سلطت معركة عرسال بين الجيش اللبناني والتنظيمات الإسلامية المتطرفة وعلى رأسها تنظيم «الدولة الإسلامية» الضوء على علات متشابكة يعاني منها لبنان في ظل استمرار الأزمة السورية وتدهور الوضع الأمني في العراق بعد إعلان قيام «الدولة الإسلامية».
محوران أساسيان برزا من خلال هذه المعركة:
المحور الأول هو هشاشة البنية القيادية للطائفة السنية نتيجة عدم وجود قيادات سنية معتدلة فعالة في لبنان، فالغياب المطول لزعيم أكبر كتلة سياسية سنية في لبنان، الرئيس سعد الحريري، والانقسامات حول اختيار مفت للجمهورية، والشحن المذهبي بين السنّة والعلويين في طرابلس كما بين الشيعة والسنّة نتيجة تدخل «حزب الله» في سورية، كلها ساهمت بإفساح المجال أمام التنظيمات المتطرفة لمحاولة استمالة أبناء الطائفة بعيداً من مؤسسات الدولة، فأصبح سنّة لبنان هدفاً لتنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي حاول في عرسال تقديم نفسه كقوة دفاع عن السنّة في مواجهة الجيش اللبناني و «حزب الله». كانت هناك بوادر مقلقة في هذا الشأن، ففي طرابلس، حاول البعض استغلال معركة عرسال، خاصة أن عرسال بلدة سنية، لإثارة النعرات الطائفية والدعوة لمبايعة تنظيم «الدولة الإسلامية» في حال انتصاره على الجيش.
وهنا جاءت عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان بعد غياب ثلاث سنوات لتحمل هدفين رئيسيين:
أولاً: محاولة جمع الطائفة السنية حول مؤسسات الدولة وخاصة الجيش اللبناني، وبعيداً من الحركات الإسلامية المتطرفة كتنظيم «الدولة الإسلامية». وتزامن قدوم الحريري مع إجراء انتخابات تم من خلالها تعيين مفت جديد للجمهورية يعتبر توافقياً، مما يمكن أن يعزز من دور دار الفتوى والتي كان ساهم غيابها عن الساحة اللبنانية بصعود أفراد مثل الشيخ أحمد الأسير حاولوا جر سنّة لبنان بعيداً من سلطة الدولة. ثانيا: محاولة إعادة إحياء الدور السعودي في لبنان عامة ولدى الطائفة السنية تحديداً، خاصة أن المملكة في الأشهر الأخيرة قد عدلت من سياستها الخارجية تجاه الملف السوري لإعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب كإطار استراتيجي في وقت تزايد خلاله نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية» والذي تعتبره السعودية خطاً أحمر يمس بأمن الشرق الأوسط عامة. بالرغم من هذه الأهداف واحتمال تداعياتها الإيجابية، فإن غياب الحريري المطول وعودته شخّصا علة لبنان السياسية- الاجتماعية الكبرى، وهي ترسخ الانتماء المذهبي على حساب الانتماء الوطني. فالطريقة الوحيدة في الوضع الحالي المؤسف لحشد أي فئة حول مؤسسات الدولة هي من خلال وجود زعيم للطائفة يتولى توجيهها.
المحور الثاني الذي أظهرته معركة عرسال هو دور «حزب الله». قارن الكثيرون معركة عرسال بمعارك نهر البارد في شمال لبنان عام 2007، حين قام الجيش اللبناني بمقاتلة تنظيم «فتح الإسلام» الإرهابي، بالرغم من أن معركة عرسال ليست فعلاً مماثلة لسيناريو نهر البارد. في نهر البارد، تمكن الجيش من إحكام سيطرته على المخيم ومن ردع قوات «فتح الإسلام». في عرسال، ربح الجيش المعركة ولكنه لم يربح الحرب، فعناصر «الدولة الإسلامية» لا زالوا موجودين في جرود عرسال لا بل تغلغلوا في الداخل اللبناني، مما يشكل قنبلة موقوتة للوضع الأمني في البلد. كما يستمر «حزب الله» في انخراطه العسكري في مؤازرة النظام السوري ضد المعارضة بالرغم من سياسة النأي بالنفس الرسمية التي أعلنتها الدولة اللبنانية، مما يعطي الحركات المتطرفة المنبعثة من سورية عذراً للاستمرار في محاربة الحزب على الأرض اللبنانية.
ولكن، في ظل الفراغ السياسي في لبنان، والذي لا يزال في انتظار انتخاب رئيس للجمهورية ومجلس نواب جديد، والتشنج المذهبي الذي أصبح أكثر سوءاً بعد المواجهات بين مختلف المجموعات المتطرفة في شمال لبنان، وسلسلة العمليات الإرهابية للحركات المتطرفة السنّية التي استهدفت مناطق «حزب الله»، ظهر الجيش اللبناني كمؤسسة رسمية رئيسية تجمع ما بين الطوائف ويعتبرها الشعب جديرة بالثقة. في نهر البارد، أعطى نجاح الجيش مصداقية أكبر لترشيح العماد ميشال سليمان، قائد الجيش في ذلك الوقت، لرئاسة الجمهورية. اليوم، من بعد معركة عرسال، هناك تعاطف شعبي كبير مع الجيش اللبناني، مما سوف يساهم في دعم العماد جان قهوجي كمرشح لرئاسة الجمهورية. فالمقارنة بين عرسال ونهر البارد تشير الى يأس الشارع اللبناني وتوجهه نحو التعلق بأي بصيص من الأمل تجاه إحراز تقدم نحو انتخاب رئيس للجمهورية.
هناك احتمال كبير بأن يستخدم «حزب الله» هذا التعاطف مع الجيش لمصلحته، فـ «حزب الله» كان قد أعلن في أكثر من مناسبة مساندته ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ولهذا فإن الحزب الآن يستطيع إعلان «تنازله» للمطلب الشعبي والقبول بقهوجي كرئيس بدلاً من عون، علما بأن قهوجي يمثل خياراً مناسباً لمصالح «حزب الله» أكثر من غيره من المرشحين.
وهنا يصبح «حزب الله» المستفيد الأكبر من معركة عرسال، فالحزب فضّل عدم الانخراط في هذه المعركة بشكل مباشر، لأن ذلك كان سيسبب مواجهة مع تنظيمات سنية على الأرض اللبنانية، مما كان يمكن أن يشعل نار العنف المذهبي ويدعم الإطار الطائفي الذي حاول تنظيم «الدولة الإسلامية» استخدامه، وهذا بالتالي كان يمكن أن يجر لبنان نحو حرب أهلية جديدة، فعلى العكس تماماً، قام الجيش اللبناني بمواجهة التنظيمات السنية المعادية لـ «حزب الله»، مما عزز من موقف الحزب بأن هذه التنظيمات تشكل خطراً على الأمن القومي، متناسياً دوره في جذب هذه التنظيمات إلى داخل لبنان. و»حزب الله» استفاد أيضاً من إبراز معركة عرسال لضعف سلاح الجيش مقابل عتاد تنظيم «الدولة الإسلامية»، خاصة بعد حصولها على الأسلحة المتطورة من خلال غزوها في العراق في الشهرين الماضيين، فضعف الجيش اللبناني عزز من تمسك «حزب الله» بإطار مصداقية سلاحه بحجة الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش في عرسال، أي أن سلاح «حزب الله» هو حاجة ملحة لحماية لبنان. وطبعاً، وبما أن «حزب الله» هو المسيطر فعلياً على الحكومة اللبنانية الموقتة الحالية، فإنه يسعى بشتى الطرق لعرقلة تفعيل هبة المملكة العربية السعودية بثلاثة بلايين دولار والتي منحت لدعم قدرات الجيش اللبناني.
وبهذا تصبح معركة عرسال أداة تشخيص لتشابك ديناميكيات الساحة العسكرية والسياسية اللبنانية. والمهم الآن أن يتم التعاون ضمن نطاق الطائفة السنية كما على المستوى الوطني والإقليمي لدفع لبنان لمواجهة تحدياته الداخلية والخارجية، لأن معركة عرسال لم تشكل فقط وضعاً للإصبع على الجرح، وإنما ألمحت أيضاً الى معالم التغلب على علات لبنان.
محوران أساسيان برزا من خلال هذه المعركة:
المحور الأول هو هشاشة البنية القيادية للطائفة السنية نتيجة عدم وجود قيادات سنية معتدلة فعالة في لبنان، فالغياب المطول لزعيم أكبر كتلة سياسية سنية في لبنان، الرئيس سعد الحريري، والانقسامات حول اختيار مفت للجمهورية، والشحن المذهبي بين السنّة والعلويين في طرابلس كما بين الشيعة والسنّة نتيجة تدخل «حزب الله» في سورية، كلها ساهمت بإفساح المجال أمام التنظيمات المتطرفة لمحاولة استمالة أبناء الطائفة بعيداً من مؤسسات الدولة، فأصبح سنّة لبنان هدفاً لتنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي حاول في عرسال تقديم نفسه كقوة دفاع عن السنّة في مواجهة الجيش اللبناني و «حزب الله». كانت هناك بوادر مقلقة في هذا الشأن، ففي طرابلس، حاول البعض استغلال معركة عرسال، خاصة أن عرسال بلدة سنية، لإثارة النعرات الطائفية والدعوة لمبايعة تنظيم «الدولة الإسلامية» في حال انتصاره على الجيش.
وهنا جاءت عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان بعد غياب ثلاث سنوات لتحمل هدفين رئيسيين:
أولاً: محاولة جمع الطائفة السنية حول مؤسسات الدولة وخاصة الجيش اللبناني، وبعيداً من الحركات الإسلامية المتطرفة كتنظيم «الدولة الإسلامية». وتزامن قدوم الحريري مع إجراء انتخابات تم من خلالها تعيين مفت جديد للجمهورية يعتبر توافقياً، مما يمكن أن يعزز من دور دار الفتوى والتي كان ساهم غيابها عن الساحة اللبنانية بصعود أفراد مثل الشيخ أحمد الأسير حاولوا جر سنّة لبنان بعيداً من سلطة الدولة. ثانيا: محاولة إعادة إحياء الدور السعودي في لبنان عامة ولدى الطائفة السنية تحديداً، خاصة أن المملكة في الأشهر الأخيرة قد عدلت من سياستها الخارجية تجاه الملف السوري لإعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب كإطار استراتيجي في وقت تزايد خلاله نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية» والذي تعتبره السعودية خطاً أحمر يمس بأمن الشرق الأوسط عامة. بالرغم من هذه الأهداف واحتمال تداعياتها الإيجابية، فإن غياب الحريري المطول وعودته شخّصا علة لبنان السياسية- الاجتماعية الكبرى، وهي ترسخ الانتماء المذهبي على حساب الانتماء الوطني. فالطريقة الوحيدة في الوضع الحالي المؤسف لحشد أي فئة حول مؤسسات الدولة هي من خلال وجود زعيم للطائفة يتولى توجيهها.
المحور الثاني الذي أظهرته معركة عرسال هو دور «حزب الله». قارن الكثيرون معركة عرسال بمعارك نهر البارد في شمال لبنان عام 2007، حين قام الجيش اللبناني بمقاتلة تنظيم «فتح الإسلام» الإرهابي، بالرغم من أن معركة عرسال ليست فعلاً مماثلة لسيناريو نهر البارد. في نهر البارد، تمكن الجيش من إحكام سيطرته على المخيم ومن ردع قوات «فتح الإسلام». في عرسال، ربح الجيش المعركة ولكنه لم يربح الحرب، فعناصر «الدولة الإسلامية» لا زالوا موجودين في جرود عرسال لا بل تغلغلوا في الداخل اللبناني، مما يشكل قنبلة موقوتة للوضع الأمني في البلد. كما يستمر «حزب الله» في انخراطه العسكري في مؤازرة النظام السوري ضد المعارضة بالرغم من سياسة النأي بالنفس الرسمية التي أعلنتها الدولة اللبنانية، مما يعطي الحركات المتطرفة المنبعثة من سورية عذراً للاستمرار في محاربة الحزب على الأرض اللبنانية.
ولكن، في ظل الفراغ السياسي في لبنان، والذي لا يزال في انتظار انتخاب رئيس للجمهورية ومجلس نواب جديد، والتشنج المذهبي الذي أصبح أكثر سوءاً بعد المواجهات بين مختلف المجموعات المتطرفة في شمال لبنان، وسلسلة العمليات الإرهابية للحركات المتطرفة السنّية التي استهدفت مناطق «حزب الله»، ظهر الجيش اللبناني كمؤسسة رسمية رئيسية تجمع ما بين الطوائف ويعتبرها الشعب جديرة بالثقة. في نهر البارد، أعطى نجاح الجيش مصداقية أكبر لترشيح العماد ميشال سليمان، قائد الجيش في ذلك الوقت، لرئاسة الجمهورية. اليوم، من بعد معركة عرسال، هناك تعاطف شعبي كبير مع الجيش اللبناني، مما سوف يساهم في دعم العماد جان قهوجي كمرشح لرئاسة الجمهورية. فالمقارنة بين عرسال ونهر البارد تشير الى يأس الشارع اللبناني وتوجهه نحو التعلق بأي بصيص من الأمل تجاه إحراز تقدم نحو انتخاب رئيس للجمهورية.
هناك احتمال كبير بأن يستخدم «حزب الله» هذا التعاطف مع الجيش لمصلحته، فـ «حزب الله» كان قد أعلن في أكثر من مناسبة مساندته ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ولهذا فإن الحزب الآن يستطيع إعلان «تنازله» للمطلب الشعبي والقبول بقهوجي كرئيس بدلاً من عون، علما بأن قهوجي يمثل خياراً مناسباً لمصالح «حزب الله» أكثر من غيره من المرشحين.
وهنا يصبح «حزب الله» المستفيد الأكبر من معركة عرسال، فالحزب فضّل عدم الانخراط في هذه المعركة بشكل مباشر، لأن ذلك كان سيسبب مواجهة مع تنظيمات سنية على الأرض اللبنانية، مما كان يمكن أن يشعل نار العنف المذهبي ويدعم الإطار الطائفي الذي حاول تنظيم «الدولة الإسلامية» استخدامه، وهذا بالتالي كان يمكن أن يجر لبنان نحو حرب أهلية جديدة، فعلى العكس تماماً، قام الجيش اللبناني بمواجهة التنظيمات السنية المعادية لـ «حزب الله»، مما عزز من موقف الحزب بأن هذه التنظيمات تشكل خطراً على الأمن القومي، متناسياً دوره في جذب هذه التنظيمات إلى داخل لبنان. و»حزب الله» استفاد أيضاً من إبراز معركة عرسال لضعف سلاح الجيش مقابل عتاد تنظيم «الدولة الإسلامية»، خاصة بعد حصولها على الأسلحة المتطورة من خلال غزوها في العراق في الشهرين الماضيين، فضعف الجيش اللبناني عزز من تمسك «حزب الله» بإطار مصداقية سلاحه بحجة الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش في عرسال، أي أن سلاح «حزب الله» هو حاجة ملحة لحماية لبنان. وطبعاً، وبما أن «حزب الله» هو المسيطر فعلياً على الحكومة اللبنانية الموقتة الحالية، فإنه يسعى بشتى الطرق لعرقلة تفعيل هبة المملكة العربية السعودية بثلاثة بلايين دولار والتي منحت لدعم قدرات الجيش اللبناني.
وبهذا تصبح معركة عرسال أداة تشخيص لتشابك ديناميكيات الساحة العسكرية والسياسية اللبنانية. والمهم الآن أن يتم التعاون ضمن نطاق الطائفة السنية كما على المستوى الوطني والإقليمي لدفع لبنان لمواجهة تحدياته الداخلية والخارجية، لأن معركة عرسال لم تشكل فقط وضعاً للإصبع على الجرح، وإنما ألمحت أيضاً الى معالم التغلب على علات لبنان.
لينا الخطيب - الحياة 16\8\2014
إرسال تعليق