0
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان قداس الأحد، عاونه فيه مطران كندا للموارنة بول مروان تابت، المطران حنا علوان، المونسينيور جوزف البواري والخوري سام وهبة، في حضور المطرانين رولان ابو جودة وجورج بو جودة وأمين سر البطريرك المونسينيور نبيه الترس.
وحضر القداس وزير العمل والشؤون الدينية الكندية جيسن كيني، سفيرة كندا هيليري سيلدز أدمز، ممثل المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في كندا السيد نبيل عباس، رئيس غرفة التجارة في مونتريال جون خوري، رئيس غرفة التجارة في اوتاوا مارون عنيد، مرافقون من وجهاء الجالية في كندا ومسؤولون من السفارة الكندية.


بعد الانجيل المقدس، ألقى عظة بعنوان: "أجعل روحي عليه ليبشر الامم بالحق" (متى12: 18). ومما جاء فيها: "نبوءة أشعيا هذه التي قيلت في القرن السابع أي ستماية سنة ونيف قبل المسيح، تنطبق على يسوع التاريخي، وعلى يسوع الإيمان، المعروف بالمسيح السري أو الكنيسة بكل أبنائها وبناتها ومؤسساتها. إليهم أفرادا وجماعات يوجه الله هذا الاختيار والرسالة: "هوذا خادمي الذي اخترته: سأجعل روحي عليه، ليبشر الأمم بالحق" (متى 12: 18). هذه هي هويتنا المسيحية: قبول مسحة الروح القدس بالمعمودية والميرون، وهذه رسالتنا: أن نبشر الأمم بالحق. نصلي اليوم لكي يحافظ المسيحيون على هويتهم، ويقوموا بواجب رسالتهم في لبنان وبلدان الشرق الأوسط، كما وفي بلدان الانتشار، حتى "نصل بالحقِ إلى النصر"(متى 12: 21).

وقال: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، ونحييكم جميعا، أيها المشاركون. نرحب بنوع خاص بسيادة أخينا المطران بول مروان تابت، راعي أبرشية سيدة لبنان - Montréal بكندا، وبسعادة سفيرة كندا في لبنان وبمعالي الوزير الكندي Jason Kenney، وزير العمل والنمو الاجتماعي ووزير التعددية الثقافية في مقاطعة Alberta الكندية. إننا نحيي فيه إيمانه المسيحي والتزامه في حماية الأقليات الدينية. فهو من المناضلين من أجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ومن أجل الفصل بين الدين والدولة، مع احترام القيم الدينية كمصدرٍ للهوية الكندية وطبْع الشؤون الزمنية بها كما نحيي الوفد الرسمي المرافق، وبخاصة سماحة نبيل عباس ممثل المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في كندا".

أضاف: "نحيي أيضا عائلة المرحوم نقولا الشلفون، مصور تلفزيون لبنان لدى الصرح البطريركي. وعائلة المرحوم طوني غسطين الذي ودعناه منذ أسبوع. إننا نجدد التعازي لأسرتيها، ونذكرهما اليوم في صلاتنا وفي هذه الذبيحة".

وتابع: "نرحب بوفد لجنة الشبيبة التابعة للمجلس الرسولي العلماني برئاسة اخينا المطران جورج بو جوده، بمناسبة الإعداد للأيام الوطنية للشبيبة، التي تعقد من 30 تموز إلى 3 آب في أبرشية البترون. إننا نبارك هذه المبادرة وندعو شبيبة الابرشيات للمشاركة فيها. وموضوعها حدده قداسة البابا فرنسيس بكلمة إنجيل التطوبيات: "كوبى للفقراء بالروح، فإن لهم ملكوت السماوات"(متى5: 3).

وقال: "أجعل روحي عليه، ليبشر الأمم بالحق"(متى 12: 18). الحقيقة التي أعلنها يسوع المسيح، وتسلمتها الكنيسة والمسيحيون لنقلها، مثلثة، وهي حقيقة الله والإنسان والتاريخ.
حقيقة الله تألقت في وجه يسوع الذي هو، بتعبير بولس الرسول، "صورة الله الذي لا يرى"(كول1: 15)، و"ضياء مجده" (عبرا 1: 3). وظهر فيه آبا وابنا وروحا قدسا، إلها واحدا، إله الرحمة والمحبة.

وانكشفت، بشخص يسوع، حقيقة الإنسان، المخلوق على صورة الله، الذي "ما انجلى سره كإنسان إلا في ضوء الكلمة المتجسد، يسوع المسيح، الذي يظهر مليا للانسان ذاتيته الحقيقية، ويكشف له سر دعوته" (الكنيسة في عالم اليوم، 22).

وانكشفت لنا حقيقة التاريخ الذي يصنعه الله سيده بموآزرة كل إنسان. فالتاريخ هو مسرح تحقيق تدبير الله الخلاصي، والتزام في بناء مدينة الأرض بقيم مدينة الله".

أضاف: "المسيح "نور الأمم"، ينور وجه الكنيسة التي أفاض عليها روحه، يوم العنصرة، وأرسلها لتكون شاهدة لنور الحقيقة في إنجيله، ولتنادي به في الخليقة كلها (راجع مر16: 15). إنها الأم والمعلمة التي تقدم الأجوبة على تساؤلات الناس، وهي أجوبةٌ نابعة من هذه الحقيقة. إنها تتقصى علامات الأزمنة وتفسرها على نور الإنجيل، وتعطي لكل جيلٍ الجواب الملائم على أسئلة زمانه (تألق الحقيقة، 2). وكون الكنيسة "خبيرةٌ بالإنسانية"، أوكل إليها الرب خدمة الإنسان، كل إنسان، وخدمة العالم أجمع (المرجع نفسه، 3)".

وتابع: "خدمة الحقيقة واجبة على كل مسيحي ومسيحية. فالمسيح - النور "ينير كل إنسانٍ آتٍ إلى العالم" (يو1: 9)، ليصيره "نورا في الرب وابنا للنور"(افسس5: 8)، ويدعوه إلى القداسة بالطاعة للحق (1بط1: 22).

هذه هي أهمية الوجود المسيحي في أي مكان، ولا سيما في لبنان وبلدان الشرق الأوسط، حيث تتسع ظلمة المادية والأنانية والاستهلاكية، وظلمة البغض والحرب والعنف والإرهاب. فيأتي ملحا الحضور المسيحي، لكي يتحرر من هذه الظلمة بنور الإنجيل، "إلى أن يصل بالحق إلى النصر، ويزرع الرجاء في القلوب"(راجع متى 12: 18).

أضاف: "كم نحن بحاجة إلى هذا الوعي، وإلى إدراك معنى وجودنا كمسيحيين في هذه البقعة من العالم. فمنذ ألفي سنة والمسيحية تطبع ثقافات هذا المشرق بثقافة الإنجيل، ومنذ ألف وأربعماية سنة تطبع الثقافة الإسلامية، وتتفاعل معها بحركية متبادلة ولدت فلسفة العيش معا، وأعطت وجه لبنان الرسالة بخلق تاريخ من الاعتدال بعيدا عن التشدد وتيار الأصوليات. 

ولكن يؤسفنا أن بعض الدول تعمل على تغذية الحركات والمنظمات الأصولية، لأهدافٍ إرهابية وسياسية واقتصادية. وهذه تشوه الدين نفسه، وتفرغه من قيمه الروحية والأخلاقية والإنسانية، وتعتدي على المسيحيين كما فعلت وتفعل منظمة "داعش"، الدولة الإسلامية في العراق والشام، مع مسيحيي الموصل، وكما تفعل مثيلاتها في أماكن أخرى. غير أننا نعلن تضامننا مع إخواننا المسيحيين وندعوهم للثبات في أرضهم، والمحافظة على إيمانهم. إن وجودهم في هذا الشرق العربي حاجة ماسة، لأنهم ينعشون مجتمعاته ودوله بالقيم الإنسانية والثقافية، وينشرون ثقافة المحبة والأخوة والتعددية، ويعززون الحرية وحقوق الإنسان، وينشئون المؤسسات التربوية والاجتماعية والاستشفائية، ويربون الأجيال على الانفتاح واحترام الآخر المختلف، ويشهدون لمحبة الله، ويكلمون الشعوب لغة الحقيقة والمحبة والحوار، لا لغة السيف والحديد والنار. وجود المسيحيين في هذا الشرق دعوة من الله لكي يعلنوا له نور الحقيقة التي تحرر".

وتابع: "يعلم قداسة البابا فرنسيس في إرشاده الرسولي "فرح الإنجيل" أن المسيحيين هم "شعب سائر نحو الله مبشر بالإنجيل"(فقرة 111)، "شعب للجميع" منفتح على كل الشعوب والثقافات، يدخل معهم بحوار الحقيقة والمحبة، من أجل الخلاص بالمسيح، وهو قمة الحقيقة، وخلاصه موجه إلى الجميع. لم يطلب المسيح من رسله التوجه إلى نخبة من الناس، بل قال: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم"(متى 28: 19).

في ضوء نبوءة أشعيا، يختار الله من يريد، لكي يجعل روحه عليه ليبشر بالحق ويقوده حتى النصر. إننا نفتقد إلى مثل هؤلاء الذين يختارهم الله لهذه الغاية. يريد الله ان يختار الجميع لإعلان الحق، لكن قليلون هم الذين يقبلون هذا الاختيار الإلهي، ويلتزمون إعلان الحقيقة والعمل بموجبها. ولذلك ينتشر الفساد والشر والبغض والكذب بشكل واسع، من أجل مكاسب رخيصة، على حساب الخير العام".

وقال: "هذا هو مصدر مشاكلنا في لبنان. الدستور، والميثاق الوطني، والصيغة الميثاقية، حقيقة أساسية واحدة تقوم عليها الدولة اللبنانية ورسالة لبنان ودوره التاريخي في بيئته المشرقية. لكنها تنتهك بشكل سافر، ولا من حياء ولا وخز ضمير".

وتابع: "الدستور في مادته 73 يوجب على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية عهده بشهرين. وفي المادة 74، عندما تخلو سدة الرئاسة، يوجب عليه أن ينتخبه فورا. أما نواب الأمة المؤتمنون على الدستور فيخالفونه ولا ينتخبون رئيسا للبلاد بعد مضي أربعة أشهر. وبدلا من أن يلتئم المجلس يوميا لانتخاب الرئيس، فرئيسه لا يدعو إلى انعقاده، وعن غير وجه حق، إلا في كل أسبوع أو اثنين أو شهر! بماذا ينعت كل هذا التصرف وماذا يعني؟ وما هي أهدافه؟ (راجع المادتين 73 و74).

وفي المادة 75 يعتبر الدستور المجلس النيابي الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية - وهو كذلك منذ أول جلسة عقدها وحتى انتخاب الرئيس - هيئة إنتخابية لا هيئة إشتراعية، وبالتالي عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة "من دون مناقشة أو أي عمل آخر"، كما تنص هذه المادة. أما مجلس النواب فيخالف هذه المادة ويعقد، مداورة، جلسات انتخابية من دون نصاب، وجلسات اشتراعية من دون حضور. وهذه بدعة دستورية تتواصل، ولا من مبادرة واحدة إيجابية وشجاعة تصلح هذا الواقع الشاذ".

أضاف: "والأخطر من كل ذلك هو هذا الاستغناء عن رئيس للجمهورية، ومحاولة نسيانه واعتباره غير ضروري، وهو الرأس. وهذا يستبطن هدم كيان الدولة لغايات مبيتة. لقد بات واضحا من جهة ظاهر الأمور، أن فريق 14 أذار لا يريد رئيسا من 8 أذار، وأن فريق 8 أذار لا يريد رئيسا من فريق 14 أذار. فيجب الذهاب نحو اختيار رئيس من خارج الفريقين. فيوجد شخصيات مارونية عديدة جديرة برئاسة الجمهورية. فلماذا إقصاؤها وإهمالها وتغييبها؟

نحن لا نقصي أحدا، بل نطالب المجلس النيابي بالإلتئام وانتخاب رئيس من أحد الفريقين المذكورين أو من خارجهما. ألمهم إنتخاب رئيسٍ يكون على مستوى حاجات البلاد وتحدياتها الداخلية، السياسية والاقتصادية، الاجتماعية والأمنية. كم كان جميلا منظر المجلس النيابي المجتمع امس لإعلان تضامنه مع أهل غزه ومسيحيي الموصل، وكافة كتله ممثلة فيه! وكم يكون أجمل إذا التأم بكامل أعضائه لإعلان تضامنه مع الجمهورية ورئاستها الأولى، ولانتخاب الرئيس الجديد!"

وختم الراعي:"إننا نصلي إلى الله، ملتمسين شفاعة أمنا مريم العذراء، سيدة قنوبين وسيدة لبنان، التي كرسنا لقلبها الطاهر لبنان وبلدان الشرق الاوسط، مبتهلين من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، ومن أجل الاستقرار الأمني والاقتصادي فيه. ونصلي بإلحاح من أجل مسيحيي العراق ولا سيما مسيحيي الموصل المضطهدين بشكل سافر والذين طردتهم منظمة "داعش" الإرهابية من بيوتهم وأراضيهم واستولت عليها، وهم ضحية جريمة ضد الإنسانية. نصلي لكي تمس هذه الجريمة ضمائر الحكام في ألاسرة الدولية، فيعيدوا المسيحيين إلى أراضيهم وبيوتهم ويردوا لهم جميع حقوقهم المدنية بحكم مواطنتهم الأصيلة. ونصلي من أجل السلام العاجل والدائم في سوريا، وفي فلسطين وإنهاء الاعتداء الإسرائيلي على غزه وسكانها الأبرياء".

يا رب، لقد كثر الشر في عينيك، والإساءة الجسيمة لاسمك القدوس. فأهلنا نحن أن نرفع لك، بروح التوبة والاستغفار، كل مجدٍ وتسبيح، أيها الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".


استقبالات

بعد القداس الالهي ، التقى الراعي في صالون الصرح الوفد الكندي، حيث أشار تابت "أن الزيارة هي للوقوف على موقف البطريرك في ما يجري في لبنان وتداعيات أحداث المنطقة على الوجود المسيحي ، وللاطلاع على الأوضاع الانسانية للنازحين السوريين وسبل تعميق العلاقات اللبنانية - الكندية ونقل وجهة نظر البطريرك الى الحكومة الكندية".

كما التقى غبطته المشاركين في الذبيحة الالهية. كذلك استقبل وجريا على عادته السنوية كهنة أبرشية الجبة المارونية برئاسة المطران مارون العمار وحضور المطران فرنسيس البيسري.

27\7\2014

إرسال تعليق

 
Top