0
"لبنان يا قطعة سما، عالأرض تاني ما إلا".. كلامٌ حقيقيٌّ جميل عشناه ونعيشهُ كل يوم حتى غدا في دمِّ معظمنا عقيدةً راسخةً وفعلَ إيمان. 

إلا أن هذه الحقيقة الجميلة يقلبها دائماً أهلُ السياسة الى كابوسٍ وسرابٍ ومآسي، فيغدو لبنان "يا قطعة جبنة، السياسي الأناني عم ياكلا". 

إن كل العصبيات، مهما استفحلت في التاريخ، هي نتوءات مرحلية مصيرها الزوال. هي العبرة التاريخية المثبتة وما العصبيات الحديثة الظهور من داعشية وغيرها سوى النسخات المستحدثة لعصبيات وديكتاتوريات هضمها التاريخ وطحنتها مسيرة الحياة. 

لا استمرارية للتقوقع والتطرُّف وقتل الآخر تحت أيّةِ مسميّات وفي ظل العولمة التي نعيش لا بقاء لغير الإنفتاح وقبول الآخر والعيش المشترك والتسامح. لذا على لبنان، وطن الرسالة وملتقى الحضارات، التشبُّث بالمحبة والتضامن والتماهي مع مختلف العقائد النورانية دينية كانت أم علمانية وبحماسة وأكثر من أي وقتٍ مضى. إن الحرب العبثية التي تجتاح المنطقة من أجل تفتيتها والتي تهدّد الوجود المسيحي ووجود الأقليات الدينية في الشرق والتي من المتوقّع أن تمتّد نيرانها الى لبنان، تحتّم على المجتمع اللبناني رصّ الصفوف والتضامن الكامل وعلى السياسيين اللبنانيين التمتّع بالحدّ الأدنى من الأخلاق والمسؤولية والإخلاص وتقديم مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية والأنانية المرضية. 

يحقّ لأيّ لبناني ماروني المذهب الترشّح لمنصب رئاسة الجمهورية ولكن لا يحق له مهما علا شأنه قتل الجمهورية من أجل الوصول لكرسي الرئاسة. لا يحق لأيٍّ من اللبنانيين أن يعتبر أن خلاص لبنان وضمان حقوق المسيحيين لا يتحققان إلا بوصول شخصه الكريم الى سدّة الرئاسة، هذا هذيان سياسي وعقلي موصوف. 

لا يستخفنَّ أحدٌ بعقول اللبنانيين، لبنان ليس إمارة لأحد وليس ورثةً مستحقة لأي كان والمسيحيون هم أحرار منفتحون روّاد الحداثة والنور والعروبة لا يمكن لأحدٍ أن يختزلهم ويربط مصيرهم وضمان وجودهم بديمومته الشخصية ووصوله الى سدة الحكم. 

لبنان هو كيان ووطن دُفعَ من أجل تأسيسه الكثير وفي ظل ما يجتاح المنطقة العربية من إعادة تشكيل الدول والكيانات واجب كل لبناني أن يتعقّل. 

لا قيمة لكرسي الرئاسة اذا وصل إليها المرشح على حساب كرامته وعلى جثث اللبنانيين ومصالحهم. إن كان معظم اللبنانيين لا يريدونكَ رئيساً، لا يمكنكَ أن تأتي رئيساً بالقوة والغصب، إلا اذا أردت ذلك فعلاً فعليكَ بالإنقلاب العسكري، وهذا بالتالي غير ممكن ومستحيل. 

هذا المثال يذكرُني بأيام الدراسة عندما كان أحد زملائي في الصف يطمح ليكون العرّيف ولا أحد يرغب في ذلك، وهو مصرّ أن يحصل على هذا المركز، وقد اضطررنا يومها فعلاً أن نجري انتخابات سقط في خلالها لكي نتمكن من إقناعه بأنه غير مرغوب به في المنصب الذي يقاتل من أجله. 

أن يقتل الإبن أباه من أجل أن يرثهُ هو في اعتقادي أقصى درجات الأنانية قبل أن يكون ذلك جرماً موصوفاً.. الوطن هو الأساس والبقاء للوطن واللعبة الديمقراطية جميلة تحت قبّة البرلمان وليس في الكيد السياسي. 

لبنان يستحق رئيساً حقيقياً، توافقياً فكراً وفعلاً وممارسةً، لبنانياً قبل أن يكون مسيحياً، ونورانياً علمانياً يفخر به لبنان وتكبر به الكرسي وتتعزَّز ويكون الحصن المنيع ضد التطرُّف والتقوقع والإنغلاق. 

الكلمة الإقليمية حاضرة في الملف الرئاسي، ولكن أين دور السياسيين اللبنانيين العقلاء في إنضاج طبخة الرئاسة الأولى؟ حين تُأكل كل الجبنة، سينتهي الوطن ونجوع جميعاً، فحذارِ على "قطعة السما لـ عالارض تاني ما إلا "، حذار، حذار! 

وائل كرامه - منبر ليبانون تايم 2\8\2014

إرسال تعليق

 
Top