لا يفوت بطاركة الشرق اي مناسبة كي يرفعوا الصوت: «أوقفوا الوحش الزاحف على الناس». المنبر هذه المرة أميركي. فقد افتتح مؤتمر بطاركة الشرق الكاثوليك اعماله في واشنطن بدعوة من جمعية «دفاعا عن المسيحيين في الشرق». ومضة التلاقي الاولى بين الجناح اللبناني ونظيره الاميركي كانت في لقاء اعلامي في نادي الصحافة شارك فيه الى بطاركة الشرق، رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري وعدد من ممثلي الطوائف المسيحية في الشرق وممثلون عن تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» وغيرهم. واللافت للانتباه في الحضور هو حرص رئيس «القوات» على ايفاد النائب جوزف المعلوف ممثلا شخصيا عنه، فضلا عن سعي تيار «المستقبل» الى تظهير هويته المدنية من خلال مشاركته الواسعة في المؤتمر على حد قول مستشار سعد الحريري غطاس خوري. يخشى المنظمون من بعض انتقادات تطال التمويل. يتحدثون عن ان «المال وسيلة فقط لتحريك المؤتمر، ولا يجب ان ترمى مثل هذه المساعي بالحجارة». في الواقع، ليست المسألة «رميا بالحجارة»، على ما يقول متابعون، «وانما المهم ان تكون الورقة البطريركية المشرقية، التي سترفع الى الرئيس الاميركي في اللقاء المرتقب في 11 الجاري، شاملة لكل ما يمكن ان يساعد لبنان وقواه العسكرية في مواجهة الارهاب وليس تصدير المشاكل اللبنانية او في بعض الدول العربية الى البيت الابيض». ولكن في كل الاحوال، لا ضير من ان ترتفع الاصوات المسيحية المشرقية من ضمن ألف شخصية مشاركة في المؤتمر في قلب العاصمة الاميركية لتجدد «ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي قرارات حاسمة بشأن المنظمات الارهابية وتمويلها»، وتضيف ان «المسيحيين ليسوا أقليات في هذا الشرق، بل هم موجودون منذ أكثر من ألفي سنة، وأن لا وجود وقيمة للشرق من دون مسيحييه».
في كلمته الافتتاحية، دعا بطريرك الموارنة بشارة الراعي الولايات المتحدة الاميركية «إلى أن تأخذ موقفا واضحا وخطوات أكثر لحماية المسيحيين الذين يتعرضون للقتل والتهجير على يد داعش والمنظمات الارهابية»، وقال: «جئنا الى واشنطن لنقول انه لا يحق لأحد أن يترك المجتمع البشري وكأننا عدنا الى العصر الحجري، كما حصل مع المسيحيين في العراق والموصل حيث أجبروا الناس على ترك منازلهم بالقوة والعالمان العربي والغربي لم يحركا ساكنا، فهل يجوز هذا؟ لا أحد يستطيع إيقاف الوحش الزاحف باتجاه الناس؟». أضاف: «دول العالم مجبرة على ايقاف وردع هذه التنظيمات الارهابية ووقف الدعم لها، ومجبرة ايضا على اعادة الذين هجروا الى بيوتهم وتأمين الحماية لهم».
ورأى الراعي أنه «لا يحق للمجتمع العربي والدولي والاسلامي التفرج على ما يحصل من انتهاك للحقوق البشرية، فإما ان يكون هناك عدالة في هذا العالم واما عدنا الى شريعة الغاب. جئنا الى واشنطن، أعظم مدينة للقرار، لنقول إنه لا يمكن أن نعيش شريعة الغاب ومن هذا المكان الذي من خلاله نستطيع مخاطبة العالم كله نقول: لسنا هنا من اجل الدفاع عن مجموعات صغيرة بل عن المجتمع البشري، ومن المعيب اليوم على العالم أن يسمح ويسكت على مجموعات تكفيرية وارهابية لقتل الناس، ايا كان هؤلاء الناس، فيجب ان تكون هناك مسؤولية متكاملة بين الدول العربية اولا، والاسلامية لأن هذه الحركات منبثقة منها وتشوه الاسلام، ونحن ضنينون في ان يبقى الاسلام في جوهره الحقيقي».
واعتبر الراعي أن «العالمين العربي والاسلامي والمجتمع الدولي مسؤولون عن الاسرة البشرية، فلماذا يوجد مجلس الامن ومنظمة الامم المتحدة؟ نحن نخاطب المسؤولين عن هذه المنظمات وضميرهم والمحكمة الدولية الجنائية والجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي لنقول لهم: هل يجوز في زمن العولمة ان نعود الى العصر الحجري؟ نحن اليوم مجروحون بكرامتنا كبشر وليس فقط بكرامتنا كمسيحيين، ويجب ان يعود كل المهجرين الى بيوتهم ليعيشوا بكرامتهم».
الفاتيكان يحرص على احاطة عالية المستوى للمؤتمر. وفي كلمته، أكد رئيس مجمع كنائس الشرق الكاردينال ساندري أن «النازحين إلى نينوى يحتاجون إلى كل ما هو ضروري لضمان بقائهم على قيد الحياة، وكذلك في أربيل وبغداد، وبالتالي يجب العمل على إعادتهم إلى منازلهم». وناشد القادة الروحيين «اتخاذ موقف حازم ضد العنف البربري الأعمى»، داعيا الولايات المتحدة الأميركية ومواطنيها إلى «دعم دور الأمم المتحدة كونها المنظمة المناسبة لاصدار قرارات تتعلق بأمور ذات أهمية دولية». ورأى أن «على الأمم المتحدة أن تبقى منتدى فاعلا لمنع تكرار أي نوع من العنف والظلم كالذي نحن في صدد مناقشته»، لافتا إلى أن «العالم يجب ألا يتخلى عن الأمل الذي وحده منذ خمسين عاما بعد توقيع قانون حقوق الانسان من أجل إحلال السلام».
كما كانت كلمات لكل من بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام وبطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف يونان وبطريرك الارمن الارثوذكس آرام الاول كشيشيان، بالاضافة الى رئيس اساقفة واشنطن دونالد وورل وممثل مؤتمر الاقليات في لبنان ادمون بطرس.
وفي ختام الصلاة ألقى رئيس جمعية «دفاعا عن المسيحيين في الشرق» توفيق بعقليني كلمة شدد فيها على ضرورة حماية الانسان والديموقراطية وحقوق الانسان».
غراسيا بيطار - السفير 11\9\2014
إرسال تعليق