0
بعد شهر على شغور المنصب، وللمرة الأولى، انتقلت صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة الرئيس تمام سلام، لكن بحسب طريقتها. أخذت من المادة 62 من الدستور الروح، وتركت للائتلاف الحكومي تفصيل ثوب التوافق عبر ممارسة مختلفة لصلاحيات الرئيس ورئيس مجلس الوزراء في آن واحد.

أخرجت حكومة الرئيس تمام سلام الآلية التي تمكّنها من الالتئام واتخاذ قرارات واصدارها، وكذلك من تفسير الطريقة الملائمة لانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إليها، وإدارة الشغور بالحد الأدنى المتاح. تخلى سلام قليلاً عن صلاحياته الدستورية بإهمال كل بند في جدول أعمال مجلس الوزراء لا يوافق عليه فريق في حكومته، وتخلى مجلس الوزراء كثيراً عن إحدى أهم صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في المادة 65 عندما تقرن اتخاذ القرارات بالتوافق أولاً، وإذا تعذّر، فبالتصويت.

ومع أن أولى هاتين الصلاحيتين يشترك فيها رئيس الجمهورية مع رئيس مجلس الوزراء، وثانيتهما لا صلة له بها، وليستا تالياً جوهريتين في صلاحيات الرئيس عندما يمارسها أو لدى انتقالها إلى مجلس الوزراء في غيابه، بدا أن مجلس الوزراء يلتقط الأذن من الجهة الاخرى: كي يوافق الوزراء جميعاً على القرارات، والانتقال من ثّم بأمان إلى مرحلة إصدارها عملا بصلاحية رئيس الجمهورية، ذهب التفاهم الحكومي إلى مكان أبعد:
ــــ مشاركة الوزراء رئيس مجلس الوزراء في وضع جدول الأعمال. وتبعا لذلك حق شطب أي بند يقترحه، يُعدّ غير ملائم لهذا الفريق أو ذاك، تحت طائلة رفض الموافقة على جدول الأعمال.
ــــ تجميد التصويت في مجلس الوزراء، والاكتفاء بالتوافق كي لا يُفرض قرار على أي من أفرقاء الحكومة. عملاً بالقاعدة هذه كانت جلسة الخميس، الرابعة منذ شغور الرئاسة، أول جلسة عمل لحكومة سلام في ظلّ صلاحيات رئيس الدولة. عبرت الاختبار للتوافق عندما رفض وزير العمل سجعان قزي مشروعاً يقضي بإعفاء مؤسسات وشركات خاصة من غرامات مالية مترتبة عليها للدولة. وبرغم تأييد الوزراء الآخرين المشروع، جُمّد البحث فيه إلى أن يحظى بالإجماع. كان المشروع الوحيد في جدول الأعمال الذي لم يُقرّ.

مغزى آلية التوافق هذه ملاحظتان:
أولى، على مرّ تعاونهما منذ إقرار اتفاق الطائف، قلما أثير التباس علني بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء حيال بنود جدول الأعمال، يكون قد أعدّها الثاني وأحالها على الأول للاطلاع عليها عملاً بالفقرة 6 من المادة 64. غالبا ما ذلل الرئيسان تباينهما على بعض البنود، منفردين بصوت مخفوض، ما أبقى فاعلية الفقرة 6 وجنّبها سجالات وتفسيرات دستورية، وجعلها إحدى الصلاحيات المتينة لرئيس مجلس الوزراء. في الآلية الأخيرة لحكومة سلام، صارت الموافقة على جدول الأعمال علنية، وكذلك رفضه، وأمسى لرئيس مجلس الوزراء للمرة الأولى شركاء يملكون حق الرفض الذي يساوي ــــ في واقع الأمر ــــ حق اقتراح جدول الأعمال.
ثانية، أن مجلس الوزراء حالما يلتئم يتحوّل رزمة واحدة توحي كأنه فريق واحد، وهو في أي حال ليس كذلك. ألغيت فيه الأكثرية والأقلية، ومُحي الوسطيون، وأصبحت الثمانات الثلاث التي يتكوّن منها غير ذات معنى. بل باتت كتله كلها ـ عندما يلتئم فقط ـ أكثرية واحدة أخذت بشقٍ من الفقرة 5 من المادة 65 هو التوافق على القرارات، وأهملت الشق الآخر الملازم للشق الأول والمكمّل له، وهو التصويت عند تعذّر التوافق. فحوى التوافق على القرارات أنه ليس في وسع أي وزير التحفظ فيما بعد عن توقيع مراسيم الإصدار. بذلك ولجت آلية التوافق تلك إلى تجزئة الفقرة 5 من أجل إيجاد مخرج لممارسة صلاحية الإصدار المنصوص عليها في المادتين 53 و65.
بالتأكيد سجّل سلام مكسباً سياسياً في الظاهر وهو يغض الطرف جزئياً عن صلاحياته الدستورية، بغية إتاحة المجال أمام حكومته للالتئام واتخاذ القرارات وإصدارها. لم يتردّد في التمسّك بصلاحياته تلك ووضع جدول الأعمال، ولم يسعه في المقابل حمل وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله على التخلي عن شرطهما، وهو توقيع الوزراء الـ24 قرارات مجلس الوزراء كلها تمهيداً لإصدارها ما دامت صلاحيات رئيس الجمهورية قد انتقلت إليهم جميعاً. لم يعنِ هذا الشرط عند طرحه للمرة الأولى إلا جعل الوزير ــــ كي يوقع ــــ أقوى من ثلثي مجلس الوزراء، بل أقوى من المجلس مجتمعاً.
تلقى رئيس مجلس النواب نبيه برّي بارتياح توافق حكومة سلام على هذه الآلية، ولم يتأخر في الإشادة برئيس الحكومة، الذي ــــ بحسب بري ــــ تهيّب الموقف والمرحلة، واختار المحافظة على حكومته. لم يشأ رئيس البرلمان تجاهل موقفه المسبق من هذه الآلية، وتأكيده أنها غير دستورية يخشى معها تكريس أعراف جديدة، بيد أنه وجد في انتخاب رئيس جديد للجمهورية ما يحول دون استمرار هذه السابقة ويعيد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء الى نصابها.
مع ذلك أبدى برّي ملاحظتين أيضاً:
أولاهما، أن الآلية المتوافق عليها موقتة، وقد لا تصمد طويلاً ما لم تتمكن الحكومة من التفاهم الجدّي على إدارة صلاحيات رئيس الجمهورية قبل أن تصطدم فيما بعد بعقبات، فضلاً عن أن المراسيم الصادرة عن الحكومة تكون في كل حال قابلة للطعن ما دامت تتوسل وسيلة إصدار غير دستورية.
يبرّر رئيس المجلس تأييده الآلية بذريعتين: إمرار المرحلة الاستثنائية إلى حين انتخاب رئيس جديد، وتسهيل انعقاد مجلس الوزراء، ومن ثم مثول الحكومة أمام مجلس النواب. لم توحِ له آلية التوافق هذه بسهولة توقع انعقاد البرلمان واستئناف جلسة التشريع في ظلّ إصرار تيار المستقبل على مجاراة موقف حلفائه المسيحيين في قوى 14 آذار، وهو رفضهم المشاركة في جلسات مجلس النواب الى حين انتخاب رئيس للجمهورية. في وقت متقارب أبلغ إليه الرئيسان نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة تراجعهما عن «خطأ» مقاطعتهما جلسات المجلس. على أن بري يعوّل على التوصّل إلى مخرج مكمّل للتسوية الأخيرة في مجلس الوزراء، ما يتيح اجتماع مجلس النواب مع التأكيد على السعي إلى انتخاب الرئيس في أسرع وقت.
ثانيتهما، أن الوزراء المفوّض إليهم يوقعون القرارات بصفتهم ممثلي كتل نيابية لا طوائف. وكشف بري في السياق نفسه عن إحياء العمل بالطريقة نفسها التي أدرجتها حكومة السنيورة لدى انتقال صلاحيات الرئيس إليها إبان شغور عامي 2007 و2008، وارتأت حكومة سلام اعتمادها بدورها. وتقضي بانعقاد الحكومة في «جلسة مجلس الوزراء» أولاً لمناقشة جدول الأعمال وإقراره بالتوافق، تُرفع بعد أن يُتلى محضرها، ثم يلتئم المجلس للحال في جلسة أخرى بصفته رئيساً للجمهورية بغية استخدام صلاحية الإصدار. في الجلسة الثانية يحضر الوزراء جميعاً، إلا أن الوزراء المفوض إليهم هم مَن يُوقع باسم الكتل التي يمثلون. وفي وسع أي وزير آخر يشاء التوقيع أن يفعل.

نقولا ناصيف - الأخبار 28\6\2014

إرسال تعليق

 
Top