يزداد المشهد اليمني تعقيدا يوما بعد يوم، جديد الأيّام الأخيرة تقدّم الحوثيين في اتجاه صنعاء. هناك، ظاهرا، تركيز على صنعاء، فيما العين على ميناء ميدي الواقع على البحر الأحمر في محافظة حجّة. صحيح أن الحوثيين يطوّقون مدينة عمران الواقعة في المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، وهي معقل آل الأحمر الذين كان منهم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رحمه الله، شيخ مشائخ اليمن وزعيم قبيلة حاشد حتى وفاته، لكن الصحيح أيضا أن هدف الحوثيين يجب ألا يخفى على أحد. يتمثّل هذا الهدف بإنشاء كيان خاص بهم لديه ميناء بحري آمن، يكون منفذا إلى العالم الخارجي، وحدود برّية طويلة مع المملكة العربية السعودية.
تكبّد الحوثيون، الذين لديهم ولاء، لا غبار عليه، لإيران والذين استطاعوا تغيير طبيعة المجتمع في المناطق التي تحت سيطرتهم خصوصا في محافظة صعدة، خسائر كبيرة في المعارك الأخيرة. لم يتعوّدوا في الماضي على هذه الخسائر في المعارك التي خاضوها من أجل تطويق عمران والسيطرة عليها. فقد جرت العادة أن يحققوا أهدافهم بسهولة، سواء في المواجهات مع القوات المسلحة اليمنية، أو مع القبائل...أو مع الإخوان المسلمين والسلفيين الذين دخلوا معهم في صراع ذي طابع مذهبي وقبلي في الوقت ذاته.
ولكن يبدو أنّ الحوثيين استطاعوا حديثا التقاط انفاسهم وباشروا الضغط على صنعاء نفسها. هذا لا يعني أن الحوثيين لم يكونوا موجودين في صنعاء، لكنّ وجودهم كان إلى ما قبل أيّام قليلة ضمن حدود. لم يكن هذا الوجود يظهر إلّا في مناسبات معيّنة، مثل الجنازات الكبرى التي يكون الشخص المعني بها أحد قياديي التنظيم الشديد الانضباط. كان الحوثيون يطلقون في مناسبات معيّنة الشعارات الخاصة بهم والتي تدلّ على مدى ارتباطهم بإيران.
يستفيد الحوثيون حاليا من البلبلة في صنعاء حيث يمارس الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي ضغوطا قويّة على الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي زادت شعبيته في الفترة الأخيرة. يعود حنين المواطنين إلى عهد علي عبدالله صالح، الذي بات يعرف بتسمية «الزعيم»، إلى تدهور الأوضاع في مرحلة ما بعد خروجه من السلطة وقبوله البقاء في منزله والتصرّف كمواطن عادي، إلى حدّ ما طبعا.
ثمّة مبالغات في تفسير طموحات علي عبدالله صالح. فهناك من يتهمه بالسعي إلى العودة إلى الرئاسة. وهناك من يقول إن لديه قنواته مع الحوثيين ومع أطراف أخرى في كلّ المناطق اليمنية. هذا الكلام شيء والواقع شيء آخر. الواقع يتمثّل في أن الصيغة التي كانت تحكم اليمن في عهد علي عبدالله صالح لم تعد موجودة بأيّ شكل. كان هناك المركز الذي اسمه صنعاء الذي تدار منه شؤون اليمن. المشكلة حاليا أن الذين كانوا يحكمون البلد من صنعاء باتوا اسرى اسوار المدينة.
باختصار شديد، صار الصراع داخل صنعاء بعدما كانت الخلافات في اليمن تُدار من العاصمة. وهذا ما يدركه علي عبدالله صالح قبل غيره. يفترض في الرئيس الانتقالي استيعاب ذلك، بدل التلهي بمحاصرة «الزعيم» ووقف التلفزيون والإذاعة التابعين له وتطويق المسجد الكبير الذي أقامه في العاصمة وسمي «مسجد الرئيس الصالح».
من حق عبدربه منصور هادي تأكيد أنّه الرئيس الفعلي للبلد، خصوصا أنّه عانى الكثير من الظلم عندما كان نائبا للرئيس علي عبدالله صالح نفسه وبعض المحيطين به.
من حقّه المشروع أيضا المطالبة بتسهيل مهمته بدل وضع العراقيل التي تمنعه من تحقيق أيّ نجاح في أيّ مجال كان. لكنّ المؤسف أن الرئيس الانتقالي يبالغ في تصوير الخطر الذي يمثّله الرئيس السابق الذي ذهب ضحيّة رفض الاعتراف بأنّه ارتكب كميّة كبيرة من الأخطاء من جهة، واعتقاده أنّ في استطاعته المناورة والتلاعب بالإخوان المسلمين والشخصيات التي تحرّكهم من جهة أخرى.
لم يكتشف علي عبدالله صالح، الذي ظنّ أنّه قادر على التلاعب بالآخرين، خطورة الإخوان، التي زادت بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في 2007، إلّا بعد فوات الأوان. لم يكتشف ذلك إلّا بعد دخوله في مواجهة مباشرة مع اللواء علي محسن صالح الأحمر، رفيق دربه وابن قريته، ومع أولاد الشيخ عبدالله، على رأسهم الشيخ حميد الذي فتح عليه النار باكرا...وصولا إلى محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في الثالث من حزيران ـ يونيو 201 في مسجد النهدين داخل حرم دار الرئاسة حيث كان يقيم ويمارس مهمّاته الرئاسية.
يومذاك، اكتشف مدى اختراق الإرهاب ممثلا بـ «القاعدة» وغير «القاعدة» للحرس الخاص به الذي كان احيانا شديد المبالغة والدقّة في الحفاظ على أمنه الشخصي..
في كلّ الأحوال، وفي ضوء مخاطر الإرهاب الذي تمثّله «القاعدة» وما يدور في جنوب اليمن، وفي ضوء التحركات الأخيرة للحوثيين في الشمال وصولا إلى صنعاء، يبدو ضروريا تفادي الإغراق في التفاؤل. اليمن، بكلّ صراحة، في حال يرثى لها. وهذا ليس عائدا إلى الوضع الاقتصادي البالغ السوء، فقط.
لعلّ الخطأ الأكبر الذي يمكن أن يرتكبه أي مسؤول أو يمني في هذه الأيام تصديق ما صدر عن الرئيس باراك أوباما أخيرا عن أن «اليمن يعتبر نموذجا لنجاح التسوية السياسية ومكافحة الإرهاب».
يبدو أن الرئيس الأميركي مصرّ على بيع اليمنيين الأوهام. إنّه يتحدّث عن عملية سياسية غير موجودة. يتصرّف مثله مثل ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة الذي بدا في تقريره الأخير إلى مجلس الأمن وكأنّه يتحدّث عن بلد آخر غير اليمن. قد يكون ذلك مفهوما ومبررا إلى حدّ كبير إذا أخذنا في الاعتبار أن الرجل يسعى إلى تلميع صورته والترويج لنجاح سياسي ما قد يتحقّق يوما ما...
لا وجود لعملية سياسية في اليمن. هناك عمليات عسكرية. الحوثيون على رأس من يرفض نتائج مؤتمر الحوار الوطني. لديهم طموحات تتجاوز الإقليم الذي خصّص لهم. لا شكّ أن هذه الطموحات ستصطدم بسكان محافظة حجة الذين ليسوا راضين عنهم تماما وهم على استعداد للمقاومة بالسلاح.
أمّا «القاعدة»، بإرهابها، فهي منتشرة في كلّ مكان. فضلا عن ذلك، هناك مشكلة كبيرة اسمها الوسط حيث الكثافة السكّانية الشافعية والتي باتت خالية من الزعامات الحقيقية. كذلك، هناك النزعة الانفصالية في الجنوب التي لا يمكن الاستخفاف بها، مثلما لا يمكن الاستخفاف بطموحات أبناء حضرموت الذين يعتقدون أن في استطاعتهم إقامة دولة خاصة بهم.
لا شكّ أن لدى الرئيس اليمني الانتقالي أوراقا يلعبها. لا شكّ أنّ في استطاعته الاستفادة من الدعم الأميركي والدولي إلى أبعد حدود. لكنّ الواقع اليمني يظّل في نهاية المطاف واقعا يمنيا. فما يتبيّن كل يوم أن الحوثيين هم الطرف الوحيد في البلد الذي يعرف ماذا يريد. هل من يريد الانصراف إلى معالجة هذه الظاهرة بجدّية، أم هناك من يريد التلهي بإغلاق إذاعة من هنا وتلفزيون من هناك...؟
خيرالله خيرالله - المستقبل 30\6\2014
تكبّد الحوثيون، الذين لديهم ولاء، لا غبار عليه، لإيران والذين استطاعوا تغيير طبيعة المجتمع في المناطق التي تحت سيطرتهم خصوصا في محافظة صعدة، خسائر كبيرة في المعارك الأخيرة. لم يتعوّدوا في الماضي على هذه الخسائر في المعارك التي خاضوها من أجل تطويق عمران والسيطرة عليها. فقد جرت العادة أن يحققوا أهدافهم بسهولة، سواء في المواجهات مع القوات المسلحة اليمنية، أو مع القبائل...أو مع الإخوان المسلمين والسلفيين الذين دخلوا معهم في صراع ذي طابع مذهبي وقبلي في الوقت ذاته.
ولكن يبدو أنّ الحوثيين استطاعوا حديثا التقاط انفاسهم وباشروا الضغط على صنعاء نفسها. هذا لا يعني أن الحوثيين لم يكونوا موجودين في صنعاء، لكنّ وجودهم كان إلى ما قبل أيّام قليلة ضمن حدود. لم يكن هذا الوجود يظهر إلّا في مناسبات معيّنة، مثل الجنازات الكبرى التي يكون الشخص المعني بها أحد قياديي التنظيم الشديد الانضباط. كان الحوثيون يطلقون في مناسبات معيّنة الشعارات الخاصة بهم والتي تدلّ على مدى ارتباطهم بإيران.
يستفيد الحوثيون حاليا من البلبلة في صنعاء حيث يمارس الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي ضغوطا قويّة على الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي زادت شعبيته في الفترة الأخيرة. يعود حنين المواطنين إلى عهد علي عبدالله صالح، الذي بات يعرف بتسمية «الزعيم»، إلى تدهور الأوضاع في مرحلة ما بعد خروجه من السلطة وقبوله البقاء في منزله والتصرّف كمواطن عادي، إلى حدّ ما طبعا.
ثمّة مبالغات في تفسير طموحات علي عبدالله صالح. فهناك من يتهمه بالسعي إلى العودة إلى الرئاسة. وهناك من يقول إن لديه قنواته مع الحوثيين ومع أطراف أخرى في كلّ المناطق اليمنية. هذا الكلام شيء والواقع شيء آخر. الواقع يتمثّل في أن الصيغة التي كانت تحكم اليمن في عهد علي عبدالله صالح لم تعد موجودة بأيّ شكل. كان هناك المركز الذي اسمه صنعاء الذي تدار منه شؤون اليمن. المشكلة حاليا أن الذين كانوا يحكمون البلد من صنعاء باتوا اسرى اسوار المدينة.
باختصار شديد، صار الصراع داخل صنعاء بعدما كانت الخلافات في اليمن تُدار من العاصمة. وهذا ما يدركه علي عبدالله صالح قبل غيره. يفترض في الرئيس الانتقالي استيعاب ذلك، بدل التلهي بمحاصرة «الزعيم» ووقف التلفزيون والإذاعة التابعين له وتطويق المسجد الكبير الذي أقامه في العاصمة وسمي «مسجد الرئيس الصالح».
من حق عبدربه منصور هادي تأكيد أنّه الرئيس الفعلي للبلد، خصوصا أنّه عانى الكثير من الظلم عندما كان نائبا للرئيس علي عبدالله صالح نفسه وبعض المحيطين به.
من حقّه المشروع أيضا المطالبة بتسهيل مهمته بدل وضع العراقيل التي تمنعه من تحقيق أيّ نجاح في أيّ مجال كان. لكنّ المؤسف أن الرئيس الانتقالي يبالغ في تصوير الخطر الذي يمثّله الرئيس السابق الذي ذهب ضحيّة رفض الاعتراف بأنّه ارتكب كميّة كبيرة من الأخطاء من جهة، واعتقاده أنّ في استطاعته المناورة والتلاعب بالإخوان المسلمين والشخصيات التي تحرّكهم من جهة أخرى.
لم يكتشف علي عبدالله صالح، الذي ظنّ أنّه قادر على التلاعب بالآخرين، خطورة الإخوان، التي زادت بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في 2007، إلّا بعد فوات الأوان. لم يكتشف ذلك إلّا بعد دخوله في مواجهة مباشرة مع اللواء علي محسن صالح الأحمر، رفيق دربه وابن قريته، ومع أولاد الشيخ عبدالله، على رأسهم الشيخ حميد الذي فتح عليه النار باكرا...وصولا إلى محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في الثالث من حزيران ـ يونيو 201 في مسجد النهدين داخل حرم دار الرئاسة حيث كان يقيم ويمارس مهمّاته الرئاسية.
يومذاك، اكتشف مدى اختراق الإرهاب ممثلا بـ «القاعدة» وغير «القاعدة» للحرس الخاص به الذي كان احيانا شديد المبالغة والدقّة في الحفاظ على أمنه الشخصي..
في كلّ الأحوال، وفي ضوء مخاطر الإرهاب الذي تمثّله «القاعدة» وما يدور في جنوب اليمن، وفي ضوء التحركات الأخيرة للحوثيين في الشمال وصولا إلى صنعاء، يبدو ضروريا تفادي الإغراق في التفاؤل. اليمن، بكلّ صراحة، في حال يرثى لها. وهذا ليس عائدا إلى الوضع الاقتصادي البالغ السوء، فقط.
لعلّ الخطأ الأكبر الذي يمكن أن يرتكبه أي مسؤول أو يمني في هذه الأيام تصديق ما صدر عن الرئيس باراك أوباما أخيرا عن أن «اليمن يعتبر نموذجا لنجاح التسوية السياسية ومكافحة الإرهاب».
يبدو أن الرئيس الأميركي مصرّ على بيع اليمنيين الأوهام. إنّه يتحدّث عن عملية سياسية غير موجودة. يتصرّف مثله مثل ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة الذي بدا في تقريره الأخير إلى مجلس الأمن وكأنّه يتحدّث عن بلد آخر غير اليمن. قد يكون ذلك مفهوما ومبررا إلى حدّ كبير إذا أخذنا في الاعتبار أن الرجل يسعى إلى تلميع صورته والترويج لنجاح سياسي ما قد يتحقّق يوما ما...
لا وجود لعملية سياسية في اليمن. هناك عمليات عسكرية. الحوثيون على رأس من يرفض نتائج مؤتمر الحوار الوطني. لديهم طموحات تتجاوز الإقليم الذي خصّص لهم. لا شكّ أن هذه الطموحات ستصطدم بسكان محافظة حجة الذين ليسوا راضين عنهم تماما وهم على استعداد للمقاومة بالسلاح.
أمّا «القاعدة»، بإرهابها، فهي منتشرة في كلّ مكان. فضلا عن ذلك، هناك مشكلة كبيرة اسمها الوسط حيث الكثافة السكّانية الشافعية والتي باتت خالية من الزعامات الحقيقية. كذلك، هناك النزعة الانفصالية في الجنوب التي لا يمكن الاستخفاف بها، مثلما لا يمكن الاستخفاف بطموحات أبناء حضرموت الذين يعتقدون أن في استطاعتهم إقامة دولة خاصة بهم.
لا شكّ أن لدى الرئيس اليمني الانتقالي أوراقا يلعبها. لا شكّ أنّ في استطاعته الاستفادة من الدعم الأميركي والدولي إلى أبعد حدود. لكنّ الواقع اليمني يظّل في نهاية المطاف واقعا يمنيا. فما يتبيّن كل يوم أن الحوثيين هم الطرف الوحيد في البلد الذي يعرف ماذا يريد. هل من يريد الانصراف إلى معالجة هذه الظاهرة بجدّية، أم هناك من يريد التلهي بإغلاق إذاعة من هنا وتلفزيون من هناك...؟
خيرالله خيرالله - المستقبل 30\6\2014
إرسال تعليق