قال السيّد حسن نصرالله إنّ «لبنان أمام خطر وجوديّ من «داعش». وتساءَل: «هل يسأل المجتمع الدولي عن المسيحيّين، وتحديداً مسيحيّي لبنان»؟ وتوجّه إلى المسيحيين قائلاً: «أنتم واهمون. هل ما زلتم تنتظرون الأميركيين والفرنسيين والمجتمع الدولي؟ مَن تنتظرون؟ جامعة الدوَل العربية؟».
تقصَّد السيّد نصرالله استخدامَ مصطلح «الخطر الوجودي» الذي طالما استُخدم من قِبل المسيحيين في لبنان، اعتقاداً منه أنّه عبر هذه الطريقة يستطيع مخاطبتَهم والتكلمَ بلغتهم ومشاركتَهم لهواجسهم والإيحاءَ بأنّه يتموضع إلى جانبهم في المعركة الوجودية التي تهدّد لبنان كدولةٍ وطوائف وأفراد.
«الخطر الوجودي» استُخدِم من قِبل المسيحيين في مرحلتين: مرحلة المواجهة مع الفلسطينيين، ومن ثمّ مع السوريين. والمقصود بالخطر الوجودي آنذاك إسقاط الحدود اللبنانية وإلحاق لبنان بدوَل أخرى وتغيير وجهه ونظامه السياسي المبني على الديموقراطية والحرّية واحترام التعدّدية، وحقّ المسيحيين بأن يكونوا شركاءَ فعليين في السلطة.
وهذه الشراكة في تقرير مصير البلد وتحديد اتّجاهاته هي التي ميّزَت المسيحيين اللبنانيين عن المسيحيين المشرقيين الذين لم تساعدهم ظروفهم التاريخية والسياسية والديموغرافية والجغرافية في لعبِ أيّ دور سياسي، بل كانوا دوماً مجرّد رعايا لهم واجبات لا حقوق، وقد اختلفَت طريقة معاملتهم مع اختلاف طبيعة السلطة القائمة.
وهذا «الخطر الوجودي» نفسُه عاد واستُخدم من قبل 14 آذار بتوصيفها خطرَ «حزب الله» على لبنان لناحية سعيِه إلى إسقاط مبدأ الشراكة الوطنية المسيحية - الإسلامية وإلغاء التعدّدية الطائفية والمذهبية وفَرض هيمنة أحادية وتغيير وظيفة لبنان ودوره من دولة محايدة إلى دولة مقاومة.
فمفهوم الخطر الوجودي بالنسبة إلى المسيحيّين في لبنان يتعلق بالدرجة الأولى بالخطر الذي يُحدق بالنظام السياسي ومنظومة الحرّيات القائمة.
ونضالُهم التاريخي كان وما زال من أجل إرساء نظام يؤمّن لهم ولغيرهم المساواة والحرّية والحقّ بتقرير مصير لبنان ومستقبله، وبالتالي كلّ ما يهدّد ميثاق العيش المشترك بين اللبنانيين يشكّل خطراً وجودياً على المسيحيين ولبنان. وكلّ ما يُضعِف دور الدولة في بَسط سلطتها على كامل التراب اللبناني وامتلاكها حصراً السلاح يُشكّل خطراً وجودياً على المسيحيين ولبنان.
وكلّ ما يهدّد دورَ المسيحيين ووجودَهم السياسيين يشكّل خطراً وجودياً عليهم وعلى لبنان، وبهذا المعنى الخطر الوجودي على لبنان بمسيحيّيه ومسلميه قائمٌ قبل وجود «داعش»، لأنّ وجودَهم في السلطة شكليّ وصوري، حيث إنّ القرارات المصيرية المتصلة بالخيارات الاستراتيجية ممسوكة من قِبل «حزب الله» منفرداً من دون أيّ اعتبار لمبدأ الشراكة والمشاركة، الأمر الذي يجعلهم موضوعياً مواطنين درجة ثانية وخامسة.
ومن ثمّ إنّ تصوير المسيحيّين وكأنّهم سُعاةٌ وراء حمايات ورهانات خارجية يشكّلُ إهانة كبرى بحقّهم، لأنّ رهانهم كان وما زال على إيمانهم وقوّتهم وتجَذّرهم، كما على شراكتهم مع المسلمين في لبنان، الذين نجحوا وإيّاهم في بناء دولة فريدة من نوعها في العالم، وهذا الكلام ليس شعراً، إنّما واقع وحقيقة تمَّت ترجمته في العام 1920 مع لبنان الكبير، وفي العام 1943 مع الميثاق الوطني، وفي العام 1989 مع اتّفاق الطائف، وفي العام 2005 مع ثورة الأرز.
كما أنّ المسيحيين لم يطلبوا يوماً أيّ حماية لهم، بل كلّ دعواتهم للمجتمع الدولي كانت من أجل أن يتحمّل هذا المجتمع مسؤوليّاته في حماية لبنان كدولة مؤسّسة في الأمم المتحدة وتتعرّض لانتهاك سيادتها واستقلالها. ولم يراهنوا يوماً على الولايات المتحدة والغرب من أجل خيارات فئوية، بل كلّ رهانهم كان على حماية التجربة اللبنانية.
ولكن، ويا للأسف، «الصِيت» على المسيحيّين والفعل لغيرهم، حيث إنّ المجتمع الدولي تخلّى عن لبنان في العام 1975، وأفقدَ المسيحيين أهمّ ضمانة لوجودهم، وهي وجود الدولة في لبنان، التي تشكّل مصدر الحماية الأساس لهم، كما أنّه تخلّى عن لبنان أيضاً في العام 1990 بتفويض إدارته للنظام السوري وإقصاء المسيحيّين عن السلطة، ليس لكونهم مسيحيين، بل لكونهم حريصين على استقلال لبنان وسيادته واستقلاله.
والمفارقة أنّ هذا المجتمع كان دوماً بالفعل، لا بالموقف، إلى جانب القوى التي تستخدم لبنان ساحةً، وفي طليعتها النظام السوري و»حزب الله»، فيما كان يردّد لازمتَه الببّغائية حول سيادة واستقلال لبنان حفظاً لماء وجهه لا أكثر ولا أقل، فضلاً عن أنّ هذا المجتمع قدّم أكبر هديّة لطهران بإسقاط نظامَي صدّام حسين وطالبان وعدم التدخّل في سوريا.
وأمّا الوجه الآخر لتساؤل السيّد نصرالله المتصل بـ«هل ما زلتم تنتظرون الأميركيين والفرنسيين والمجتمع الدولي؟ مَن تنتظرون؟ جامعة الدول العربية؟»، فينطوي على مسألتين: دعوة المسيحيين صراحةً إلى الاحتماء بـ«حزب الله»، ودعوتهم إلى عدم الرهان على عرب الاعتدال، وفي طليعتهم السعودية، علماً أنّ مَن يتصدّى فعلياً لـ«داعش» والتكفيريّين وغيرهما هم سُنّة الاعتدال، ولو انسحبَ «المستقبل» افتراضاً من الحياة الوطنية لكانت «داعش» وأخواتها امتدّت إلى لبنان، ولا قوّة «حزب الله» ولا غيره كانت تمكّنَت من صدّها، وبالتالي من حالَ فعلاً دون دخول «داعش» إلى لبنان هو «المستقبل» والسعودية، فيما الطرف الآخر يغذّي بشكل مباشر وغير مباشر التكفيريين.
إذاً، فالذي يمنع الخطر الوجودي من «داعش» على لبنان هو «المستقبل» لا «حزب الله»، وخيارُ المسيحيين هو إلى جانب الطرَف الذي يرفع شعار «لبنان أوّلا» ويعمل لسيادة لبنان واستقلاله، أي انحيازُهم كان وسيبقى إلى من يتشاركون معه في الدفاع عن لبنان الرسالة.
فالخطر الوجودي على لبنان مُتأتٍّ من كلّ طرف لا يحترم سيادة هذا الوطن واستقلاله وقراره الحر، ويستخدمه كساحة لأهدافه الإقليمية، وإزالة هذا الخطر تكون بالتوحّد حول مشروع الدولة اللبنانية فقط، ضمن خيارات وطنية وأولويات لبنانية...
تقصَّد السيّد نصرالله استخدامَ مصطلح «الخطر الوجودي» الذي طالما استُخدم من قِبل المسيحيين في لبنان، اعتقاداً منه أنّه عبر هذه الطريقة يستطيع مخاطبتَهم والتكلمَ بلغتهم ومشاركتَهم لهواجسهم والإيحاءَ بأنّه يتموضع إلى جانبهم في المعركة الوجودية التي تهدّد لبنان كدولةٍ وطوائف وأفراد.
«الخطر الوجودي» استُخدِم من قِبل المسيحيين في مرحلتين: مرحلة المواجهة مع الفلسطينيين، ومن ثمّ مع السوريين. والمقصود بالخطر الوجودي آنذاك إسقاط الحدود اللبنانية وإلحاق لبنان بدوَل أخرى وتغيير وجهه ونظامه السياسي المبني على الديموقراطية والحرّية واحترام التعدّدية، وحقّ المسيحيين بأن يكونوا شركاءَ فعليين في السلطة.
وهذه الشراكة في تقرير مصير البلد وتحديد اتّجاهاته هي التي ميّزَت المسيحيين اللبنانيين عن المسيحيين المشرقيين الذين لم تساعدهم ظروفهم التاريخية والسياسية والديموغرافية والجغرافية في لعبِ أيّ دور سياسي، بل كانوا دوماً مجرّد رعايا لهم واجبات لا حقوق، وقد اختلفَت طريقة معاملتهم مع اختلاف طبيعة السلطة القائمة.
وهذا «الخطر الوجودي» نفسُه عاد واستُخدم من قبل 14 آذار بتوصيفها خطرَ «حزب الله» على لبنان لناحية سعيِه إلى إسقاط مبدأ الشراكة الوطنية المسيحية - الإسلامية وإلغاء التعدّدية الطائفية والمذهبية وفَرض هيمنة أحادية وتغيير وظيفة لبنان ودوره من دولة محايدة إلى دولة مقاومة.
فمفهوم الخطر الوجودي بالنسبة إلى المسيحيّين في لبنان يتعلق بالدرجة الأولى بالخطر الذي يُحدق بالنظام السياسي ومنظومة الحرّيات القائمة.
ونضالُهم التاريخي كان وما زال من أجل إرساء نظام يؤمّن لهم ولغيرهم المساواة والحرّية والحقّ بتقرير مصير لبنان ومستقبله، وبالتالي كلّ ما يهدّد ميثاق العيش المشترك بين اللبنانيين يشكّل خطراً وجودياً على المسيحيين ولبنان. وكلّ ما يُضعِف دور الدولة في بَسط سلطتها على كامل التراب اللبناني وامتلاكها حصراً السلاح يُشكّل خطراً وجودياً على المسيحيين ولبنان.
وكلّ ما يهدّد دورَ المسيحيين ووجودَهم السياسيين يشكّل خطراً وجودياً عليهم وعلى لبنان، وبهذا المعنى الخطر الوجودي على لبنان بمسيحيّيه ومسلميه قائمٌ قبل وجود «داعش»، لأنّ وجودَهم في السلطة شكليّ وصوري، حيث إنّ القرارات المصيرية المتصلة بالخيارات الاستراتيجية ممسوكة من قِبل «حزب الله» منفرداً من دون أيّ اعتبار لمبدأ الشراكة والمشاركة، الأمر الذي يجعلهم موضوعياً مواطنين درجة ثانية وخامسة.
ومن ثمّ إنّ تصوير المسيحيّين وكأنّهم سُعاةٌ وراء حمايات ورهانات خارجية يشكّلُ إهانة كبرى بحقّهم، لأنّ رهانهم كان وما زال على إيمانهم وقوّتهم وتجَذّرهم، كما على شراكتهم مع المسلمين في لبنان، الذين نجحوا وإيّاهم في بناء دولة فريدة من نوعها في العالم، وهذا الكلام ليس شعراً، إنّما واقع وحقيقة تمَّت ترجمته في العام 1920 مع لبنان الكبير، وفي العام 1943 مع الميثاق الوطني، وفي العام 1989 مع اتّفاق الطائف، وفي العام 2005 مع ثورة الأرز.
كما أنّ المسيحيين لم يطلبوا يوماً أيّ حماية لهم، بل كلّ دعواتهم للمجتمع الدولي كانت من أجل أن يتحمّل هذا المجتمع مسؤوليّاته في حماية لبنان كدولة مؤسّسة في الأمم المتحدة وتتعرّض لانتهاك سيادتها واستقلالها. ولم يراهنوا يوماً على الولايات المتحدة والغرب من أجل خيارات فئوية، بل كلّ رهانهم كان على حماية التجربة اللبنانية.
ولكن، ويا للأسف، «الصِيت» على المسيحيّين والفعل لغيرهم، حيث إنّ المجتمع الدولي تخلّى عن لبنان في العام 1975، وأفقدَ المسيحيين أهمّ ضمانة لوجودهم، وهي وجود الدولة في لبنان، التي تشكّل مصدر الحماية الأساس لهم، كما أنّه تخلّى عن لبنان أيضاً في العام 1990 بتفويض إدارته للنظام السوري وإقصاء المسيحيّين عن السلطة، ليس لكونهم مسيحيين، بل لكونهم حريصين على استقلال لبنان وسيادته واستقلاله.
والمفارقة أنّ هذا المجتمع كان دوماً بالفعل، لا بالموقف، إلى جانب القوى التي تستخدم لبنان ساحةً، وفي طليعتها النظام السوري و»حزب الله»، فيما كان يردّد لازمتَه الببّغائية حول سيادة واستقلال لبنان حفظاً لماء وجهه لا أكثر ولا أقل، فضلاً عن أنّ هذا المجتمع قدّم أكبر هديّة لطهران بإسقاط نظامَي صدّام حسين وطالبان وعدم التدخّل في سوريا.
وأمّا الوجه الآخر لتساؤل السيّد نصرالله المتصل بـ«هل ما زلتم تنتظرون الأميركيين والفرنسيين والمجتمع الدولي؟ مَن تنتظرون؟ جامعة الدول العربية؟»، فينطوي على مسألتين: دعوة المسيحيين صراحةً إلى الاحتماء بـ«حزب الله»، ودعوتهم إلى عدم الرهان على عرب الاعتدال، وفي طليعتهم السعودية، علماً أنّ مَن يتصدّى فعلياً لـ«داعش» والتكفيريّين وغيرهما هم سُنّة الاعتدال، ولو انسحبَ «المستقبل» افتراضاً من الحياة الوطنية لكانت «داعش» وأخواتها امتدّت إلى لبنان، ولا قوّة «حزب الله» ولا غيره كانت تمكّنَت من صدّها، وبالتالي من حالَ فعلاً دون دخول «داعش» إلى لبنان هو «المستقبل» والسعودية، فيما الطرف الآخر يغذّي بشكل مباشر وغير مباشر التكفيريين.
إذاً، فالذي يمنع الخطر الوجودي من «داعش» على لبنان هو «المستقبل» لا «حزب الله»، وخيارُ المسيحيين هو إلى جانب الطرَف الذي يرفع شعار «لبنان أوّلا» ويعمل لسيادة لبنان واستقلاله، أي انحيازُهم كان وسيبقى إلى من يتشاركون معه في الدفاع عن لبنان الرسالة.
فالخطر الوجودي على لبنان مُتأتٍّ من كلّ طرف لا يحترم سيادة هذا الوطن واستقلاله وقراره الحر، ويستخدمه كساحة لأهدافه الإقليمية، وإزالة هذا الخطر تكون بالتوحّد حول مشروع الدولة اللبنانية فقط، ضمن خيارات وطنية وأولويات لبنانية...
شارل جبور - الجمهورية 2014/8/20
إرسال تعليق