في مساء الأول من هذا الشهر آب (أغسطس) تحدث خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى علماء الدين. كان حديثاً قصيراً، إلا أنه انطوى على مصارحة وعتب غير مسبوقين من الملك. الجملة الأكثر تعبيراً عن مضمون الملك ومبتغاه هي قوله مخاطباً العلماء مباشرة: «فيكم صمت»، وهذا اتهام صادم. لكنه سبق هذه بجملة أخرى تفسرها، وهي قوله «وفيكم كسل»، وهي أشد صدمة من الأولى. الأرجح أن الملك، وهو يرتجل كلمته، لم يكن يعني بالضرورة المعنى الحرفي للكسل، وإنما أراد صدمة العلماء، واستفزاز اهتمامهم لما يرمي إليه، تعبيراً عن استنكاره صمتهم في مثل الظروف التي تواجهها المملكة والمنطقة كلها، وهي ظروف حرجة. اللافت أن العلماء لم يقولوا شيئاً تعليقاً على كلمة الملك، لا توضيحاً لموقفهم، ولا دفاعاً عنه. والغالب أن صمتهم يعود هذه المرة إلى أكثر من سبب: أن الموقف كان مفاجئاً، ثم إن تعليقهم ربما يؤخذ على أنه نوع من النصيحة، والمبدأ السلفي يوجب أن تكون نصيحة ولي الأمر في السر لا العلن. أخيراً، وهذا ربما الأهم، أن الملك اختتم كلمته بقوله: «... ومع السلامة»، أي أغلق باب الحديث.
تنبع أهمية حديث الملك من أنه انطوى، من دون أن يكون مقصوداً، على ملمح لما وصل إليه تاريخ المؤسسة الدينية الرسمية، إذ تبدو علاقة المؤسسة بالدولة في هذه اللحظة غير متكافئة، فهذه المؤسسة لا تعاني من «الكسل»، وإنما من حال ضعف وتكلس لم تعرفها من قبل في تاريخها. الزمن لم يعد زمن عبدالعزيز بن باز، ومحمد بن إبراهيم، وعبدالله بن عبداللطيف، دع عنك عبدالرحمن بن عبداللطيف، وقبله مؤسس الحركة محمد بن عبدالوهاب. كانت المؤسسة متماسكة بتقاليدها وتعليمها وتراتبيتها. كانت تهيمن على المجتمع من دون أي منافس آخر، وكانت كلمتها هي الفصل، ليس بقوة الدولة وأجهزتها، بل قبل ذلك وبعده بما كانت تحظى به من قبول وإجماع، وما كانت تتمتع به من سطوة وهيبة. وجاءت متغيرات الطفرة والحداثة وبدأت تأكل من ذلك الرصيد. زمن كبار الوهابيين انتهى، كان عبدالعزيز بن باز آخرهم. صار هناك منافسون للمؤسسة: «الإخوان»، والسروريون، والجاميون، والجهاديون السلفيون... إلخ. والمفارقة أنه حتى التنظيمات الإرهابية باتت تنافس المؤسسات الدينية الرسمية، ليس في السعودية وحدها، بل في كل أنحاء العالم العربي، إذ إن التعليم الديني فقد استفراده بساحة العلم والمعرفة، وفتحت الأبواب أمام التعليم المدني بكل فروعه تقريباً، حتى في مجال «العلم الديني» حلت المعاهد والجامعات بتقاليدها وأنظمتها محل حلقات العلم الأولى التي كانت تعقد في المنزل أو المسجد. صار طلاب العلم يتخرجون في الجامعات ويحصلون على شهاداتهم منها. وباتت حلقات العلم، ومعها إجازات العلماء لطلابهم من الماضي السحيق. ثم جاءت ثورة الاتصالات بكل أنواعها وجاءت معها بعلمائها ودعاتها.
مع كل ذلك تبقى نقطة الضعف المركزية للمؤسسة الدينية هي الجمود الفكري الذي ظلت تعاني منه في خضم كل التغيرات الكبيرة التي أحاطت وتحيط بها من كل حدب وصوب، داخل المجتمع وخارجه. جمودها المنهجي منعها من التفاعل مع التغيرات المتتالية، والاستجابة لمتطلبات المرحلة وضروراتها. المجتمع يتغير بسرعة لافتة، والمؤسسة لا تريد أن تبرح مكانها. موقفها من كل القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية هو نفسه موقف أسلافها الأوائل في القرنين الـ18 والـ19. موقفها من المصارف مثلاً، أو من المرأة وحقوقها وحجابها وعملها، أو من العلم الحديث، أو من رأي الفرد وحقوقه، لم يتغير قيد أنملة عما كان عليه قبل أكثر من قرنين من الزمن. تصطدم مواقفها أحياناً مع الدولة. وربما حصل ذلك أكثر من مرة، منها قبل أربعة أعوام. آنذاك أصدرت «اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» فتوى تحرم فيها عمل المرأة محاسبة (كاشيرة) في المحال التجارية. قبل فتوى اللجنة بأعوام كان مجلس الوزراء أصدر مجموعة من الأنظمة يحدد على أساسها قواعد عمل المرأة في القطاعين العام والخاص، وعلى هذا الأساس أصدرت وزارة العمل قرارها بالسماح للمرأة بالعمل محاسبة في المحال التجارية. يؤشر صدور فتوى التحريم الأخيرة إلى أن المؤسسة الدينية تختلف في رؤيتها عن رؤية الدولة حيال موضوع بأهمية التنمية وخطورتها. الإشكالية أن خطاب المؤسسة لا يتسع لمفهوم التنمية ومتطلباته، ففي نظر المؤسسة يجب أن يخضع هذا المفهوم لمتطلبات الخطاب أولاً وآخراً، وهنا مصدر الإحراج، فالفقيه الذي كان يوماً مثقف الدولة الوحيد، وتعتبره مثقفها الأول الآن، لم يتمكن من مجاراة هذه الدولة، ولا مجاراة المجتمع. الدولة أيضاً لا تريد أن توسع الهوة مع المؤسسة، لكنها تمضي في خطواتها التنموية أملاً في أن تغير المؤسسة موقفها يوماً ما.
وهذا يعيدنا إلى كلمة الملك الأخيرة. مصدر عتب الملك هنا هو صمت العلماء حيال الأحداث الإقليمية الجارية، خصوصاً تفشي العنف والإرهاب، والتنظيمات الجهادية العابرة للدول، وما يمكن أن تمثله من تهديد للمملكة. ربما يبدو من هذا أن الموقف السياسي للمؤسسة من هذه الأحداث يختلف عن موقف الدولة، وهذا ليس صحيحاً. موقف المؤسسة من هذا الموضوع وغيره يتفق مع موقف الدولة قلباً وقالباً، فأين الإشكال إذاً؟ الإشكال في أن المؤسسة تنطلق في كل مواقفها وفتاواها من منهج ديني سلفي يفرض عليها إعطاء الأولوية لاعتبارات ومعايير هذا المنهج، وما أشكل عليها وفقاً لهذه الاعتبارات والمعايير في الموضوع السياسي تتركه ضمن دائرة حقوق ولي الأمر ومسؤولياته، مع الالتزام بطاعته فيما يراه حيال هذا الموضوع. وهو ما يرجح أن صمت العلماء أمام قضايا تنتظر الدولة آراءهم حيالها في الظروف الحالية، ناجم عن إشكالات يرون عدم الخوض فيها، مع الالتزام بما يراه الملك حيالها. ولعلّي أجازف هنا بالقول إن العلماء يتفقون تماماً مع الدولة في موقفها السياسي من جماعة «الإخوان المسلمين»، مثلاً، إذ يرفض العلماء من منطلق سلفي راسخ، الجانب الحركي لهذه الجماعة، كما يرفضون رؤيتها السياسية وطموحها للوصول إلى السلطة. لكنهم لا يرون أن الجماعة إرهابية. إطلاق صفة الإرهاب على الجماعة يتطلب تكييفاً عقدياً وفقهياً يعوزه من وجهة نظر العلماء دليل واضح يبرئ الذمة.
بعبارة أخرى، يفتقر العلماء كما يبدو إلى منهج التحليل، أو فقه التخريج السياسي لمثل هذه المسائل. وهذا مؤشر آخر إلى ضعف المؤسسة. قارن هذا بمواقف العلماء في الحرب الأهلية التي عصفت بالدولة السعودية الثانية أواخر القرن الـ19. استمع إلى ما قاله عبداللطيف بن عبدالرحمن، كبير الوهابيين آنذاك، في إحدى رسائله، يقول: «فالحاصل في هذا العصر بين أهل نجد له حكم أمثاله من الحوادث السابقة في زمن أكابر الأئمة... وصارت ولاية المتغلب ثابتة... ووقع اتفاق من ينتسب إلى العلم لديكم على هذا». ويضيف: «ثم توفى الله سعوداً (بن فيصل) واضطرب أمر الناس، وخشينا الفتنة واستباحة المحرمات من باد وحاضر.... (فـ) اختار أهل الحل والعقد نصب عبدالرحمن بن فيصل...». هذه رسالة ضمن رسائل كثيرة تعكس جهود رجل كان يحاول مع غيره درء انهيار الدولة. هناك رسالة أخرى طويلة للشيخ حمد بن عتيق عن خلاف بيّن أنه حصل بينه وبين سعود بن فيصل. تبدأ الرسالة هكذا «من حمد بن عتيق إلى الإمام سعود بن فيصل... وبعد: وصل إلي خطابك وتأملته، وكثرت الظنون فيه، حتى إنني ظننت أن الذي أملاه غيرك، لأن فيه أموراً ما تصدر من عاقل، وفيه أكاذيب ما تليق بمثلك...». (الدرر السنية، ج 9، 2004، ص 29، 30، 47). تعكس هذه الرسالة مكانة رجل الدين، وبالتالي قوة المؤسسة الدينية في المجتمع. هل تتصور أن يبعث أحد برسالة مثل هذه إلى أحد الحكام العرب هذه الأيام؟ كانت قوة المؤسسة تعكس طبيعة المرحلة آنذاك، بظروفها ومعطياتها، كانت تعبر عن مرحلتها بانسجام واضح، بهذا المعنى كانت قوة نسبية. الآن تبدو المؤسسة ضحية لناموس تاريخي، وهو أن المؤسسة الدينية (والأيديولوجية عموماً) تضعف مع الوقت أمام نمو الدولة قوة وحجماً، والمؤسسة الدينية الآن ضعيفة، وخارج السياق، فهي لا تعبر عن مرحلتها، وإنما عن حالها في هذه المرحلة. وبما أنها واحدة من مؤسسات الدولة، فإن ضعفها ينعكس على الدولة أيضاً حتى ولو أنها تريد غير ذلك. من هنا، فإن عتب الملك عبدالله بن عبدالعزيز في محله تماماً، لكنه عتب يجب أن يتوجه أيضاً إلى ما هو أبعد من المؤسسة الدينية.
تنبع أهمية حديث الملك من أنه انطوى، من دون أن يكون مقصوداً، على ملمح لما وصل إليه تاريخ المؤسسة الدينية الرسمية، إذ تبدو علاقة المؤسسة بالدولة في هذه اللحظة غير متكافئة، فهذه المؤسسة لا تعاني من «الكسل»، وإنما من حال ضعف وتكلس لم تعرفها من قبل في تاريخها. الزمن لم يعد زمن عبدالعزيز بن باز، ومحمد بن إبراهيم، وعبدالله بن عبداللطيف، دع عنك عبدالرحمن بن عبداللطيف، وقبله مؤسس الحركة محمد بن عبدالوهاب. كانت المؤسسة متماسكة بتقاليدها وتعليمها وتراتبيتها. كانت تهيمن على المجتمع من دون أي منافس آخر، وكانت كلمتها هي الفصل، ليس بقوة الدولة وأجهزتها، بل قبل ذلك وبعده بما كانت تحظى به من قبول وإجماع، وما كانت تتمتع به من سطوة وهيبة. وجاءت متغيرات الطفرة والحداثة وبدأت تأكل من ذلك الرصيد. زمن كبار الوهابيين انتهى، كان عبدالعزيز بن باز آخرهم. صار هناك منافسون للمؤسسة: «الإخوان»، والسروريون، والجاميون، والجهاديون السلفيون... إلخ. والمفارقة أنه حتى التنظيمات الإرهابية باتت تنافس المؤسسات الدينية الرسمية، ليس في السعودية وحدها، بل في كل أنحاء العالم العربي، إذ إن التعليم الديني فقد استفراده بساحة العلم والمعرفة، وفتحت الأبواب أمام التعليم المدني بكل فروعه تقريباً، حتى في مجال «العلم الديني» حلت المعاهد والجامعات بتقاليدها وأنظمتها محل حلقات العلم الأولى التي كانت تعقد في المنزل أو المسجد. صار طلاب العلم يتخرجون في الجامعات ويحصلون على شهاداتهم منها. وباتت حلقات العلم، ومعها إجازات العلماء لطلابهم من الماضي السحيق. ثم جاءت ثورة الاتصالات بكل أنواعها وجاءت معها بعلمائها ودعاتها.
مع كل ذلك تبقى نقطة الضعف المركزية للمؤسسة الدينية هي الجمود الفكري الذي ظلت تعاني منه في خضم كل التغيرات الكبيرة التي أحاطت وتحيط بها من كل حدب وصوب، داخل المجتمع وخارجه. جمودها المنهجي منعها من التفاعل مع التغيرات المتتالية، والاستجابة لمتطلبات المرحلة وضروراتها. المجتمع يتغير بسرعة لافتة، والمؤسسة لا تريد أن تبرح مكانها. موقفها من كل القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية هو نفسه موقف أسلافها الأوائل في القرنين الـ18 والـ19. موقفها من المصارف مثلاً، أو من المرأة وحقوقها وحجابها وعملها، أو من العلم الحديث، أو من رأي الفرد وحقوقه، لم يتغير قيد أنملة عما كان عليه قبل أكثر من قرنين من الزمن. تصطدم مواقفها أحياناً مع الدولة. وربما حصل ذلك أكثر من مرة، منها قبل أربعة أعوام. آنذاك أصدرت «اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» فتوى تحرم فيها عمل المرأة محاسبة (كاشيرة) في المحال التجارية. قبل فتوى اللجنة بأعوام كان مجلس الوزراء أصدر مجموعة من الأنظمة يحدد على أساسها قواعد عمل المرأة في القطاعين العام والخاص، وعلى هذا الأساس أصدرت وزارة العمل قرارها بالسماح للمرأة بالعمل محاسبة في المحال التجارية. يؤشر صدور فتوى التحريم الأخيرة إلى أن المؤسسة الدينية تختلف في رؤيتها عن رؤية الدولة حيال موضوع بأهمية التنمية وخطورتها. الإشكالية أن خطاب المؤسسة لا يتسع لمفهوم التنمية ومتطلباته، ففي نظر المؤسسة يجب أن يخضع هذا المفهوم لمتطلبات الخطاب أولاً وآخراً، وهنا مصدر الإحراج، فالفقيه الذي كان يوماً مثقف الدولة الوحيد، وتعتبره مثقفها الأول الآن، لم يتمكن من مجاراة هذه الدولة، ولا مجاراة المجتمع. الدولة أيضاً لا تريد أن توسع الهوة مع المؤسسة، لكنها تمضي في خطواتها التنموية أملاً في أن تغير المؤسسة موقفها يوماً ما.
وهذا يعيدنا إلى كلمة الملك الأخيرة. مصدر عتب الملك هنا هو صمت العلماء حيال الأحداث الإقليمية الجارية، خصوصاً تفشي العنف والإرهاب، والتنظيمات الجهادية العابرة للدول، وما يمكن أن تمثله من تهديد للمملكة. ربما يبدو من هذا أن الموقف السياسي للمؤسسة من هذه الأحداث يختلف عن موقف الدولة، وهذا ليس صحيحاً. موقف المؤسسة من هذا الموضوع وغيره يتفق مع موقف الدولة قلباً وقالباً، فأين الإشكال إذاً؟ الإشكال في أن المؤسسة تنطلق في كل مواقفها وفتاواها من منهج ديني سلفي يفرض عليها إعطاء الأولوية لاعتبارات ومعايير هذا المنهج، وما أشكل عليها وفقاً لهذه الاعتبارات والمعايير في الموضوع السياسي تتركه ضمن دائرة حقوق ولي الأمر ومسؤولياته، مع الالتزام بطاعته فيما يراه حيال هذا الموضوع. وهو ما يرجح أن صمت العلماء أمام قضايا تنتظر الدولة آراءهم حيالها في الظروف الحالية، ناجم عن إشكالات يرون عدم الخوض فيها، مع الالتزام بما يراه الملك حيالها. ولعلّي أجازف هنا بالقول إن العلماء يتفقون تماماً مع الدولة في موقفها السياسي من جماعة «الإخوان المسلمين»، مثلاً، إذ يرفض العلماء من منطلق سلفي راسخ، الجانب الحركي لهذه الجماعة، كما يرفضون رؤيتها السياسية وطموحها للوصول إلى السلطة. لكنهم لا يرون أن الجماعة إرهابية. إطلاق صفة الإرهاب على الجماعة يتطلب تكييفاً عقدياً وفقهياً يعوزه من وجهة نظر العلماء دليل واضح يبرئ الذمة.
بعبارة أخرى، يفتقر العلماء كما يبدو إلى منهج التحليل، أو فقه التخريج السياسي لمثل هذه المسائل. وهذا مؤشر آخر إلى ضعف المؤسسة. قارن هذا بمواقف العلماء في الحرب الأهلية التي عصفت بالدولة السعودية الثانية أواخر القرن الـ19. استمع إلى ما قاله عبداللطيف بن عبدالرحمن، كبير الوهابيين آنذاك، في إحدى رسائله، يقول: «فالحاصل في هذا العصر بين أهل نجد له حكم أمثاله من الحوادث السابقة في زمن أكابر الأئمة... وصارت ولاية المتغلب ثابتة... ووقع اتفاق من ينتسب إلى العلم لديكم على هذا». ويضيف: «ثم توفى الله سعوداً (بن فيصل) واضطرب أمر الناس، وخشينا الفتنة واستباحة المحرمات من باد وحاضر.... (فـ) اختار أهل الحل والعقد نصب عبدالرحمن بن فيصل...». هذه رسالة ضمن رسائل كثيرة تعكس جهود رجل كان يحاول مع غيره درء انهيار الدولة. هناك رسالة أخرى طويلة للشيخ حمد بن عتيق عن خلاف بيّن أنه حصل بينه وبين سعود بن فيصل. تبدأ الرسالة هكذا «من حمد بن عتيق إلى الإمام سعود بن فيصل... وبعد: وصل إلي خطابك وتأملته، وكثرت الظنون فيه، حتى إنني ظننت أن الذي أملاه غيرك، لأن فيه أموراً ما تصدر من عاقل، وفيه أكاذيب ما تليق بمثلك...». (الدرر السنية، ج 9، 2004، ص 29، 30، 47). تعكس هذه الرسالة مكانة رجل الدين، وبالتالي قوة المؤسسة الدينية في المجتمع. هل تتصور أن يبعث أحد برسالة مثل هذه إلى أحد الحكام العرب هذه الأيام؟ كانت قوة المؤسسة تعكس طبيعة المرحلة آنذاك، بظروفها ومعطياتها، كانت تعبر عن مرحلتها بانسجام واضح، بهذا المعنى كانت قوة نسبية. الآن تبدو المؤسسة ضحية لناموس تاريخي، وهو أن المؤسسة الدينية (والأيديولوجية عموماً) تضعف مع الوقت أمام نمو الدولة قوة وحجماً، والمؤسسة الدينية الآن ضعيفة، وخارج السياق، فهي لا تعبر عن مرحلتها، وإنما عن حالها في هذه المرحلة. وبما أنها واحدة من مؤسسات الدولة، فإن ضعفها ينعكس على الدولة أيضاً حتى ولو أنها تريد غير ذلك. من هنا، فإن عتب الملك عبدالله بن عبدالعزيز في محله تماماً، لكنه عتب يجب أن يتوجه أيضاً إلى ما هو أبعد من المؤسسة الدينية.
خالد الدخيل - الحياة 17\8\2014
إرسال تعليق