0
مع كل الإستغراب المشفوع بالغموض والتفسيرات والتأويلات العديدة التي تطاول وتحيط بالأحداث التي أحاطت باندفاعات داعش إلى الوجود والإنتصار على النحو الذي حصل وتأصل على امتدادات إقليمية مهمة تمتد ما بين العراق وسوريا، بعد أن اختارت «لدولتها» و«لخلافتها» مواقع ذات أغلبيات سكانية سنيـة مليئة بالثروة النفطية، فاستولت عليها وباعت نفطها إلى زبائن بعضهم معروف، كالحكومات السورية والعراقية والتركية، وبعضهم مجهول، إشتروا النفط المسلوب بأسعار محروقة، الأمر الذي مكن داعش من تحقيق غزواتها واحتلالاتها وتنفيذ مخططات معلومة – مجهولة تحقيقا لمآرب شتى ولطبخات مشتركة ومتشابكة دخل في تخطيطها وتنفيذها، طباخون متعددون.
ومع كل الإستهجان والرفض القاطع، لما أقدمت عليه داعش من أعمال إجرامية، عمدت فيها إلى القتل والذبح والتهجير والتطهير العرقي والديني من خلال مقاتليـن قتلة، تجلببوا باللباس الأسود، وغطوا وجوههم بأقنعة سوداء اخفوا بها كل معالمهم، كأنما للتهرب والهروب سلفا من هول الجرائم التي ارتكبوها ونشروها بين الناس بالعنف والقهر، وصولا إلى هدم المساجد والكنائس والأماكن المقدسة، واقتلاع مسيحيي الموصل من جذورهم التاريخية العميقة، وطردهم خارج مدينتهم وأرضهم ومنازلهم، ورميهم في متاهات المجهول.
ومع كل الإستنكار لمحاولة هؤلاء تغطية جرائمهم وطغيانهم بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، والإسلام منهم براء، فهو دين السلام والمحبة والتسامح، ومن جذوره العميقة الخيرة، إنطلق المبدأ الصارخ: لا إكراه في الدين، فكان أن عمموا الإكراه على كل من صادفوه، مسيحيا كان أم مسلما، متناسين ما اقدم عليه الخليفة عمر بن الخطاب حينما رفض الصلاة في كنيسة المهد حتى لا يترك مجالا لأي جاهل بان يطالب بتحويل كنيسة صلى فيها خليفة المسلمين، إلى مسجد تلغى معه الكنيسة ومعها سمات التسامح والتوادد التي تمثلها الحقيقة الإسلامية وجوهر مضامينها ورسالتها.
ومـع كل استغرابنا واستهجاننا واستنكارنا، نقف أمام ما حصل وما هو مستمر، رافعين عنه سمات العفوية والبراءة وردة الفعل الحافلة بالتفسيرات والمؤشرات.
صحيح أن داعش قد تآزرت في بعض المواقف والمواقع مع بعض العشائر العراقية التي طاولها الظلم والطغيان، فانتقلت من صفوف «الصحوة» وأدخلت نفسها في مواقع الانتفاضة العشائرية على نظام المالكي ومن استملكوه وملّكوه.
وصحيح أن خليط العشائر والخيوط والخطوط الداعشية قد مكنت من تحقيق ما تحقق وما ساد وتمدد على نحو ما هو حاصل ومعلوم.
إلا أن كثيرا من المعلومات قد بدأت تتسرب من أكثر من مصدر وأكثر من جهة فاعلة وطائلة، مشيرة إلى أن خيوطا عديدة قد تشابكت وتشاركت لتؤدي، إلى قلب الطاولة التـي أنشأتهـا إيـران وشرعت من خلالها في تحقيق حلم لطالما راود طموحاتها الفارسية لجهة تحقيق امتداد يبدأ من إيران، ويتوغل في الأرض العربية مرورا بالعراق وسوريا وغزة، وصولا إلى شواطئ لبنان المطلة على البحر الأبيض المتوسط، هذا الحلم الذي كاد أن يتحقق بشكل كامل، من خلال دعم نظام الأسد وترسيخه بعون من حزب الله وبعض الميليشيات العراقية، ومن خلال دعم نظام المالكي إلى حد الإطباق على خناق العراق، واستجابة واسعة من حزب الله أدخلته وأدخلت لبنان معه « مع الأسف، في معمعة الخرائط والمخططات والطموحات، الإيرانية.
ما هو حاصل اليوم،.. هو «صحوة» مستجدة لكثير من الدول والأنظمة الدولية والإقليمية على الواقع الحاصل، الذي أفرز إلى الوجود مشروع إمبراطورية ذات طموحات عالية الوتيرة واستهدافات كثيرة الطموح، فقد وصلت بها الحال إلى حد التلاعب بالموضوع النووي على نحو حاولت توظيفه لمصلحة مطالبها ومطامعها التي لم تكتف بالخريطة التي وضعتها ومدت خيوطها وخطوطها ما بين إيران حتى لبنان، بل مددت إستهدافاتها إلى كل من اليمن والخليج والبحرين، وصولا إلى المملكة العربية السعودية، محاولة هز الأوضاع في تلك البلدان وجعلها فريسة مستقبلية، علّ الظروف تمكّن من مد طموحاتها إليها.
لا نريد أن ندخل في تفاصيل ما حدث في العراق وسوريا بعد أن تصدرت داعش أخباره وأحداثه.
لا نريد أن نعمق البحث عن أسباب ما حصل وكيف حصل، وكيف كان ممكنا أن يهزم تنظيم ميليشياوي مسلح، الجيش العراقي المتمترس في الموصل، وأن تتمدد الهزيمة من هناك، إلى أنحاء عديدة أخرى من العراق.
لا يهمنا أن نؤكد على ما أكد عليه كثيرون، من أن خيانة أو مؤامرة أو تفاهما ما، قد جعل من الجيش العراقي يختفي من الموصل ومن الوجود العراقي خلال ساعات قليلة، ليحصل ما حصل مما أدهش القريب والبعيد.
يهمنا فقط أن نؤكد على بعض النتائج التي حصلت بالفعل، وعلى نتائج أخرى، باتت قيد التحسب والتوقع.
يتضح مما حصل أن المشروع الإيراني قد تقطعت أوصاله وانقطعت مسيرته وبترت خريطته في منتصفها، فبات الحلم الإيراني في كثير من أوجهه، أضغاث أحلام، وباتت آثارها المرتقبة تتخذ أشكالا يمكن تصور بعض معالمها منذ الآن، ويمكن بالتالي إستنتاج بعض هذه المعالم وآثارها المتوقعة على سوريا وعلى العراق وعلى غزة، بل،.. وعلى لبنان وعلى حزب الله بالتحديد، دون أن نغفل ما يمكن أن يكون له من آثار لاحقة على ايران نفسها.
وتدور الدوائر،.. وتتسع حلقات الساحة العربية التي تبرز من خلالها أحداث جسام، لعل أفدحها وأخطرها ما هو دائر اليوم في غزة، وما يتم دفع ثمنه الغالي من دماء شعب ترافقه المآسي والفواجع منذ نشأة إسرائيل، وتغمره المناورات والمؤامـرات، منذ أن بدأت تظهر فيه منابع النفط والغاز والثروات المعدنية المختلفة، ومنذ أن أتضح أن موقعه الإستراتيجي هو ذو أهمية إستثنائية أخذتها جميع الدول الطموحة بعين الإعتبار الشديد.
تدور الدوائر، وتدفع أوطاننا كل الأثمان، تنفيذا لطموحات وأطماع أصحاب المصالح والمطامح والمطامع.
بعد كل ذلك، يهمنا أن يبقى لبنان ما أمكن، خارج نطاق الصراعات الجهنمية الحاصلة والتي لا تراعي قانونا ولا ضميرا ولا وجدانا يردعها في كل أفعالها وتصرفاتها عن مثل ما هو حاصل اليوم في أكثر من مكان تسيل فيه الدماء وتزهق فيه الأرواح وتطاوله الأيادي القذرة بشتى أنواع الدمار والخراب، دون أن نغفل في النهاية أن ما أقدمت عليه داعش يمثل محاولات متقدمة في اتجاه تقسيمات حديثة الطابع تطاول العالم العربي كله بسايس بيكو،.. بطبعته الجديدة.

محمد أمين الداعوق - اللواء 31\7\2014

إرسال تعليق

 
Top