آخر جديد ميشال عون الرئاسي. لا جديد! يصبح لهذه المعادلة وقعها المغاير بعد أحداث عرسال وعودة الرئيس سعد الحريري من الخارج، وإشارة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الى ضرورة الحفاظ على الحكومة الحالية حتى انتخاب رئيس للجمهورية. «الجنرال» ثابت أكثر على مواقفه. يرى أن على الآخرين أن يغيّروا أسلوب تعاطيهم مع الوقائع المستجدّة وليس هو.
بعد الطلّة الاخيرة لنصر الله بدا عون مرتاحا جدا. علّق أمام زائريه قائلا «كالأطفال الصغار شرّبهم إياها بالملعقة». كان يقصد الجهد الذي بذله الامين العام للحزب ليشرح مدى خطورة تنظيم «داعش» والفكر التكفيري على كل الدول العربية وعلى لبنان، وعدم الاستخفاف به، وضرورة التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية من أجل ضبط الحدود ومنع خطر التطرّف من الانفلاش صوب الداخل اللبناني.
ما يراه نصر الله اليوم، وبعض القوى السياسية، قاله عون منذ نحو عشرين عاما. يحرص «الجنرال» دوما على تذكير محدّثيه بأنه لم يتفاجأ بخروج المارد من القمقم، لكن ما يستفزّه هو أسلوب المعالجة الخاطئ والمتهوّر.
تطابق النظرة بين «الجنرال» و«السيّد» حيال ملف الارهاب ليس فقط ما يريح عون، فها هو نصر الله ينصح المعنيين مرّة جديدة بألا يتحدّثوا مع الوسطاء، ما دام الأصيل موجودا.
مؤخّرا ابلغ عون بلهجة حاسمة مرجعا ديبلوماسيا معنيا جدا بملف الانتخابات الرئاسية أن استمرار التعاطي غير المسؤول لبعض أفرقاء الداخل مع مسألة انتخاب الرئيس سيدفعه الى التشبّث أكثر بموقفه بمقاطعة جلسات الانتخاب وحجب النصاب. ما دام سمير جعجع وهنري حلو بوجهه، فلن ينزل الى مجلس النواب!
آخر الكلام لديه هو الطرح الذي تقدّم به بشأن تعديل آلية الانتخاب عبر تجييره الى الشعب، وعلى مرحلتين.
أما السير بالتمديد لمجلس النواب الممدّد له، فسيدفعه الى رفع سقف المواجهة عاليا. ووفق المعلومات، فإن هذا السقف لن يصل الى حدّ تقديم نواب «التيار الوطني الحرّ» استقالاتهم من مجلس النواب، لعلم «الجنرال» بأن «حزب الله» لن يكون بوارد السير بهذا الخيار. يدرك عون أن «البولدزر» المسيحي، بشقيه، يستطيع أن يمنع إقرار القانون في مجلس النواب، فيسقط لأسباب ميثاقية، لكن بوادر التنسيق لم تلح مؤشراتها بعد، بينما تستخفّ الرابية بقدرة «الكتائب» و«القوات» على الخروج من تحت العباءة الحريرية.
لا يجد عون أجوبة حقيقية عن مغزى حصول انتخابات رئاسية في بقع غرقت بالدماء كمصر وسوريا والعراق، بينما تتهيّأ ليبيا لانتخابات رئاسية تجري مباشرة بالاقتراع الشعبي بعد ثلاث سنوات من إطاحة الزعيم الليبي معمر القذافي.
باعتقاده، يمكن المواءمة بين تعديل محدود في آلية انتخاب رئيس الجمهورية والحفاظ في الوقت عينه على الصيغة الميثاقية، ما يحرّر الرئاسة الأولى تماما من المداخلات الاقليمية والدولية. والأهم، أن ميشال عون لا يزال يتمسّك بقناعة حديدية لديه باعتباره الأحق بدخول قصر بعبدا.. وعلى هذا الأساس يتصرّف.
ويبدو ان عون قد بلغ مرحلة متقدّمة في تشريح «أعطال» النظام، حين يحيّد الحكومات المتعاقبة عن توريط البلد في مآزقه السياسية والاقتصادية والامنية، فيشير بالاصبع الى وجود هذا التردّي الكبير في الخدمات، وفي العجز المستمر عن اجتراح الحلول في ملفات المياه والطاقة والكهرباء، وتفشّي ظاهرة الفساد وتآكل الدولة من الداخل، وهي من ميراث العهود السابقة، بسبب عدم وجود رئيس مسيحي قوي على رأس السلطة.
ينفعل «الجنرال» أمام كل من يفاتحه بالتسوية. أي نوع من التسويات، برأيه، ستزيد الأمور تأزّما، والحديث عن «الدوحة 2» يصنّفه سريعا ضمن إطار المحرّمات.
ولا يزال عون يزن كلماته بميزان الذهب حين يتحدّث عن الرئيس سعد الحريري. في الرابية ثمّة قناعة تبرّئ «الشيخ» من تهمة التنصّل من دعمه لرئاسة الجمهورية، في مقابل وضع اللوم على الجناح المتشدّد في السعودية الذي يمثّله سعود الفيصل الرافض لهذا الخيار.
الاتصالات عمليا لا تزال قائمة بين الجانبين، ولا يمرّ اسبوع من دون أن يحطّ موفد للحريري في الرابية، لكن لا تقدّم على صعيد ملفيّ الانتخابات الرئاسية والنيابية.
لكن، لأول مرّة منذ بدء الازمة السورية، تدخل الى القاموس العوني مفردة «الجهوزية على الأرض». فأمام توسّع بيكار المخاوف من إمكان حدوث اختراقات حدودية في مناطق الجرد بقاعا من قبل مجموعات إرهابية، يبدو أن العونيين قد دخلوا بإرادتهم في منظومة الأمن الذاتي.
يؤكّد عون أمام زائريه «أن شباب التيار حاضرون ليكونوا جزءاً من اي مواجهة مع داعش من القاع حتى رأس بعلبك على امتداد القرى المسيحية». لا تفاصيل أكثر من ذلك. فرئيس «تكتل التغيير والاصلاح» يضع اليوم مواجهة الارهاب في سلّم الأولويات، بينما كان لافتا للنظر حديث نصر الله مؤخرا عن وجوب حصول مصالحة مناطقـية تحـمي من الخطر الذي يهدّد ليس فقـط عرسال بل باقـي المناطـق اللبنـانية.
ويشير مراقبون في هذا السياق الى نقطة هامة وهي مدى انخراط «القوات اللبنانية» المتواجدة على تخوم العديد من البلدات الحدودية البقاعية، بمشروع المصالحة من أجل مواجهة إرهاب لا يميّز بين شيعي ومسيحي وسنّي، وآلية التسلّح اذا فرض الأمر الواقع ذلك، وموقف «حزب الله» المستثني معراب أصلا من أجندة الحوار والتواصل في مقابل الانفتاح غير المشروط على الجميع.
ملاك عقيل - السفير 18\8\2014
إرسال تعليق