ما هو الشيء الأسوأ من ارتكاب الأخطاء في السياسة؟
وفقا لرجل الدولة الفرنسي تاليران، كان الجواب: «هو أن تفعل شيئا لا ضرورة له».
وحتى الآن، هذا ما قرر رجب طيب إردوغان فعله في تركيا عن طريق ترقيع الدستور التركي لضمان لقب رئيس الجمهورية لنفسه.
وبكل المقاييس، يمكن اعتبار إردوغان شخصية بارزة في السياسة التركية الحديثة مع العديد من الريشات المعلقة بطرف قبعته.
وبكونه قرويا ضيق الأفق، فقد كسر الحواجز الاجتماعية للوصول إلى قمة القطب اللزج للسياسة التركية دونما إسناد من العشائر القوة و/أو سيرة ذاتية عسكرية شخصية. فقد تحول إلى أقدم رئيس وزراء في بلاده، حيث تخطى اثني عشر عاما من مجموع تسعين عاما هي عمر الجمهورية التركية.
وقد استطاع أيضا تسجيل أوليات أخرى..
فهو أول سياسي يفوز في ثلاث انتخابات عامة، وأول من فعل ذلك كحامل للواء حزب المحافظين ذي لهجة «إسلامية». ويعتبر معدل النمو الاقتصادي السنوي التركي، الذي يبلغ متوسطه ستة في المائة، هو أولية أخرى من أوليات إردوغان. وتحت قيادته، تضاعف حجم الاقتصاد التركي، محققا في عقد من الزمان ما لم يتمكن من تحقيقه خلال ثمانية عقود سابقة.
كما نجح إردوغان كذلك في تقليم أجنحة المؤسسة العسكرية، وهي مركز ما يسمى «النموذج التركي»، في الوقت الذي روض فيه القضاء التركي المستقل الشرس. ومع مزيج من الوحشية والرشاوى نجح في تحويل وسائل الإعلام التركية من نمر متغطرس منذ حقبة الثمانينيات، إلى قط أليف منصاع.
وفي العام الماضي، مع ذلك، قرر إردوغان المخاطرة بكل ذلك من خلال دفع «حزمة الإصلاح» الهادفة إلى تحويل تركيا من دولة ديمقراطية إلى دولة رئاسية.
وكانت الفكرة في أن يتحول إردوغان إلى رئيس، ويواصل عملية إعادة التشكيل الجذرية لتركيا، ربما وفقا لحلمه بالخلافة العثمانية الجديدة، ودون خشية من إعاقات البرلمان.
تجاهل إردوغان الحقيقة القائلة بأنه لم تكن ثمة مطالبات للتغييرات التي اقترحها. فقد كان يواصل تقديم الحل لمشكلة غير موجودة بالأساس، وبعبارة أخرى، يقوم بما لا طائل من ورائه.
في كتابه الجديد، يعيد إردوغان تعريف هويته السياسية. بعد نجاحه كمحافظ ها هو يعيد صياغة ذاته باعتباره قناصا يرى أنه يمكنه تغيير الأمور بضربة واحدة. يدرك المحافظ قيمة الأشياء كما هي، إذا لم تكن ضمن الشرعية الكاملة، ويحاول الحفاظ على ما يستحق المحافظة عليه في الوقت الذي يغير فيه الأمور التي تجاوزت وقتها وتاريخها الفعلي. وبالنسبة للمحافظ، لا يعتبر التغيير قيمة، لكنه وسيلة تستخدم بشكل مقتصد وبأقصى درجات الحذر.
يعالج المحافظ القليل من الأمور، وبكثير من التفكر والتمعن. أما الراديكالي، على الناحية الأخرى، فيقدس التغيير لصالحه الشخصي.
وشعاره هو «دمروا القديم وشيدوا الجديد!»، فهو يظن أنه يتعين عليه تولي كل الأمور في عجالة من أمره، حتى «يصنع التاريخ» بعبارة أخرى.
ويتصرف بحرفية، فقد كان إردوغان بمثابة الراديكالي الذي يقود ماكينة «حزمة الإصلاح» غير عابئ بما في طريقه. فالقرارات التي تحتاج إلى شهور وربما سنوات من التفكير والمناقشة مع كل الأطراف المعنية اتخذت في فترة الظهيرة.
وكانت الخسارة هي النتيجة الحتمية لتسرع إردوغان، حيث تواجه تركيا أفقا غامضا على أدنى تقدير وهي تستعد لأول انتخابات رئاسية مباشرة خلال مدة لا تقل عن خمسة أسابيع. فمن المرجح فوز إردوغان بالرئاسة بفضل آلته الانتخابية القادرة. ومع ذلك، ورغم أنه قد يتصرف بحنكة حين يلقي نظرة أكثر تفحصا وحذرا حيال آماله بالفوز، فإن النظام الذي قام باختلاقه سوف يجعل منه رئيسا، ولكن ليس بمقدار الصلاحيات التي يحلم بها.
فمن أحد معانيه، يبدو النظام الجديد مماثلا لما لاقته فرنسا منذ عام 1958 حينما كشف شارل ديغول عن دستور يتناسب مع طموحاته. وفي ظل ذلك النظام، فإن الرئيس المنتخب مباشرة يمكنه ممارسة سلطات غير محدودة شريطة سيطرته على مجلس الوزراء من خلال رئيس للوزراء من اختياره. ولكن من أجل القيام بذلك، يحتاج الرئيس إلى قيادة الأغلبية في البرلمان المنتخب.
ولكن في النظام التركي الذي دفع بإردوغان إلى القمة، فإن الرجل المسؤول، وهو رئيس الوزراء، يحتاج إلى تأمين الأغلبية البرلمانية حتى يمكن له تنفيذ أجندته. وفي النظام الجديد، فإن الرئيس التنفيذي يحتاج إلى رئيس وزراء مطيع وبرلمان أليف.
ومع ذلك، فإن رئيس الوزراء المطيع لن يكون قادرا على دفع البرلمان في الاتجاه الذي يريده الرئيس، كما شاهدنا في فرنسا. ومن ناحية أخرى، فإن رئيس الوزراء القوي قد يتجاهل بكل بساطة الرئيس، كما كانت الحالة في فرنسا في غير مناسبة منذ وفاة ديغول.
وخلال خمسة عقود مرت على الجمهورية الخامسة، شهدت فرنسا حالة من «التعايش» بين الرئيس والبرلمان الذي ينتمي إلى الأحزاب المعارضة لفترة تبلغ تسع سنوات كاملة. وخلال تلك السنوات، كان وجود الرئيس شرفيا أكثر منه فعليا.
والأسوأ مما تقدم، في حالة واحدة خلال حقبة السبعينات، تخير رئيس الوزراء أن يتجاهل الرئيس، على الرغم من انتمائهما إلى الحزب ذاته. وفي غالبية الحالات، خصوصا في الدول ذات النظم الديمقراطية الهشة، فإن النظام البرلماني يعتبر ذا أفضلية تفوق النظام الرئاسي. فإنه يسهل التخلص من رئيس الوزراء الذي يخلف فوضى بين مختلف الأمور من قبل حزبه أو من خلال التحركات البرلمانية أكثر من الرئيس الفاشل الذي لا يمكن تغييره، إلا من خلال انتخابات تجرى على الصعيد الوطني.
وعلى الرغم من ذكائه المعروف، فإنه يبدو أن إردوغان قد أطلق الرصاص على قدميه. فقد كان يحلم بنظام يكون فيه، كرئيس للبلاد، متصرفا في الشؤون على شاكلة «المرشد الأعلى» الإيراني المتصرف في كل الشؤون بـ«كلمته النهائية». غير أن هذا النوع من الادعاء، على الرغم من ذلك، لا يقبل بسهولة في تركيا، وهي الديمقراطية النابضة بالحياة ذات الطبقة المتوسطة الحضرية سريعة النمو.
قد يعيش إردوغان للتأسف على خطئه الاستراتيجي. فقد نجح في تغيير تركيا إلى الأفضل، ولكن انتهى به الأمر إلى تغيير ذاته إلى الأسوأ.
وفقا لرجل الدولة الفرنسي تاليران، كان الجواب: «هو أن تفعل شيئا لا ضرورة له».
وحتى الآن، هذا ما قرر رجب طيب إردوغان فعله في تركيا عن طريق ترقيع الدستور التركي لضمان لقب رئيس الجمهورية لنفسه.
وبكل المقاييس، يمكن اعتبار إردوغان شخصية بارزة في السياسة التركية الحديثة مع العديد من الريشات المعلقة بطرف قبعته.
وبكونه قرويا ضيق الأفق، فقد كسر الحواجز الاجتماعية للوصول إلى قمة القطب اللزج للسياسة التركية دونما إسناد من العشائر القوة و/أو سيرة ذاتية عسكرية شخصية. فقد تحول إلى أقدم رئيس وزراء في بلاده، حيث تخطى اثني عشر عاما من مجموع تسعين عاما هي عمر الجمهورية التركية.
وقد استطاع أيضا تسجيل أوليات أخرى..
فهو أول سياسي يفوز في ثلاث انتخابات عامة، وأول من فعل ذلك كحامل للواء حزب المحافظين ذي لهجة «إسلامية». ويعتبر معدل النمو الاقتصادي السنوي التركي، الذي يبلغ متوسطه ستة في المائة، هو أولية أخرى من أوليات إردوغان. وتحت قيادته، تضاعف حجم الاقتصاد التركي، محققا في عقد من الزمان ما لم يتمكن من تحقيقه خلال ثمانية عقود سابقة.
كما نجح إردوغان كذلك في تقليم أجنحة المؤسسة العسكرية، وهي مركز ما يسمى «النموذج التركي»، في الوقت الذي روض فيه القضاء التركي المستقل الشرس. ومع مزيج من الوحشية والرشاوى نجح في تحويل وسائل الإعلام التركية من نمر متغطرس منذ حقبة الثمانينيات، إلى قط أليف منصاع.
وفي العام الماضي، مع ذلك، قرر إردوغان المخاطرة بكل ذلك من خلال دفع «حزمة الإصلاح» الهادفة إلى تحويل تركيا من دولة ديمقراطية إلى دولة رئاسية.
وكانت الفكرة في أن يتحول إردوغان إلى رئيس، ويواصل عملية إعادة التشكيل الجذرية لتركيا، ربما وفقا لحلمه بالخلافة العثمانية الجديدة، ودون خشية من إعاقات البرلمان.
تجاهل إردوغان الحقيقة القائلة بأنه لم تكن ثمة مطالبات للتغييرات التي اقترحها. فقد كان يواصل تقديم الحل لمشكلة غير موجودة بالأساس، وبعبارة أخرى، يقوم بما لا طائل من ورائه.
في كتابه الجديد، يعيد إردوغان تعريف هويته السياسية. بعد نجاحه كمحافظ ها هو يعيد صياغة ذاته باعتباره قناصا يرى أنه يمكنه تغيير الأمور بضربة واحدة. يدرك المحافظ قيمة الأشياء كما هي، إذا لم تكن ضمن الشرعية الكاملة، ويحاول الحفاظ على ما يستحق المحافظة عليه في الوقت الذي يغير فيه الأمور التي تجاوزت وقتها وتاريخها الفعلي. وبالنسبة للمحافظ، لا يعتبر التغيير قيمة، لكنه وسيلة تستخدم بشكل مقتصد وبأقصى درجات الحذر.
يعالج المحافظ القليل من الأمور، وبكثير من التفكر والتمعن. أما الراديكالي، على الناحية الأخرى، فيقدس التغيير لصالحه الشخصي.
وشعاره هو «دمروا القديم وشيدوا الجديد!»، فهو يظن أنه يتعين عليه تولي كل الأمور في عجالة من أمره، حتى «يصنع التاريخ» بعبارة أخرى.
ويتصرف بحرفية، فقد كان إردوغان بمثابة الراديكالي الذي يقود ماكينة «حزمة الإصلاح» غير عابئ بما في طريقه. فالقرارات التي تحتاج إلى شهور وربما سنوات من التفكير والمناقشة مع كل الأطراف المعنية اتخذت في فترة الظهيرة.
وكانت الخسارة هي النتيجة الحتمية لتسرع إردوغان، حيث تواجه تركيا أفقا غامضا على أدنى تقدير وهي تستعد لأول انتخابات رئاسية مباشرة خلال مدة لا تقل عن خمسة أسابيع. فمن المرجح فوز إردوغان بالرئاسة بفضل آلته الانتخابية القادرة. ومع ذلك، ورغم أنه قد يتصرف بحنكة حين يلقي نظرة أكثر تفحصا وحذرا حيال آماله بالفوز، فإن النظام الذي قام باختلاقه سوف يجعل منه رئيسا، ولكن ليس بمقدار الصلاحيات التي يحلم بها.
فمن أحد معانيه، يبدو النظام الجديد مماثلا لما لاقته فرنسا منذ عام 1958 حينما كشف شارل ديغول عن دستور يتناسب مع طموحاته. وفي ظل ذلك النظام، فإن الرئيس المنتخب مباشرة يمكنه ممارسة سلطات غير محدودة شريطة سيطرته على مجلس الوزراء من خلال رئيس للوزراء من اختياره. ولكن من أجل القيام بذلك، يحتاج الرئيس إلى قيادة الأغلبية في البرلمان المنتخب.
ولكن في النظام التركي الذي دفع بإردوغان إلى القمة، فإن الرجل المسؤول، وهو رئيس الوزراء، يحتاج إلى تأمين الأغلبية البرلمانية حتى يمكن له تنفيذ أجندته. وفي النظام الجديد، فإن الرئيس التنفيذي يحتاج إلى رئيس وزراء مطيع وبرلمان أليف.
ومع ذلك، فإن رئيس الوزراء المطيع لن يكون قادرا على دفع البرلمان في الاتجاه الذي يريده الرئيس، كما شاهدنا في فرنسا. ومن ناحية أخرى، فإن رئيس الوزراء القوي قد يتجاهل بكل بساطة الرئيس، كما كانت الحالة في فرنسا في غير مناسبة منذ وفاة ديغول.
وخلال خمسة عقود مرت على الجمهورية الخامسة، شهدت فرنسا حالة من «التعايش» بين الرئيس والبرلمان الذي ينتمي إلى الأحزاب المعارضة لفترة تبلغ تسع سنوات كاملة. وخلال تلك السنوات، كان وجود الرئيس شرفيا أكثر منه فعليا.
والأسوأ مما تقدم، في حالة واحدة خلال حقبة السبعينات، تخير رئيس الوزراء أن يتجاهل الرئيس، على الرغم من انتمائهما إلى الحزب ذاته. وفي غالبية الحالات، خصوصا في الدول ذات النظم الديمقراطية الهشة، فإن النظام البرلماني يعتبر ذا أفضلية تفوق النظام الرئاسي. فإنه يسهل التخلص من رئيس الوزراء الذي يخلف فوضى بين مختلف الأمور من قبل حزبه أو من خلال التحركات البرلمانية أكثر من الرئيس الفاشل الذي لا يمكن تغييره، إلا من خلال انتخابات تجرى على الصعيد الوطني.
وعلى الرغم من ذكائه المعروف، فإنه يبدو أن إردوغان قد أطلق الرصاص على قدميه. فقد كان يحلم بنظام يكون فيه، كرئيس للبلاد، متصرفا في الشؤون على شاكلة «المرشد الأعلى» الإيراني المتصرف في كل الشؤون بـ«كلمته النهائية». غير أن هذا النوع من الادعاء، على الرغم من ذلك، لا يقبل بسهولة في تركيا، وهي الديمقراطية النابضة بالحياة ذات الطبقة المتوسطة الحضرية سريعة النمو.
قد يعيش إردوغان للتأسف على خطئه الاستراتيجي. فقد نجح في تغيير تركيا إلى الأفضل، ولكن انتهى به الأمر إلى تغيير ذاته إلى الأسوأ.
أمير طاهري - الشرق الأوسط 4\7\2014
إرسال تعليق