ما هي العلاقة بين عمليتين إرهابيتين بينهما فاصل زمني أقل من عامين؟ حصل تفجير الروشة الأربعاء الماضي، وتم اغتيال رئيس فرع المعلومات في جهاز الأمن الداخلي اللبناني وسام الحسن في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2012. الإرهاب هو الرابط الأبرز بين الاثنين، فكلاهما عمل إرهابي. لكن كلاً منهما يمثل نمطاً إرهابياً يختلف عن الآخر. تفجير الروشة يشبه التفجيرات التي حصلت في الضاحية الجنوبية في بيروت منذ عام تقريباً، وفي طرابلس، واستهداف الجيش في الهرمل قبل شهرين. تتميز هذه الأعمال التي تعود بداياتها إلى 2007 بخصائص ثلاث:
الأولى أن المتهمين فيها من أهل السنّة، من جنسيات لبنانية أو عربية. والثانية أنها تفتقد الحرفية والمهنية في التنفيذ، وبالتالي فهي أقل فاعلية في تحقيق الأهداف التي من أجلها صممت هذه الأعمال وتم تنفيذها. أما الخاصية الثالثة والأهم فهي سرعة الأجهزة الأمنية اللبنانية في معرفة من يقوم بهذه الأعمال، وسهولة حصولها، أو وصول المعلومات عن كل ذلك إليها. الأكثر من ذلك في ما يتعلق بهذه الخاصية أن الأجهزة الأمنية أحياناً تصل أو تحصل على معلومات تمكّنها من اكتشاف التخطيط للعملية حتى قبل تنفيذها، ومن ثم دهم المتهمين في عملية استباقية ناجحة. وهذا ما حصل في فندق الـ «دي روي» بمنطقة الروشة في بيروت الأسبوع الماضي. والأهم في كل ذلك قدرة الأجهزة الأمنية على إعلان كل ذلك.
تشترك كل التفجيرات الانتحارية التي شهدها لبنان منذ أكثر من ستة أعوام - بما فيها تلك التي حدثت على خلفية مشاركة «حزب الله» في القتال في سورية - في هذه الخصائص، وهو ما يشير بشكل جلي إلى أن هذه الأعمال تنتمي إلى نمط يتميز عن غيره، وتحديداً عن النمط الآخر الذي يمثله اغتيال وسام الحسن.
ما هي سمات هذا النمط الآخر؟ يتميز بأربع خصائص: الأولى: إن تنفيذ العمليات الإرهابية بهذا النمط يتم بحرفية ودقة واضحتين، سواء من حيث التوقيت، أو استهداف الضحية. فمن حيث التوقيت، لعل اغتيال رئيس تحرير صحيفة «النهار» جبران تويني عام 2005، واغتيال وسام الحسن بعد ذلك بحوالى سبعة أعوام، أبرز مثالين على دقة توقيت عملية الاغتيال. إذ تم استهداف كل منهما بعد وصوله من السفر، وقبل ذهابه إلى منزله. أما من حيث النجاح في تحقيق الهدف، فكل الضحايا الذين استهدفهم هذا النمط تمت تصفيتهم جسدياً منذ اغتيال كمال جنبلاط عام 1977، وحتى اغتيال القيادي في تيار «المستقبل» محمد شطح العام الماضي. الخاصية الثانية أن هذا النمط يستهدف شخصيات قيادية أو بارزة سياسياً أو فكرياً، ولا يستهدف تجمعات بشرية أو أهدافاً عشوائية. وهذا لا يعني طبعاً أنه لم يكن هناك ضحايا أبرياء لهذا النمط من الإرهاب. على العكس كان هناك ضحايا كثر، وبخاصة عندما يكون المستهدف في مكان يكتظ بالمارة. الخاصية الثالثة أن جميع من تم استهدافهم من هذه الشخصيات إما أنهم كانوا معارضين لوصاية النظام السوري على لبنان، أو بدأوا يضيقون ذرعاً بهذه الوصاية، وإما أنهم معارضون لدور «حزب الله» بوصفه ذراعاً لإيران وللنظام السوري في لبنان، وإما أن النظام السوري اشتبه بموقفهم حياله.
الخاصية الرابعة والأهم أن الأجهزة الأمنية اللبنانية إما أنها غير قادرة على معرفة المتورطين في الأعمال الإرهابية لهذا النمط، وإما أنها لا تملك الإفصاح عن أية معلومات ربما تتوافر لها عن الجناة إذا كانت تعرف، وبالتالي لا تستطيع أن تفعل شيئاً حتى الآن. وإذا كان الاستثناء يؤكد القاعدة، فإن ما حصل مرة أخرى لوسام الحسن شاهد على ذلك. ففي 12 أيلول (سبتمبر) 2012، كان لجهاز المعلومات الذي يترأسه الحسن الدور الأبرز في اكتشاف تورط الوزير اللبناني السابق وحليف سورية ميشال سماحة في نقل متفجرات بسيارته الخاصة من سورية إلى لبنان. يكاد يكون هذا الاكتشاف الاستباقي لأجهزة الأمن اللبنانية لعمليات اغتيال كان يخطط لها في سورية مع وزير لبناني سابق، الاستثناء الذي تجرّأ عليه وسام الحسن. بعد أكثر من شهر على الاكتشاف المسبق، تمت تصفية وسام الحسن في الأشرفية عقاباً له - كما يبدو - على جرأته في كسر تماسك هذا النمط من الإرهاب.
ما الذي يمكن استنتاجه من المقارنة بين هذين النمطين؟ أول ما يمكن استنتاجه أن الإرهاب الذي يضرب لبنان منذ أعوام على صلة مباشرة أحياناً وغير مباشرة أحياناً أخرى، بالنظام السوري قبل وبعد خروجه من لبنان في 2005، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وهذه أبرز عملية إرهابية تنتمي الى النمط الثاني. في السياق ذاته، يرتبط الإرهاب في نمطيه - الأول والثاني - بدور «حزب الله» في لبنان، وعلى مستوى الإقليم، وهو الدور الذي أنيط به من إيران والنظام السوري معاً. من تجليات هذا الارتباط أن أربعة من عناصر الحزب يحاكمون الآن غيابياً بتهمة التورط في اغتيال رفيق الحريري من جانب المحكمة الدولية، وآخر وأخطر تجليات الارتباط إرسال عناصره للقتال في سورية، ومن حيث إن الحرب في سورية انزلقت إلى حرب طائفية، فإن اصطفاف الحزب في هذه الحرب إلى جانب النظام يكون من منطلقات طائفية أيضاً. تركيبة الحزب وقياداته وأيديولوجيته ومرجعيته وكوادره وتحالفاته الإقليمية، تؤكد أنه تنظيم طائفي، وانطلاقاً من ذلك، فهو الآن الذراع العسكرية لإيران ليس في لبنان فقط، وإنما في الشام أيضاً.
الاستنتاج الثاني أن خصائص إرهاب النمط الأول، مثل ضعف الحرفية وأهدافه العشوائية ومحدودية فاعليته، توحي بأنه غير مرتبط بأجهزة استخباراتية من هذه الدولة أو تلك، فهذا النمط يعادي حتى الدول المناهضة للنظامين الإيراني والسوري، بل توحي خصائص هذا النمط باحتمال أنه مخترق من الدول والتنظيمات التي يجاهد ضدها، وهو ما تشير إليه قدرة الجهاز الأمني اللبناني على معرفة المنفذين بسرعة لافتة، بل واكتشاف مخططات هذا النمط وإحباطها حتى قبل حدوثها أحياناً، والأرجح أن هذه الأجهزة تحصل على معلومات أو تسريبات عن عمليات هذا النمط من أطراف محلية أو إقليمية. أما الاستنتاج الثالث فهو أن دقة التخطيط والتنفيذ والاستهداف، والنجاح في اصطياد المستهدفين في النمط الثاني، تشير إلى أنه من عمل أجهزة استخباراتية محترفة، ومن الواضح أن هذه الأجهزة تملك إلى جانب مهنيتها إمكانات وشبكة علاقات محلية داخل لبنان، تمكنها من الحفاظ على سرية التخطيط والتنفيذ، وتمكنها من حماية كل من له علاقة بعملياتها الإرهابية، ولذلك لم تتمكن أجهزة الأمن اللبنانية وعلى عكس ما هو حال النمط الأول، من تقديم متهم واحد في كل عمليات الاغتيال التي تمت منذ 1977 وحتى العام الماضي، عدا استثناءات نادرة. طبعاً من الصعب افتراض أن هذه الأجهزة لا تملك معلومات عن ذلك، لكنها معلومات - إذا كانت متوافرة - لا تزال طيّ الكتمان، ومن هنا يمكن تسمية إرهاب النمط الثاني بإرهاب الدولة التي يحتمي بظلها.
الاستنتاج الأخير أن لبنان عرف الإرهاب منذ سبعينات القرن الماضي. جرّب الإرهاب الإسرائيلي والإرهاب السوري أيضاً. كان ذلك ابتداء من 1976 عندما دخلت القوات السورية لبنان تحت غطاء الجامعة العربية، والإرهاب أحد المشتركات التي تجمع بين النظام السوري والدولة الإسرائيلية، لكن مع فارق مهم، وهو أن الإرهاب الإسرائيلي موجه حصراً ضد العرب وبخاصة الفلسطينيين. الإرهاب الإسرائيلي لا يستهدف الإسرائيليين قط خصوصاً اليهود منهم. هذا الإرهاب هو للدفاع عن الإسرائيليين وحمايتهم، أو هكذا يقول قادة إسرائيل. وما تقوم به إسرائيل حالياً من عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة بحثاً عن ثلاثة شبان من المستوطنين يقال إنهم اختطفوا، هو آخر المؤشرات على ذلك. أما الإرهاب السوري فموجه حصراً ضد السوريين أولاً، ثم العرب ثانياً وخصوصاً اللبنانيين. لا يجرؤ النظام السوري على ممارسة سلوكياته الإرهابية ضد الإسرائيليين. لم يحدث منذ 1948 مثلاً أن نفذ النظام السوري أو اتهم بعملية اغتيال واحدة تستهدف إسرائيليين داخل إسرائيل أو خارجها، وهذا على رغم أن عدد من يتمنى النظام اغتيالهم من فلسطينيين وإسرائيليين كثر داخل كل فلسطين المحتلة، وتفسير ذلك بسيط وواضح. تعرف قيادة النظام السوري أنها لو جرّبت حظها في ذلك فستدفع هي قبل غيرها ثمناً باهظاً. في المقابل يكاد يُجمع اللبنانيون على أن غالبية عمليات الاغتيال والخطف التي حصلت لساسة ومثقفين وقيادات لبنانية على مدى أكثر من أربعة عقود، إنما حصلت على يد الأجهزة الأمنية السورية وحلفائها في لبنان، وهو ما يعني أن سورية أدخلت إلى لبنان إرهاب النمط الأول، وهي تدخله الآن مع حليفيها إيران و «حزب الله» في إرهاب النمط الثاني.
الأولى أن المتهمين فيها من أهل السنّة، من جنسيات لبنانية أو عربية. والثانية أنها تفتقد الحرفية والمهنية في التنفيذ، وبالتالي فهي أقل فاعلية في تحقيق الأهداف التي من أجلها صممت هذه الأعمال وتم تنفيذها. أما الخاصية الثالثة والأهم فهي سرعة الأجهزة الأمنية اللبنانية في معرفة من يقوم بهذه الأعمال، وسهولة حصولها، أو وصول المعلومات عن كل ذلك إليها. الأكثر من ذلك في ما يتعلق بهذه الخاصية أن الأجهزة الأمنية أحياناً تصل أو تحصل على معلومات تمكّنها من اكتشاف التخطيط للعملية حتى قبل تنفيذها، ومن ثم دهم المتهمين في عملية استباقية ناجحة. وهذا ما حصل في فندق الـ «دي روي» بمنطقة الروشة في بيروت الأسبوع الماضي. والأهم في كل ذلك قدرة الأجهزة الأمنية على إعلان كل ذلك.
تشترك كل التفجيرات الانتحارية التي شهدها لبنان منذ أكثر من ستة أعوام - بما فيها تلك التي حدثت على خلفية مشاركة «حزب الله» في القتال في سورية - في هذه الخصائص، وهو ما يشير بشكل جلي إلى أن هذه الأعمال تنتمي إلى نمط يتميز عن غيره، وتحديداً عن النمط الآخر الذي يمثله اغتيال وسام الحسن.
ما هي سمات هذا النمط الآخر؟ يتميز بأربع خصائص: الأولى: إن تنفيذ العمليات الإرهابية بهذا النمط يتم بحرفية ودقة واضحتين، سواء من حيث التوقيت، أو استهداف الضحية. فمن حيث التوقيت، لعل اغتيال رئيس تحرير صحيفة «النهار» جبران تويني عام 2005، واغتيال وسام الحسن بعد ذلك بحوالى سبعة أعوام، أبرز مثالين على دقة توقيت عملية الاغتيال. إذ تم استهداف كل منهما بعد وصوله من السفر، وقبل ذهابه إلى منزله. أما من حيث النجاح في تحقيق الهدف، فكل الضحايا الذين استهدفهم هذا النمط تمت تصفيتهم جسدياً منذ اغتيال كمال جنبلاط عام 1977، وحتى اغتيال القيادي في تيار «المستقبل» محمد شطح العام الماضي. الخاصية الثانية أن هذا النمط يستهدف شخصيات قيادية أو بارزة سياسياً أو فكرياً، ولا يستهدف تجمعات بشرية أو أهدافاً عشوائية. وهذا لا يعني طبعاً أنه لم يكن هناك ضحايا أبرياء لهذا النمط من الإرهاب. على العكس كان هناك ضحايا كثر، وبخاصة عندما يكون المستهدف في مكان يكتظ بالمارة. الخاصية الثالثة أن جميع من تم استهدافهم من هذه الشخصيات إما أنهم كانوا معارضين لوصاية النظام السوري على لبنان، أو بدأوا يضيقون ذرعاً بهذه الوصاية، وإما أنهم معارضون لدور «حزب الله» بوصفه ذراعاً لإيران وللنظام السوري في لبنان، وإما أن النظام السوري اشتبه بموقفهم حياله.
الخاصية الرابعة والأهم أن الأجهزة الأمنية اللبنانية إما أنها غير قادرة على معرفة المتورطين في الأعمال الإرهابية لهذا النمط، وإما أنها لا تملك الإفصاح عن أية معلومات ربما تتوافر لها عن الجناة إذا كانت تعرف، وبالتالي لا تستطيع أن تفعل شيئاً حتى الآن. وإذا كان الاستثناء يؤكد القاعدة، فإن ما حصل مرة أخرى لوسام الحسن شاهد على ذلك. ففي 12 أيلول (سبتمبر) 2012، كان لجهاز المعلومات الذي يترأسه الحسن الدور الأبرز في اكتشاف تورط الوزير اللبناني السابق وحليف سورية ميشال سماحة في نقل متفجرات بسيارته الخاصة من سورية إلى لبنان. يكاد يكون هذا الاكتشاف الاستباقي لأجهزة الأمن اللبنانية لعمليات اغتيال كان يخطط لها في سورية مع وزير لبناني سابق، الاستثناء الذي تجرّأ عليه وسام الحسن. بعد أكثر من شهر على الاكتشاف المسبق، تمت تصفية وسام الحسن في الأشرفية عقاباً له - كما يبدو - على جرأته في كسر تماسك هذا النمط من الإرهاب.
ما الذي يمكن استنتاجه من المقارنة بين هذين النمطين؟ أول ما يمكن استنتاجه أن الإرهاب الذي يضرب لبنان منذ أعوام على صلة مباشرة أحياناً وغير مباشرة أحياناً أخرى، بالنظام السوري قبل وبعد خروجه من لبنان في 2005، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وهذه أبرز عملية إرهابية تنتمي الى النمط الثاني. في السياق ذاته، يرتبط الإرهاب في نمطيه - الأول والثاني - بدور «حزب الله» في لبنان، وعلى مستوى الإقليم، وهو الدور الذي أنيط به من إيران والنظام السوري معاً. من تجليات هذا الارتباط أن أربعة من عناصر الحزب يحاكمون الآن غيابياً بتهمة التورط في اغتيال رفيق الحريري من جانب المحكمة الدولية، وآخر وأخطر تجليات الارتباط إرسال عناصره للقتال في سورية، ومن حيث إن الحرب في سورية انزلقت إلى حرب طائفية، فإن اصطفاف الحزب في هذه الحرب إلى جانب النظام يكون من منطلقات طائفية أيضاً. تركيبة الحزب وقياداته وأيديولوجيته ومرجعيته وكوادره وتحالفاته الإقليمية، تؤكد أنه تنظيم طائفي، وانطلاقاً من ذلك، فهو الآن الذراع العسكرية لإيران ليس في لبنان فقط، وإنما في الشام أيضاً.
الاستنتاج الثاني أن خصائص إرهاب النمط الأول، مثل ضعف الحرفية وأهدافه العشوائية ومحدودية فاعليته، توحي بأنه غير مرتبط بأجهزة استخباراتية من هذه الدولة أو تلك، فهذا النمط يعادي حتى الدول المناهضة للنظامين الإيراني والسوري، بل توحي خصائص هذا النمط باحتمال أنه مخترق من الدول والتنظيمات التي يجاهد ضدها، وهو ما تشير إليه قدرة الجهاز الأمني اللبناني على معرفة المنفذين بسرعة لافتة، بل واكتشاف مخططات هذا النمط وإحباطها حتى قبل حدوثها أحياناً، والأرجح أن هذه الأجهزة تحصل على معلومات أو تسريبات عن عمليات هذا النمط من أطراف محلية أو إقليمية. أما الاستنتاج الثالث فهو أن دقة التخطيط والتنفيذ والاستهداف، والنجاح في اصطياد المستهدفين في النمط الثاني، تشير إلى أنه من عمل أجهزة استخباراتية محترفة، ومن الواضح أن هذه الأجهزة تملك إلى جانب مهنيتها إمكانات وشبكة علاقات محلية داخل لبنان، تمكنها من الحفاظ على سرية التخطيط والتنفيذ، وتمكنها من حماية كل من له علاقة بعملياتها الإرهابية، ولذلك لم تتمكن أجهزة الأمن اللبنانية وعلى عكس ما هو حال النمط الأول، من تقديم متهم واحد في كل عمليات الاغتيال التي تمت منذ 1977 وحتى العام الماضي، عدا استثناءات نادرة. طبعاً من الصعب افتراض أن هذه الأجهزة لا تملك معلومات عن ذلك، لكنها معلومات - إذا كانت متوافرة - لا تزال طيّ الكتمان، ومن هنا يمكن تسمية إرهاب النمط الثاني بإرهاب الدولة التي يحتمي بظلها.
الاستنتاج الأخير أن لبنان عرف الإرهاب منذ سبعينات القرن الماضي. جرّب الإرهاب الإسرائيلي والإرهاب السوري أيضاً. كان ذلك ابتداء من 1976 عندما دخلت القوات السورية لبنان تحت غطاء الجامعة العربية، والإرهاب أحد المشتركات التي تجمع بين النظام السوري والدولة الإسرائيلية، لكن مع فارق مهم، وهو أن الإرهاب الإسرائيلي موجه حصراً ضد العرب وبخاصة الفلسطينيين. الإرهاب الإسرائيلي لا يستهدف الإسرائيليين قط خصوصاً اليهود منهم. هذا الإرهاب هو للدفاع عن الإسرائيليين وحمايتهم، أو هكذا يقول قادة إسرائيل. وما تقوم به إسرائيل حالياً من عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة بحثاً عن ثلاثة شبان من المستوطنين يقال إنهم اختطفوا، هو آخر المؤشرات على ذلك. أما الإرهاب السوري فموجه حصراً ضد السوريين أولاً، ثم العرب ثانياً وخصوصاً اللبنانيين. لا يجرؤ النظام السوري على ممارسة سلوكياته الإرهابية ضد الإسرائيليين. لم يحدث منذ 1948 مثلاً أن نفذ النظام السوري أو اتهم بعملية اغتيال واحدة تستهدف إسرائيليين داخل إسرائيل أو خارجها، وهذا على رغم أن عدد من يتمنى النظام اغتيالهم من فلسطينيين وإسرائيليين كثر داخل كل فلسطين المحتلة، وتفسير ذلك بسيط وواضح. تعرف قيادة النظام السوري أنها لو جرّبت حظها في ذلك فستدفع هي قبل غيرها ثمناً باهظاً. في المقابل يكاد يُجمع اللبنانيون على أن غالبية عمليات الاغتيال والخطف التي حصلت لساسة ومثقفين وقيادات لبنانية على مدى أكثر من أربعة عقود، إنما حصلت على يد الأجهزة الأمنية السورية وحلفائها في لبنان، وهو ما يعني أن سورية أدخلت إلى لبنان إرهاب النمط الأول، وهي تدخله الآن مع حليفيها إيران و «حزب الله» في إرهاب النمط الثاني.
خالد الدخيل - الحياة 29\6\2014
إرسال تعليق