0
إن الذكرى السنوية لأي حدث وطني، هي محطة للتأمل لا بل واجب ودَين معنوي، تجاه أشخاص، أسهموا بتضحياتهم أو أعمالهم أو مواقفهم في صنع هذا الحدث أو ذاك، كما بترسيخ الوعي الوطني وهم حفروا عميقاً في الذاكرة، وصار حقهم علينا حفظ سيرتهم وجعلها مثالاً ونموذجاً للأجيال المقبلة.
 

يصح القول في السابع من آب 2001، إنه محطة مضيئة ترمز إلى التضحية في سبيل مبادئ وقيم يجد الإنسان نفسه مستعداً لبذل الذات في سبيل تحقيقها.
 

هذا ما كان عليه «التيار الوطني الحر»، منذ نشأته حتى الأمس القريب، قيادة وأفراداً، أما اليوم، فإن جيلاً جديداً بكامله في «التيار»، يعيش أزمة ثقة بالذات وبالقيم والمبادئ، بعد ما قدّم «فلس الأرملة» في مسيرة نضالية طويلة على مدى ربع قرن من الزمن، حتى أننا صرنا نسمع كثيرين يجاهرون بعدم استعدادهم للقيام بأي جهد نضالي بعد ما أدركوا أن الشعارات الكبيرة هي مجرد خدمة لمصالح صغيرة، ووجدوا أنفسهم غرباء في زحمة متسلقي كل العهود ممن باعوا أنفسهم وكانوا مستعدين لبيع وطنهم لأجل المنصب والثروة والسلطة والجاه والنفوذ، بينما قدّم غيرهم كل شيء دفاعاً عن قيم وأفكار اعتنقها بملء إرادته.
 

لن أتطرق اليوم الى مواضيع كثيرة داخل «التيار» إنما هاجسي هو المستقبل بالأحرف الكبيرة. مستقبل منطقتنا، مستقبل وطننا، مستقبل اولادنا.
 

يعيش اللبنانيون اليوم بكل طوائفهم قلقاً وخوفاً على الوجود من فكر تكفيري لا يميز أحداً عن أحد، فكل من يخالفه الرأي يجب إلغاؤه. إنما تختلف ردة فعل كل طائفة، حيال هذا الواقع، تبعاً لظروفها.
 

ما يميّز باقي الطوائف عن المسيحيين في لبنان، أنهم وحّدوا قيادتهم أو على الأقل استطاعوا إيجاد صيغة مركبة توائم بين منظومة المصالح بينهم، لتساعدهم على مواجهة الأخطار(حماية الطائفة أولاً) بأقل خسائر ممكنة.
 

اما المسيحيون، فلا التجارب التاريخية ولا ازمات لبنان منذ تأسيسه حتى الآن، ولا الحرب اللبنانية الطويلة ولا اعوام النفي والسجن والاقصاء، ولا تسع سنوات من المراوحة، كانت قادرة على جعلهم يعيدون النظر بنمط علاقاتهم الداخلية ولا علاقتهم بالآخرين، بل قرروا أن يستمروا في خوض صراع عقيم، لا ينتهي حول جنس الملائكة. قرروا أن يستمروا مشتتين متفرقين حتى ولو أدى ذلك الى نتائج وخيمة..
 

لا أحمّل «التيار» وزر كل المشاكل التي نعاني منها، لا بل اعتقد ان مقارباته للكثير من القضايا كانت في محلّها، ولكن ذلك لا يُعفيه من المسؤوليات لكونه الأكبر حجما والاقدر على استنباط الحلول والأبرز على مستوى الطاقات والكفاءات، عدا عن أن الناس تنتظر دائما حلولا ممن هم في السلطة.
 

بالامس القريب كان «التيار» رائداً في افكاره، سبّاقا في ادائه، مثالا في محيطه، رمزا لشباب جيلنا. هذا التيار الذي عرفته أنا وغيري الكثيرين، لم يعد موجوداً اليوم بينما تشي اللحظة بأهمية خروجه من كبوته هذه لكي يستحق المستقبل.
 

التحديات والمخاطر كثيرة والمقاربات التقليدية المتّبعة منذ مدة، أوصلتنا الى عكس المُراد او على الأقل لم تعد فاعلة نسبة الى المرحلة الاستثنائية. من هنا أهمية أن يعي من هم اليوم في موقع المسؤولية، وزارياً ونيابياً وحزبياً، أن «التيار» نجح في الماضي لان فكره وقوله وفعله كانوا منسجمين ومتناغمين، وقد أنتج ذلك جاذبية وحيوية سياسية كانت تفتقد اليها معظم التيارات والأحزاب السياسية منذ استقلال لبنان حتى يومنا هذا.
 

إن الكلام المتكرر والباهت والتبريري والضبابي لم يعد يقنع أحداً وبات لزاماً علينا البحث عن حلول خلاقة قبل فوات الآوان.
 

رُبّ سائل لماذا هذا الكلام اليوم؟
 

هذا الكلام أسوقه اليوم بسب خطورة المرحلة ودقتها.
 

هذا الكلام أقوله اليوم لان مسؤوليتنا تقتضي مشاركتنا في رسم معالم المستقبل.
 

كلنا يعلم ان القوي وحده القادر على ممارسة النقد الذاتي.
 

من هنا ادعو رفاقي في «التيار الوطني الحر»، الى عدم الاستسلام وتخطي العقبات مهما كانت صعبة.
 

أدعو القيادة الحزبية إلى إطلاق العنان لطاقات الشباب وإشراكهم في النقاش الحر والصريح، لأنه وحده كفيل بإيجاد الحلول. وانا على ثقة أنه متى وجدت الارادة، فإن «التيار» يختزن الكثير من الطاقات والافكار، وهو قادر على تخطي الصعوبات والوصول إلى الأهداف المنشودة.

نعيم عون - السفير 12\8\2014

إرسال تعليق

 
Top