0
واجه لبنان في السنوات الثلاث الماضية، اكثر من مطب خطير يتعلق بكشف عمليات تبييض اموال لمصلحة «حزب الله». وقد أدّت هذه المطبات، من جملة ما أدّت، الى الغاء رخصة مصرف، واضطرار اصحابه الى دفع مبلغ 102 مليون دولار في حزيران 2013، لوقف التعقبات القضائية الاميركية. اليوم يعود هاجس العقوبات الدولية من نافذة مشروع قانون أميركي جديد، بدا قبل حين انه مجرد فكرة لن ترى النور، لكنه سلك طريقه أخيرا، نحو التحوّل الى قانون نافذ يؤشر الى مرحلة جديدة ينبغي الاستعداد لمواجهتها.

بعد تصويت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي (الكونغرس) بغالبية 44 صوتا على مشروع (Hezbollah International Financing Prevention Act)، وهو قانون يهدف الى محاصرة سبل تمويل حزب الله، من خلال معاقبة أي جهة أجنبية تسهل تمويل الحزب، لم يعد ممكنا التعاطي مع هذا الملف على انه مجرد مشروع قد لا يرى النور. وهو على قاب قوسين أو أدنى من الاقرار ليصبح قرارا أميركيا نافذاً.

لا شك في أن الجهاز المصرفي اللبناني مستعد مبدئياً لتطبيق هذا القانون الجديد. وسبق لمصرف لبنان ان اتخذ مجموعة اجراءات بعد قضية البنك اللبناني الكندي، تُحصّن المصارف.

لكن القانون الاميركي الجديد يبدو اكثر تعقيدا بسبب ثلاث نقاط اساسية:

اولا- شمول القانون المصارف المركزية، ووضعها تحت الرقابة.

ثانيا – تجربة العقوبات الاميركية الاخيرة على مصارف اجنبية والتي أرست مفهوما جديدا في «القسوة» المالية التي تصل الى حد تهديد مصير المصارف بالافلاس جراء حجم العقوبات المفروضة.

ثالثا – تزامن هذا القانون مع اجراءات خليجية تهدف بدورها الى تجفيف مصادر تمويل حزب الله.

في هذا الاطار، سوف تتعرّض المصارف المركزية الاجنبية والتجارية في كل انحاء العالم الى ضغوطات ورقابة اضافية من قبل الأجهزة الاميركية المتخصصة.

ومن البديهي ان لبنان سيكون على رأس قائمة الدول التي ستخضع لرقابة مشددة اكثر من سواها، على اعتبار انه بلد المنشأ والاقامة للمنظمة المتهمة بالارهاب، والمطلوب تجفيف مصادر تمويلها.

وسيساهم هذا الوضع في زيادة الشرخ القائم على واقع استبعاد المكوّن الشيعي عن مراكز القرار في المصارف، بصرف النظر عن الاستثناءات التي تشمل مصرفيين مخضرمين، تمكنوا من فرض موضوعيتهم وخبراتهم، وسحبوا أسماءهم خارج لائحة «المشبوهين» لمجرد انتمائهم الى المذهب الشيعي. وسيساهم القرار الاميركي، مع الاجراءات الخليجية، في إبقاء الاستثمارات «الشيعية» بعيدة من القطاع المصرفي اللبناني، وهو خلل يضر بالقطاع ولا يخدمه.

وتشاء الصدف ان العمليات المشبوهة التي تهدف الى تبييض الاموال لمصلحة حزب الله، مرّت في غالبيتها بقنوات شيعية، رغم عدم وجود مصارف لبنانية كبرى، ذات صبغة شيعية لجهة الادارة والملكية. وحتى المصارف القليلة التي لديها هذه الصفة، لم تنجو من الشبهة.

اذ ورد اسم مصرف «فينيسيا» من خلال اتهام الاميركيين لمدير احد فروعه الجنوبية، بالاشتراك في عمليات تبييض سابقة جرت لمصلحة حزب الله. ومن المعروف ان هذا المصرف الذي كان يحمل اسم «بنك الكويت والعالم العربي» انتقلت ملكيته الى آل عاشور منذ العام 1992، وهم يملكون حوالي 74 في المئة من اسهمه. وقد بدّل البنك اسمه في العام 2010 ليصبح بنك «فينيسيا».

على خط موازٍ، يبدو ان دول الخليج العربي تنوي مواكبة القانون الأميركي الجديد بتفعيل قرارها السابق بمكافحة مصادر تمويل حزب الله المموهة في دول الخليج. وكان وزراء داخلية مجلس التعاون لدول الخليج أقروا في اجتماعهم في المنامة في تشرين الثاني 2013، الإجراءات الأمنية الموحدة في دول المجلس ضد مصالح «حزب الله» والمنتمين اليه، من الناحيتين المالية والتجارية.

وفي وقت لاحق، قررت دول الخليج تشكيل فريق يضم خبراء أمنيين واقتصاديين للتوصل الى الآليات المناسبة التي من شأنها التصدي لاستثمارات حزب الله في مجلس التعاون.

وقد دشنت السعودية أولى العقوبات الخليجية ضد النشاطات التجارية للمنتسبين الى «حزب الله» من خلال إعلانها عن سحب ترخيص حصل عليه أحد المستثمرين من الجنسية اللبنانية لمزاولة النشاط الإعلامي داخل أراضيها لارتباطه بحزب الله.

وطلبت وزارة الداخلية السعودية رسميا من مؤسسات الدولة المانحة للتراخيص في مختلف الأوجه الاستثمارية، التريث قبل منح الإذن للتجار الأجانب، ووضعها في صورة الإجراءات، في حين سيكون دورها الأساسي إجراء مسح أمني حول الهوية والانتماءات الحزبية، ويسري ذلك أيضا لدى تجديد رخص العمل والإقامة.

وقد اعتبر القادة الخليجيون للجهاز الامني المشترك لمكافحة تمويل حزب الله، أن المهمة الأساسية تكمن في تجفيف مصادر حزب الله المالية الخليجية، من خلال تبادل المعلومات الأمنية بين الدول الأعضاء من جانب، ومع الإنتربول الدولي من جانب آخر، وبالتالي الإسراع في تعقُّب الأموال المرتبطة بحزب الله، وكذلك الشخصيات المنتمية أو المتعاطفة مع الحزب.

في ظل هذه الوقائع المستجدة، من البديهي ان القطاع المالي في لبنان مُقبلٌ على مرحلة دقيقة لجهة التعاطي مع الاجراءات الأميركية من جهة، والاجراءات الخليجية من جهة أخرى، والهدف تجفيف تمويل حزب الله.

واذا كانت هذه المهمة مُتاحة في البلدان الخليجية نفسها، والبلدان الأجنبية، فانها ستكون اكثر حساسية ودقة، في لبنان، حيث يعتبر الحزب المُستهدف مالياً، أحد المكونات الرئيسية في البلد، وله حضوره الشعبي والسياسي.. والعسكري.
 

أنطوان فرح - الجمهورية 30\6\2014

إرسال تعليق

 
Top