخخة من الاستخبارات العالمية للشعوب، دون أن يكلف أحد نفسه عناء مجرد إنعاش ذاكرته بالسبب الأصلي الذي ما تزال صورته حاضرة وموثقة بالصوت والصورة لتدلّنا على الشرارة الأولى لذلك البركان الحارق الذي نعيش على حممه منذ ثلاثة عشرة سنة! لم تكن أحداث الحادي عشر من أيلول سوى صفحة التقديم لملحمة الآلام العربية، صفحة كُتبت بخط إسرائيلي أكثر من واضح وجذّاب إستقطب عيون العالم لمفهوم الإرهاب وربطه بالحالة الإسلامية وصَرَفَ الأنظار عن مضمون تلك الملحمة التي جاءت أوراقها مختلطة بقدر معقول من الدهاء السياسي والدولي الذي لم يستطع العالم العربي بشعوبه وقادته على فك رموزه، حتى غدا هذا المفهوم كلمة سر رائجة وصالحة لكل المواسم السياسية ولكل الاستحقاقات التي يشعر خلالها الزعماء العرب بتصدع كراسي الحكم من تحتهم، وبالتالي ما على مفاعيل إطلاق كلمة الإرهاب إلا قمع الشعوب ووأد ثوراتهم وانتفاضاتهم وتعميم الاعتقال والملاحقة لكل هيئة أو حركة وجمعية خيرية ذات طابع اسلامي! 

كل ما يضيفه تنظيم داعش على هذا المشهد اليوم، هو مجرد تقريب الصورة أكثر وتكبيرها للمترددين منذ 11 أيلول 2001 في تصديق صحة منتج "الإرهاب الإسلامي"، فما فات قادة تنظيم القاعدة وما فات أسامة بن لادن في بياناته المسجلة والمصورة آنذاك تفعله داعش اليوم بوتيرة يومية مع إضافات دموية تراعي ظروف المرحلة التي لا يكتمل اشتعالها إلا بتسعير الهواجس الطائفية والمذهبية إلى الحدود القُسوى مُستعينة بالمتوفر واليسير من استديوهات ومؤثرات هوليوود لزوم اكتمال المشهد! 

لم نعد بحاجة لمن يجدد الأمل في جسد العالم العربي والإسلامي المُنهك والمذبوح، بقدر ما نحن بحاجة لمن ينعش ذاكرتنا المغرقة بوحول الحروب والحديد والنار، ليس من باب اليأس والاستسلام للواقع بل خشية أن نحمّل من باب الضياع غدًا أجيال الربيع المزهر مسؤولية خريف الإرهاب المُعلّب ! 11 أيلول 2001 – 11 أيلول 2014، سنوات عجاف ما تزال تبحث عن السبب!!

عمر الفاروق النخال - منبر "ليبانون تايم" 11\9\2014

إرسال تعليق

 
Top