0
تكتسب القمة السعودية المصرية التي عقدت في الرياض أهمية كبيرة على المستويين العربي والإسلامي، لأنها جاءت رافعة سياسية ستعمل ما في وسع البلدين لوقف الانزلاق إلى الفوضى في عدد من الدول العربية، ولوقف التشويه الأخطر الذي يحاول اختطاف الإسلام وتشويه صورته أمام العالم وإظهاره وكأنه يقف وراء ظاهرة الإرهاب، التي تهدد قيم الحوار والتفاهم بين الحضارات على ما نبّه خادم الحرمين الشريفين في رسالته إلى العالم قبل أسبوعين.
التعليقات السياسية على المباحثات بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس عبد الفتاح السيسي تجمع على أنها كانت قمة جبه تسونامي الأخطار المتدافعة في المنطقة العربية، التي تواكبها حال من الصمت الدولي المريب، وربما من التشجيع الضمني على ارتكاب فظاعات يقوم بها الإسرائيليون في غزة، وتقوم بها منظمات إرهابية وتكفيرية متطرفة، سفكت وتسفك الدماء في سوريا والعراق وليبيا وأمكنة أخرى، وهو ما ينعكس سلبا على صورة الإسلام ويستثير استعداء العالم ضده من خلال مؤامرة خبيثة، حاولت دائما الإيحاء بأن المسلمين كارهون تلقائيون للآخرين يعادون الشعوب والديانات الأخرى.
وكالة الأنباء السعودية نقلت عن الأمير سعود الفيصل أن الأمل في الله كبير في أن تكون القمة منطلقا مفيدا في إصلاح الوضع في العالم العربي، الذي يحتاج إلى خريطة طريق إنقاذية، وليس خافيا أن «هناك حروبا تدور في الخارج فضلا عن تدخل من قوى أجنبية وفتن داخلية ومنازعات داخل الأمة العربية، في وقت تشتد الحاجة إلى التضامن والصمود معا على قلب رجل واحد لدرء هذه المخاطر».
المتحدث باسم الرئاسة المصرية إيهاب بدوي قال: إن الزعيمين اتفقا على العمل معا للنهوض بالأمتين العربية والإسلامية، وبذل الجهود لتصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام في العالم والتي باتت مرتبطة بالإرهاب والعنف بعد التشويه الذي لحق بها»، وذلك يعني أن السعودية ومصر ستكونان عند قلب رجل واحد للقيام بهذه المهمات الثقيلة والملحّة.
ذلك أن الخطر الذي يهدد بتدمير المنطقة ودفعها إلى أتون من الصراعات المذهبية والفوضى العنفية يتفاقم منذ أربعة أعوام في سوريا وانتقل إلى العراق، بعدما أدت ممارسات نظامي البلدين الاستبدادية والقمعية إلى توفير البيئة الحاضنة لظهور «شظايا القاعدة»، حيث ظهرت «النصرة» و«داعش» ليتبيّن أن آلافا من القتلة والإرهابيين تسرّبوا من أصقاع العالم إلى المنطقة يقاتلون ويقتلون باسم الإسلام.
ولكن المثير هو استمرار الصمت الأميركي والأوروبي الذي يبعث على الريبة والشكوك، وخصوصا بعدما ما تردد عن أن هيلاري كلينتون ذكرت في كتابها «الخيارات الصعبة» أن واشنطن شجعت على قيام «داعش» بعد سقوط مخطط أخونة المنطقة، في أعقاب ثورة المصريين على حكم محمد مرسي والإخوان المسلمين، وبعد الموقف الذي اتخذه السيسي وأنقذ مصر من حرب أهلية.
وفي إطار فطنة ورؤية خادم الحرمين الشريفين، هبّت المملكة إلى دعم مصر ومد يد العون الاقتصادي لها، وكذلك فعلت دولة الإمارات والكويت، بعد العقوبات التي اتخذتها واشنطن ضد مصر على خلفية سقوط مشروعها، الذي تبيّن من خلال المناقشات في الكونغرس آنذاك أنها رصدت له ثمانية مليارات دولار!
إن نظرة على الخريطة السياسية للعالم العربي كافية لإظهار المنطقة منكوبة، وكأن عاصفة من الفوضى المدمرة تتقدم في أنحائها، فسوريا غارقة في الدماء منذ أربعة أعوام، والعالم يتفرج على ورشة القتل والتدمير التي يقوم بها النظام وحلفاؤه والعدوى اجتاحت العراق على يد نوري المالكي وسياساته الإقصائية، وعندما تتمكن «داعش» من السيطرة على سد الموصل، فهذا يعني أنها قد تغرق مساحات واسعة من البلاد في الدمار، والأصابع الخارجية تتلاعب باليمن وتدفع بالحوثيين إلى أبواب صنعاء، وليبيا المشتعلة تشكّل أرضا خصبة لـ«داعش» على أبواب الأوروبيين النائمين.
وسط هذه الخريطة من الحرائق والمخاطر لا تغفل السعودية عما يجري على حدودها مع اليمن والعراق، ولا تغفل مصر عما يحيك لها المتشبثون بمشروع الأخونة سواء في الداخل أو عبر ليبيا، إضافة إلى هذا يرتكب العدو الإسرائيلي المجازر في غزة على مدى ثلاثة أسابيع ويحاول العابثون بأمن المنطقة تصوير مبادرة السيسي لوقف النار وكأنها مؤامرة ضد الفلسطينيين.
ولأن المنطقة العربية تبدو ميتّمة، ولأن الإسلام يبدو مختطفا، تبدو القمة بين زعيمي أكبر دولتين عربيتين وكأنها رافعة وحيدة يعوّل عليها، ويمكنها فعلا وضع خريطة طريق أولا لوقف التداعيات والانهيارات وثانيا لمحاولة إعادة الهدوء والاستقرار، وثالثا لإسقاط الصورة السوداء التي تلتصق بالإسلام عبر إسقاط هذه التنظيمات الإرهابية ومجموعات التكفير والعنف.
إن التعاون بين السعودية ومصر ليس مهمة إنقاذية مستعجلة اختار الزعيمان القيام بها، بل إنها قدرهما فهما قطبان إقليميان رئيسيان والعلاقة الاستراتيجية بينهما يمكن أن تشكل جسرا يوقف تمدد الفوضى النارية في الإقليم ويعيد ترتيب البيت العربي، الذي بات أشبه بساحة تتقاطع فوقها تدخلات إقليمية سواء على خلفية طموحات للعب دور محوري استنادا إلى النوويات وسواء على خلفية طموحات سلطانية تريد استنساخ تاريخ سقط قبل قرن، أضف إلى ذلك الخطط الدولية التي طالما سعت إلى إغراق الإقليم في صراعات مذهبية بما يريح إسرائيل ويؤدي إلى تفتيت دول المنطقة.
في طريقه من المغرب إلى الرياض تعمّد خادم الحرمين الشريفين أن يهبط في مطار القاهرة حيث التقى في «قمة الحروف الأولى» الرئيس عبد الفتاح السيسي داخل طائرته، بعدما كان دعا إلى مؤتمر للمانحين لدعم مصر التي حصلت على 20 مليار دولار من السعودية ودول خليجية أخرى، وإذا كان السيسي قد حرص منذ البداية على القول: إنه مؤمن بأن أمن مصر هو من أمن دول الخليج، فإن المبادرات التي اتخذها الملك عبد الله حيال مصر، تؤكد عمليا أنه يرى أن أمن دول الخليج هو من أمن مصر.
بعيدا عن الجانب الاقتصادي، وخصوصا أن القمة تأتي في أعقاب إعلان السيسي عن مشروع شق قناة سويس جديدة تشكل منطلقا مناسبا للاستثمارات السعودية، أكدت تصريحات المراقبين في مصر والسعودية أن الملفات العليا التي نوقشت في القمة ركزت على ثلاثة ملفات أساسية وهي: الأمن القومي العربي، وجعل التعاون بين البلدين منطلق حلول ومعالجات للمشاكل في المنطقة، ووقف النار في غزة وإنهاء الحصار الخانق على القطاع، والتصدي لإسقاط الصورة السوداء التي يحاول الإرهابيون ومن يستغلّهم إلصاقها بالإسلام.

راجح الخوري - الشرق الأوسط 16\8\2014

إرسال تعليق

 
Top