للمرة الأولى منذ سنوات ست، تحديدا منذ العام 2008، تظهر بوادر انفراج في العلاقة المتذبذبة دوما، بين «حزب الله» وبعض التيارات السلفية على الساحة السنية.
ليس اليوم شبيها بالأمس عندما وقّع الحزب وتيارات سلفية، مؤلفة من 15 جمعية ذات حيثيات شعبية دعمت من قبل الكثير من العلماء وأئمة المساجد وشخصيات في الشمال، وثيقة تفاهم أرادها الحزب مقدمة لإصلاح العلاقة وسوء التفاهم مع ذلك التيار المتأثر بمواقف مذهبية ذات خلفية سياسية، تجاه الطرف الآخر.
في ذلك الحين، وبرغم ان الوثيقة المجهضة تلت أحداث أيار بأشهر، والتي رفضت من قبل معظم شرائح الشارع السني، المعتدلة منها كما المتطرفة، إلا أن ثمة عوامل عدة مؤججة للفتنة لم تكن قد ظهرت على الساحة، وأولها وأكثرها خطورة الأحداث التي رافقت المشهد السوري وما صاحبه من استقطاب مذهبي يعتبر الأخطر والأشد حتى اليوم.
شكل التراجع السلفي السريع عن تلك الوثيقة مفاجأة للحزب وللكثيرين من متابعي إرهاصات ذلك التفاهم ومن ثم ولادته. حينها، لم يشأ الحزب توجيه الاتهامات واكتفى ببيان مقتضب مراعاة للظروف، تفهم خلاله التراجع السلفي عن الوثيقة التي كان الشيخ حسن الشهال الوجه السلفي الظاهر منها، ملمحا الى الضغوط الكبيرة التي تعرض لها الشهال.
لم يتراجع الحزب منذ ذلك الحين عن سعيه الى استمرار الانفتاح على الجانب السلفي، وقد سعى حثيثا الى ذلك درءا للأقاويل حول عدائه للتيار السلفي وعدم نيته التواصل معه. ويشير متابعون لهذا الحراك في ذلك الحين، الى ان الحزب قد استشعر أهمية التفاهم أكثر فأكثر من المواقف المؤيدة للتفاهم في الشارع الإسلامي السني، شكلا ومضمونا، لكونه يعزز ثقافة الحوار والانفتاح بما يساهم في الوحدة الإسلامية والوطنية في مواجهة التحديات.
حينها، سعى الحزب الى استمرار التواصل مع الجانب السلفي بعيدا عن «المواقف المتوترة والمتطرفة والحادة»، خاصة ان الإعلان السلفي للتراجع عن الوثيقة جاء تحت عنوان: «تجميدها لإجراء المزيد من التشاور والتأمل والمراجعة»، والذي عد كلاما آخر عن الضغوط الرسمية والسياسية والدينية، وحتى العائلية، التي تعرض لها الشهال.
بالنسبة الى الحزب، فإن هذا التراجع شكل خسارة للطرفين في ذلك الحين، لكنه استمر في انتظار الظروف الأفضل لتحقيق خرق ما في العلاقة مع السلفيين، خاصة انه لم يتحمل مسؤولية الفشل. حتى ان رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» السيد ابراهيم السيد وجه في احد مؤتمرات التقريب، رسالة انفتاح الى التيار السلفي مؤداها ان «تعالوا لنقاتل إسرائيل حتى لو كنتم تقولون بتكفيرنا، وبعد الانتهاء من هذا الواجب نجلس ونتناقش معكم».
ذهبت مناشدة السيد للسلفيين أدراج الرياح، وكان من سوء الحظ ان مرت المنطقة بظروف صعبة أججت التوتر السياسي والعقائدي السني ـ الشيعي، خاصة مع تدخل «حزب الله» في سوريا الذي لم يتفهم السلفيون دوافعه ومدلولاته، وقد ترافق ذلك مع صعود تيار تكفيري في المنطقة بلغ لبنان.. قبل ان يبدأ بالانحسار نتيجة الحسم العسكري في سوريا ثم بسبب إرهاصات الحوار الإقليمي الإيراني السعودي بغطاء أميركي، أثمر تحييد لبنان عن توترات المنطقة وتفاهما داخليا حكوميا أمنيا.
في ظل هذه الظروف، ثمة بوادر لتحقيق خرق ما على صعيد العلاقة بين «حزب الله» والسلفيين، وليس التكفيريين. وقد رصدت في الفترة الأخيرة رسائل انفتاح سلفية باتجاه الحزب في سبيل التأسيس لإعادة الحوار المقطوع بين الطرفين على قاعدة أولوية درء الفتنة المذهبية، التي من شأنها ان تودي بالبلاد الى الهاوية أمنيا، إضافة الى إبقاء الأولوية للصراع مع العدو الإسرائيلي «كونها كانت وستبقى القضية الأم بالنسبة الى المسلمين».
لا يأتي الانفتاح السلفي من فراغ. ويلفت متابعون لهذا الملف النظر الى ان العامل الأهم الذي أدى الى اعادة القراءة السلفية، هو هزيمة مشروع أطراف عربية لإسقاط سوريا دولة وشعبا، والذي اتضح انه لا يخرج عن كونه وهما لدى بعض الأطراف الإقليمية.
ولكن ماذا عن التطورات العراقية الأخيرة؟
يشير راصدون للمشهد الإقليمي الى ظاهرة «داعش» بالموقتة والتي سيتم القضاء عليها، ويدعون الى النظر الى المشهد بمنظار عام يأخذ بعين الاعتبار «انتصار مشروع المقاومة» في المنطقة، مشددين على ان المراجعة السلفية، في لبنان والمنطقة، تأتي نتيجة التطور والوضوح في قراءة المشهد بأكمله، فكان أن امتدت الجسور الى «حزب الله».
في الفترة الأخيرة، وصلت الى مسامع الحزب ترددات سلفية متفهمة لتدخله في سوريا ووعي للاستهداف التقسيمي الذي تتعرض له، حتى ان البعض بدأ يهمس في أذن الحزب عن دعم لمشروعه في لبنان والمنطقة على قاعدة أولويتَي درء الفتنة ومقاومة العدو الإسرائيلي.
من ناحيتها، تلفت أطراف سلفية النظر الى واقعية سلفية في التعاطي مع الحزب ومع المشهد العام في لبنان في محاولة لتأسيس حوار يؤدي بدوره الى تفاهم وحتى تحالف في المدى الأقصى، ينضوي تحت عناوين المشتركات الكثيرة بين الحزب والسلفيين، مع حفاظ كل طرف على خصوصيته الدينية والمذهبية والسياسية.
ثمة قنوات اتصال، غير علنية، مفتوحة مع الحزب من قبل شخصيات سلفية وازنة، شمالية وجنوبية، تحت قاعدة «اننا لا نريد جلب مصالح بل نهدف الى درء المفاسد».
بالطبع، ثمة أطراف سلفية عملت في السابق على إفشال التفاهم الماضي، لا تزال معترضة على أي تقارب مع «حزب الله»، الا ان ثمة تيارا سلفيا وسطيا لا يزال هو الغالب في الشارع السلفي، يؤيد تقاربا من هذا النوع.
في هذه الأثناء، تحذر أطراف سلفية من استفادة المتضررين من أي تقارب، من أخطاء قد يرتكبها الحزب، تؤجج مذهبيا، وتجعل من الصعوبة بمكان على التيار السلفي الوسطي الدعوة الى أي حوار وتقارب مع الحزب.
إذا، هو انفتاح سلفي على «حزب الله» قد يؤسس لأجواء جديدة، من دون الإفراط في التفاؤل للحكم ان تفاهما قيد الانجاز، لكنها بداية من الممكن للطرفين التأسيس عليها، تحطم حواجز قائمة، وميزتها انها تضم وجوها سلفية جديدة تضاف الى تلك التقليدية، مستفيدة من إيجابية «تيار المستقبل» تجاه «حزب الله»، من ناحية، كما من سقوط مشاريع تكفيرية طفت على السطح في الفترة الأخيرة، من ناحية ثانية.
ليس اليوم شبيها بالأمس عندما وقّع الحزب وتيارات سلفية، مؤلفة من 15 جمعية ذات حيثيات شعبية دعمت من قبل الكثير من العلماء وأئمة المساجد وشخصيات في الشمال، وثيقة تفاهم أرادها الحزب مقدمة لإصلاح العلاقة وسوء التفاهم مع ذلك التيار المتأثر بمواقف مذهبية ذات خلفية سياسية، تجاه الطرف الآخر.
في ذلك الحين، وبرغم ان الوثيقة المجهضة تلت أحداث أيار بأشهر، والتي رفضت من قبل معظم شرائح الشارع السني، المعتدلة منها كما المتطرفة، إلا أن ثمة عوامل عدة مؤججة للفتنة لم تكن قد ظهرت على الساحة، وأولها وأكثرها خطورة الأحداث التي رافقت المشهد السوري وما صاحبه من استقطاب مذهبي يعتبر الأخطر والأشد حتى اليوم.
شكل التراجع السلفي السريع عن تلك الوثيقة مفاجأة للحزب وللكثيرين من متابعي إرهاصات ذلك التفاهم ومن ثم ولادته. حينها، لم يشأ الحزب توجيه الاتهامات واكتفى ببيان مقتضب مراعاة للظروف، تفهم خلاله التراجع السلفي عن الوثيقة التي كان الشيخ حسن الشهال الوجه السلفي الظاهر منها، ملمحا الى الضغوط الكبيرة التي تعرض لها الشهال.
لم يتراجع الحزب منذ ذلك الحين عن سعيه الى استمرار الانفتاح على الجانب السلفي، وقد سعى حثيثا الى ذلك درءا للأقاويل حول عدائه للتيار السلفي وعدم نيته التواصل معه. ويشير متابعون لهذا الحراك في ذلك الحين، الى ان الحزب قد استشعر أهمية التفاهم أكثر فأكثر من المواقف المؤيدة للتفاهم في الشارع الإسلامي السني، شكلا ومضمونا، لكونه يعزز ثقافة الحوار والانفتاح بما يساهم في الوحدة الإسلامية والوطنية في مواجهة التحديات.
حينها، سعى الحزب الى استمرار التواصل مع الجانب السلفي بعيدا عن «المواقف المتوترة والمتطرفة والحادة»، خاصة ان الإعلان السلفي للتراجع عن الوثيقة جاء تحت عنوان: «تجميدها لإجراء المزيد من التشاور والتأمل والمراجعة»، والذي عد كلاما آخر عن الضغوط الرسمية والسياسية والدينية، وحتى العائلية، التي تعرض لها الشهال.
بالنسبة الى الحزب، فإن هذا التراجع شكل خسارة للطرفين في ذلك الحين، لكنه استمر في انتظار الظروف الأفضل لتحقيق خرق ما في العلاقة مع السلفيين، خاصة انه لم يتحمل مسؤولية الفشل. حتى ان رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» السيد ابراهيم السيد وجه في احد مؤتمرات التقريب، رسالة انفتاح الى التيار السلفي مؤداها ان «تعالوا لنقاتل إسرائيل حتى لو كنتم تقولون بتكفيرنا، وبعد الانتهاء من هذا الواجب نجلس ونتناقش معكم».
ذهبت مناشدة السيد للسلفيين أدراج الرياح، وكان من سوء الحظ ان مرت المنطقة بظروف صعبة أججت التوتر السياسي والعقائدي السني ـ الشيعي، خاصة مع تدخل «حزب الله» في سوريا الذي لم يتفهم السلفيون دوافعه ومدلولاته، وقد ترافق ذلك مع صعود تيار تكفيري في المنطقة بلغ لبنان.. قبل ان يبدأ بالانحسار نتيجة الحسم العسكري في سوريا ثم بسبب إرهاصات الحوار الإقليمي الإيراني السعودي بغطاء أميركي، أثمر تحييد لبنان عن توترات المنطقة وتفاهما داخليا حكوميا أمنيا.
في ظل هذه الظروف، ثمة بوادر لتحقيق خرق ما على صعيد العلاقة بين «حزب الله» والسلفيين، وليس التكفيريين. وقد رصدت في الفترة الأخيرة رسائل انفتاح سلفية باتجاه الحزب في سبيل التأسيس لإعادة الحوار المقطوع بين الطرفين على قاعدة أولوية درء الفتنة المذهبية، التي من شأنها ان تودي بالبلاد الى الهاوية أمنيا، إضافة الى إبقاء الأولوية للصراع مع العدو الإسرائيلي «كونها كانت وستبقى القضية الأم بالنسبة الى المسلمين».
لا يأتي الانفتاح السلفي من فراغ. ويلفت متابعون لهذا الملف النظر الى ان العامل الأهم الذي أدى الى اعادة القراءة السلفية، هو هزيمة مشروع أطراف عربية لإسقاط سوريا دولة وشعبا، والذي اتضح انه لا يخرج عن كونه وهما لدى بعض الأطراف الإقليمية.
ولكن ماذا عن التطورات العراقية الأخيرة؟
يشير راصدون للمشهد الإقليمي الى ظاهرة «داعش» بالموقتة والتي سيتم القضاء عليها، ويدعون الى النظر الى المشهد بمنظار عام يأخذ بعين الاعتبار «انتصار مشروع المقاومة» في المنطقة، مشددين على ان المراجعة السلفية، في لبنان والمنطقة، تأتي نتيجة التطور والوضوح في قراءة المشهد بأكمله، فكان أن امتدت الجسور الى «حزب الله».
في الفترة الأخيرة، وصلت الى مسامع الحزب ترددات سلفية متفهمة لتدخله في سوريا ووعي للاستهداف التقسيمي الذي تتعرض له، حتى ان البعض بدأ يهمس في أذن الحزب عن دعم لمشروعه في لبنان والمنطقة على قاعدة أولويتَي درء الفتنة ومقاومة العدو الإسرائيلي.
من ناحيتها، تلفت أطراف سلفية النظر الى واقعية سلفية في التعاطي مع الحزب ومع المشهد العام في لبنان في محاولة لتأسيس حوار يؤدي بدوره الى تفاهم وحتى تحالف في المدى الأقصى، ينضوي تحت عناوين المشتركات الكثيرة بين الحزب والسلفيين، مع حفاظ كل طرف على خصوصيته الدينية والمذهبية والسياسية.
ثمة قنوات اتصال، غير علنية، مفتوحة مع الحزب من قبل شخصيات سلفية وازنة، شمالية وجنوبية، تحت قاعدة «اننا لا نريد جلب مصالح بل نهدف الى درء المفاسد».
بالطبع، ثمة أطراف سلفية عملت في السابق على إفشال التفاهم الماضي، لا تزال معترضة على أي تقارب مع «حزب الله»، الا ان ثمة تيارا سلفيا وسطيا لا يزال هو الغالب في الشارع السلفي، يؤيد تقاربا من هذا النوع.
في هذه الأثناء، تحذر أطراف سلفية من استفادة المتضررين من أي تقارب، من أخطاء قد يرتكبها الحزب، تؤجج مذهبيا، وتجعل من الصعوبة بمكان على التيار السلفي الوسطي الدعوة الى أي حوار وتقارب مع الحزب.
إذا، هو انفتاح سلفي على «حزب الله» قد يؤسس لأجواء جديدة، من دون الإفراط في التفاؤل للحكم ان تفاهما قيد الانجاز، لكنها بداية من الممكن للطرفين التأسيس عليها، تحطم حواجز قائمة، وميزتها انها تضم وجوها سلفية جديدة تضاف الى تلك التقليدية، مستفيدة من إيجابية «تيار المستقبل» تجاه «حزب الله»، من ناحية، كما من سقوط مشاريع تكفيرية طفت على السطح في الفترة الأخيرة، من ناحية ثانية.
عمّار نعمة - السفير 30\6\2014
إرسال تعليق