0
لبنان بلد العمل المؤسساتي والديموقراطي، يشهد اليوم حالة من الجمود في تنفيذ استحقاقاته الدستورية، فبعدما مدد المجلس النيابي لنفسة سنة وسبعة أشهر تنتهي ولايته في نوفمبر المقبل، مما يجعله أمام خيارين إما الانتخاب أو التمديد، إلا أن عملية الانتخاب يعترضها حصول انتخابات رئاسية أولاً، أما التمديد فمعرض للطعن، إضافة إلى أن الشعب أعطى هذا المجلس وكالة انتهت صلاحيتها ولا يجوز السير بها، لذلك ليس بالأمر السهل أن يمدد المجلس النيابي اللبناني لنفسه للمرة الثانية على التوالي لأسباب متعددة، منها الأمني ومنها السياسي ومنها الدستوري، كما يشرح خبراء السياسة والقانون في تصاريخ خاصة لصحيفة "اليوم"، التي التقت المحاضر في القانون الدولي المحامي أنطوان صفير والناشط السياسي الأستاذ بشارة خيرالله.

صفير: دخلنا ضمن مهلة التسعين يوماً التي كان على الحكومة اللبنانية ان تصدر فيها مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، واجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية هو شيء غير منطقي من الناحيتين الدستورية والعملية

وأوضح المحاضر في القانون الدولي المحامي انطوان صفير في حديث لصحيفة "اليوم" أن "المشكلة اليوم هي في سير عمل المؤسسات الدستورية التي تعتبر في حالة من الشلل، بسبب شغور موقع الرئاسة حتى الآن، بحكم تعطل الإنتخابات النيابية نتيجة للظروف المعروفة، وعدم اكتمال نصاب جلسات إنتخاب الرئيس، اضافة الى عدم قدرة مجلس النواب على الاجتماع للقيام بأعمال أخرى، طالما ان سدة الرئاسة شاغرة".

وقال: "أما حال مجلس الوزراء فهي تقتصر على تسيير الأعمال كي لا يصبح البلد من دون سلطة إجرائية، الا ان كل هذه ظروف غير عادية في النظام الديموقراطي اللبناني وفي عمل المؤسسات الدستورية"، لافتاً الى "اننا اليوم دخلنا ضمن مهلة التسعين يوماً التي كان على الحكومة ان تصدر فيها مرسوم دعوة الهيئات الناخبة.

ورأى صفير "اننا اليوم أمام احتمالين إما أن يجتمع مجلس النواب ويمدد لنفسه مرة جديدة وهذا أمر مؤسف، لأن هذا الموضوع يعتبر وان كان قانونياً فهو منقوص الشرعية، بإعتبار أن الناس أعطت وكالة لمدة أربع سنوات لهذا المجلس ولم تعطها لأكثر من ذلك. أما الاحتمال الثاني ان تكون هناك انتخابات نيابية وتصدر الحكومة مرسوماً بدعوة الهيئات الناخبة، الا ان هذا الاحتمال إمان أن يطعن بالمرسوم أمام مجلس الشورى بإعتبار انه تخطى المهل التي هي مهلة إنتظام عام وإما أن يقوم مجلس النواب بتقصير المهل، أي مهلة 90 يوماً يجعلها 70 يوماً، ولكن كل هذا يعتبر انه استثناء على المبدأ واستثناء على العمل الطبيعي للمؤسسات الدستورية التي يجب أن تكون مؤسسات ملتزمة بالمهل ويكون هنالك رئيس وانتخابات نيابية ضمن المهل المحددة في الدستور والقوانين المرعية الاجراء.

وختم: "اذا لم يكن هنالك انتخابات رئاسية فالقيام بالإنتخابات النيابية وتنظيمها سيكون كمن يبدأ من النهاية، بإعتبار أن رئاسة الجمهورية شاغرة وبالتالي عندما يكون هنالك مجلس نيابي جديد تصبح الحكومة مستقيلة بحكم النص الدستوري"، مشدداً على ان "اجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية هو شيء غير منطقي من الناحيتين الدستورية والعملية".

خيرالله: للجيش اللبناني بيئة حاضنة تحميه ويحميها ومن عطّل انتخاب الرئيس يتحمل مسؤولية التمديد للمجلس النيابي

من جهته، يشدد الناشط السياسي وناشر موقع "ليبانون تايم" بشارة خيرالله في حديث خاص لصحيفة "اليوم"، على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية بأسرع وقت، ما يُسهِّل كلّ شيء من بعدها، محمِّلاً مسؤولية التمديد النيابي إن حصل، للفريق الذي رفض الاحتكام لقواعد اللعبة الديمقراطية البرلمانية التي تُلزم النواب احترام الدستور وتطبيقه، وبالتالي الدخول إلى قاعة المجلس النيابي وانتخاب الرئيس الذي يحصل على أكثرية الأصوات.

ويعتبر خيرالله أن التمديد للمرة الثانية للمجلس النيابي، يفرض نفسه يوماً بعد يوم أمراً واقعاً بسبب التجاذب السياسي الحاصل والتعنت الذي من شأنه تعطيل المؤسسات الدستورية واحدةً تلوَ الأخرى، في ظلّ الخطر الارهابي القادم من خلف الحدود، والذي يتطلب تماسك القوى اللبنانية بكافة مكوناتها وتعاونها التام، لإخراج البلاد من عنق التعطيل، ما يكسبها المناعة الكافية ويؤمن الغطاء السياسي، الأمني والاقتصادي في هذا التوقيت الحرج.

ويؤكد خيرالله أن الوضع التي الخطير الذي وصلت إليه البلاد أسوةً بالجوار الملتهب، لا يحتمل المزيد من "الدلع السياسي" الذي يدفع ضريبته الشعب اللبناني على حساب أمنه وعيشه الكريم وصموده في أرضه، واللجوء في بعض الأحيان إلى الهجرة هرباً أو الأمن الذاتي عبر التسلّح الفردي، بدلاً من الوقوف خلف الجيش اللبناني وحده دون سواه.

ويُضيف خيرالله معتبراً أن الجيش اللبناني وبالرغم من الحملات المتعددة المصادر لشويه صورته، أثبت وبالرغم من إمكانيته المتواضعة لناحية التسلّح، أنّه الحامي الوحيد للأمن اللبناني، بدليل قدرته السريعة على استعادة التلال التي سيطرت عليها التنظيمات الإرهابية بعكس بعض الجيوش المسلّحة بأفضل أنواع الأعتدة، والتي هربت من القرى والمدن، وخاصةً في العراق فور السماع بوصول داعش.

ويرى خيرالله أن قوة الجيش اللبناني، تعود إلى الاحتضان الشعبي الذي يلقاه في كلّ القرى والبلدات أياً كان شكلها أو لونها المذهبي. وجلّ ما يحتاج هذا الجيش الذي انتصر على الإرهاب في محطات كثيرة، كان أبرزها الضنية ونهر البارد ومؤخراً عرسال، تسليحه بأعتدة وذخائر تحتاجها المؤسسة العسكرية، وتأمين الغطاء السياسي المطلوب دائماً، وهذا ما يتطلب المزيد من التعاون بين كافّة الأطراف والقوى، وتغليب سياسة الاعتدال على منطق التطرّف الذي يبحث بدوره عن تطرّف ليبرر وجوده.

ويؤكد خيرالله أن أهمية هبة المليار دولار الإضافية التي قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز للدولة اللبنانية، تلبيةً لطلب الرئيس العماد ميشال سليمان، تكمن في السماح للجيش اللبناني "اختيار ما يريد من احتياجات أياً كان مصدرها وبشكلٍ سريع"، لمكافحة الخطر الإرهابي وردعه، وهذا ما عجز عنه الفريق الذي اعتقد أن القتال خارج الحدود، يمنع وصول هذه المجموعات إلى لبنان.

صفاء قره محمد – صحيفة "اليوم" السعودية 22\8\2014

إرسال تعليق

 
Top