0
يمكن القول إن مخطط جعل لبنان محكوماً بالفراغ الشامل بدأ تنفيذه مع تطبيق الديموقراطية التوافقية بديلاً من الديموقراطية العددية، فلا حكومات يتم تشكيلها إن لم تكن حكومات "وحدة وطنية" كي تشارك كل القوى السياسية الاساسية في البلاد في اتخاذ القرارات المهمة ولا تستأثر باتخاذها فئة من دون أخرى حتى إن تكن أكثرية... كما بدأ تنفيذه مع خروج القوات السورية من لبنان وانتهاء حكم الوصاية وفوز مرشحي قوى 14 آذار بالأكثرية النيابية للحؤول دون تمكينها من الحكم، إذ ان وزير الخارجية السوري وليد المعلم أعطى إشارة الى حلفاء سوريا في 8 آذار تدعوهم الى المطالبة بحكومة "وحدة وطنية" وإلا فلا حكومة... وكان همّ سوريا وقتذاك هو المحكمة الدولية التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، بحيث تعتمد على حلفائها الممثلين في الحكومة لعرقلة صدور أي قرار ليس في مصلحة سوريا خصوصاً بالنسبة الى المحكمة. 

فكانت العرقلة الاولى بانسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة احتجاجاً على طرح النظام الاساسي للمحكمة على مجلس الوزراء قبل أن يبدي هؤلاء ملاحظاتهم عليه... وظلت تلك الحكومة توصف بالعرجاء وغير الميثاقية لأن الطائفة الشيعية غير ممثلة فيها وأقفلت أبواب مجلس النواب في وجهها. 

وهكذا وضعت قوى 8 آذار حليفة سوريا قوى 14 آذار بين خيارين: إما أن يتم كل مرة تشكيل حكومة "وحدة وطنية" أي حكومة أضداد، أو يكون فراغ حكومي... وعندما صدر عن هذه الحكومة قرار بنقل رئيس جهاز أمن المطار وقرار آخر بوقف العمل في شبكة الاتصالات الهاتفية الخاصة بـ"حزب الله" تحرك الحزب في الشارع وكان ما عُرف بأحداث 7 أيار التي وضع الاتفاق في الدوحة حداً لتداعياتها وفرض على جميع القيادات في لبنان تشكيل حكومة "وحدة وطنية" برئاسة سعد الحريري توزعت فيها المقاعد الوزارية محاصصة بين 8 و14 آذار ووسطيين واجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين معدلاً وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. وعندما فشلت المبادرة السعودية – السورية انسحب من الحكومة وزراء 8 آذار خلافاً لما نص عليه اتفاق الدوحة، وكان لا بد غداة استقالة الحكومة من أن يشتد الصراع بين 8 و14 آذار بحيث ان "حزب الله" ومن معه وضع "فيتو" على تكليف الحريري إعادة تشكيل الحكومة ونجح في الضغط على النائب وليد جنبلاط بترحيبه بعراضة القمصان السود كي يسمي في الاستشارات النيابية الرئيس نجيب ميقاتي الذي شكل حكومة من لون سياسي واحد عرفت بحكومة "حزب الله". 

وعندما انفجرت الأزمة في سوريا قررت حكومة ميقاتي اعتماد سياسة النأي بالنفس حيال هذه الازمة عملاً بـ"اعلان بعبدا"، لكن "حزب الله" لم يتمكن من التزام هذه السياسة لأن ايران طلبت منه إرسال مقاتلين الى سوريا ليحاربوا مع الجيش السوري خوفاً من سقوط دمشق، فكان لا بد للرئيس ميقاتي حيال هذا الخرق الفاضح لـ"اعلان بعبدا من تقديم استقالته، فتم تكليف النائب تمام سلام تشكيل حكومة لم يتم التوصل الى تشكيلها إلا بعد مرور أكثر من عشرة أشهر تخللتها تجاذبات بين 8 و14 آذار انتهت بتنازلات متبادلة كان للدول المعنية بوضع لبنان دور في تقديمها. وكما لجأت قوى 8 آذار الى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية مدة ستة أشهر على رغم اتفاق الدوحة، فإن هذه القوى أعادت الكرة في انتخاب خلف للرئيس سليمان بعدما رفضت التمديد له بتعطيل جلسات انتخاب رئيس خلفاً له فأدى ذلك الى خلاف بين من يؤيدون التمديد لمجلس النواب ومن يعارضون ويطالبون باجراء انتخابات نيابية حتى على أساس قانون الستين.
إن قوى 14 آذار تحمِّل قوى 8 آذار وتحديداً "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" مسؤولية إدخال لبنان في دائرة خطر الفراغ الشامل إذا لم يتحرك ضميرها وشعورها الوطني فتبادر الى تأمين النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية لأن من دون انتخابه يصبح الباب مفتوحاً للفراغ الشامل، ويكون معطلو جلسات الانتخاب هم المسؤولين عن احداث هذا الفراغ ووضعه بين خيار السيئ والاسوأ. 

فليس من المنطق ولا من المعقول أن يلتئم مجلس النواب كي يمدد لنفسه ولا يلتئم لانتخاب رئيس للجمهورية، وليس من المنطق ولا من المعقول ألا يتم التمديد لئلا يقع الفراغ المجلسي بعد الشغور الرئاسي... فهل هذا ما يريده المعطلون والمعرقلون وخدمة لمن؟

اميل خوري - النهار 18\8\2014

إرسال تعليق

 
Top