أيقظت التفجيرات الأخيرة التي شهدها لبنان مخاوف جدية كان سبق أن بدأت مع سلسلة التفجيرات التي طاولت الضاحية الجنوبية لبيروت، من تحول البيئة السنّية اللبنانية الى تربة خصبة لإنتاج المتطرفين والانتحاريين المحليين.
وفيما تُركت الساحة اللبنانية لوقت غير وجيز لتأدية دور وظيفي هو تأمين منطقة عبور للجهاديين المتوجهين الى العراق عبر سورية، مع ما يشبه الاتفاق الضمني بتحييد لبنان، عادت تلك المساحة وتحولت الى هدف مباشر لتنظيم «القاعدة» ومنصة لإطلاق انتحاريين الى لبنان والداخل السوري في آن معاً. ومع بروز أسماء شبان محليين في تنفيذ عمليات انتحارية وإعداد السيارات المفخخة، وارتباط مشايخ مسجلين في دار الفتوى بإرسالهم وتجنيدهم، بات شبه محسوم ان التنظيم افتتح فرعه اللبناني بشكل رسمي ومن دون مواربة.
فالاحتقان السنّي الذي بدأ يعتمل منذ 2005، تاريخ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، كان بلغ ذروته مع إعلان «حزب الله» رسمياً انخراطه في المعارك السورية واصفاً الثورة «ارهاباً» ومبرراً مشاركته بـ «الواجب الجهادي»، ما جعل محاربته في المقابل واجباً «جهادياً» لا يقل شرعية بالنسبة الى أبناء الطائفة السنّية.
وسجل العام نفسه انخراط السلفية اللبنانية الرسمية في السياسة بشكل علني بعدما بقيت لعقود دعوية وبمنأى عن المتاهات الداخلية، مغذية مظلومية تلو الأخرى، ما يجعلها نظرياً على الاقل قابلة لإنتاج نماذج محلية من الانتحاريين. فبعد سلسلة الاغتيالات التي طاولت وجوهاً سنية تشغل مواقع عامة وأمنية حساسة، أُضيفت «الإهانة الى الأذى» في أحداث 7 ايار (مايو) 2008 التي استثمرت في «اتفاق الدوحة» لفرض تسوية سياسية لمصلحة «حزب الله».
وتغذت تلك المظلومية أيضاً من ثلاثة عقود من النفوذ السوري العسكري والأمني في لبنان الذي همّش الطائفة السنّية وأفرغها من زعاماتها إما عبر الاغتيال او الإقصاء. ثم تشبعت من معطيات خارجية وعابرة للحدود فطغت الهوية «الاسلامية» على الهوية الوطنية، وراح منسوبها يرتفع ويحبط وفق الأحداث الخارجية وكيفية الاستجابة لها محلياً. ففي العراق، وصلت الى السلطة حكومة نوري المالكي الموالية لإيران مُطلِقة يد الميليشيات الشيعية في استهداف مباشر للقيادات السنّية بذريعة مكافحة الارهاب، فيما انطلقت في البلد المجاور (سورية) ثورة ما لبثت ان اتخذت شكل أكثرية «سنّية» تصارع حكماً أقلوياً «علوياً». تلقائياً شُد العصب الطائفي، وترسخ شعور تلك الفئة اللبنانية بمظلوميتها الاوسع.
وبدأت الرسائل تتوالى على «حزب الله» ومعاقله. ففي أيار 2013، وبعد اعلان الأمين العام حسن نصرالله مشاركته في القتال في سورية، استهدفت الضاحية الجنوبية بصاروخين لم يوقعا ضحايا لكنهما أوصلا رسالة أولى وواضحة. وارتفعت الوتيرة حيث بلغت في ثلاثة أشهر فقط خمسة تفجيرات راح ضحيتها أكثر من 200 شخص بين قتيل وجريح.
أما «النقلة النوعية»، والتي أثارت الرعب فكانت مع أول عملية انتحارية نفذت ضد السفارة الإيرانية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 اعقبتها في شباط (فبراير) عملية انتحارية أخرى ضد المركز الثقافي الايراني. هكذا، لم يعد هناك مجال للشك لدى اللبنانيين بأن القاعدة باتت تفرّخ انتحارييها من وسطهم.
وقد يكون الأدهى أن تلك التفجيرات جاءت أيضاً على خلفية مواجهات مسلحة خاضتها مجموعات سنّية متطرفة في مدينتي صيدا وطرابلس.
وكان اللافت في كلتا الحالتين، علانية المجموعات المقاتلة، وإفراطها في المجاهرة بمواقفها ونشاطها بفضل شرعية استمدتها من الشارع وبعض زعاماته التقليدية، والاجهزة الامنية على السواء. فالأخيرة كانت أحاطت الشيخ أحمد الأسير في صيدا مثلاً بحمايتها ورعايتها الى حد بعيد، إلى أن وقع الاشتباك المسلح المباشر فنجح في ترتيب هروبه الى جهة يفترض أنها مجهولة. وفي طرابلس كرست تلك الاجهزة قادة المحاور «أبناء شرفاء للمدينة وخير من يدافع عنها» قبل أن تعود وتشن حملة اعتقالات بحقهم.
كل ذلك يقود الى القول بأن البيئة السنّية في لبنان إنما تقدم تربة مثالية لتطرف الشباب وانقيادهم نحو حركات جهادية أوسع. لكن الواقع، في المقابل، يقدم صورة مختلفة.
فبالنظر الى عنف الجماعة، والمثال عليه تنظيم «فتح الاسلام»، الذي ظهر في مخيم نهر البارد الفلسطيني في 2007، وعنف الأفراد كالشيخ أحمد الأسير أو حتى الانتحاري قتيبة الصاطم، يظهر جلياً أن لا أرضية صلبة لفكر قاعدي حقيقي. ربما يكون المجال متاحاً لتطرف فردي، وهو يحصل، لكن هنا لا مكان لأدبيات وأيديولوجيات من قبيل «محاربة الطاغوت» و «قتال العدو البعيد والقريب» و «إقامة الحد» وغير ذلك من سرديات «القاعدة». كما لا مجالس عزاء احتفالية بـ «الشهيد» ولا محاولات لتصويره بطلاً. بل تبليغ متعجل من العائلات عن اختفاء أحد ابنائها والتبرؤ منه فور تبين مصيره. فيكفي مثلاً إن والد الصاطم سلّم نفسه الى الامن مباشرة بعد مقتل ابنه في عملية انتحارية ليطابق بيانات الحمض النووي.
وإذا اعتبرنا ان «فتح الاسلام» اكثر مجموعة منظمة تابعة للقاعدة ظهرت في لبنان، فلم يطل بها الامر حتى انكشف أنها اداة أداة أمنية سورية أدخلت الى لبنان بعد الانسحاب العسكري وانهيار المنظومة الامنية المشتركة. فزعيم المجموعة، شاكر العبسي، أخرج من سجن صيدنايا وأوفد الى لبنان ليشكل مع مجموعة من المفرج عنهم مثله جماعة مهمتها تجنيد المقاتلين وإرسالهم الى العراق. وفي بداية ظهورهم، ألصقت التهمة بالفريق السياسي السنّي الناشئ آنذاك، أي 14 آذار. لكن عندما حسم قرار المعركة العسكرية ضدهم، رفع «حزب الله» الصوت عالياً بذريعة أنهم يقاتلون «محتلاً أجنبياً في بلد عربي (العراق) ولا يؤذون الداخل»، وأعلن أمينه العام المخيم وأهله «خطاً أحمر» لن يقبل باختراقه!
أما الشيخ الأسير، الذي سطع نجمه بصفته الوجه المحلي للتطرف والارهاب، فلا يعدو كونه «مهرجاً» يهوى الاستفزاز والاثارة الاعلامية. فحين اصطدم، في 2009، تحريم المشاركة في الانتخابات بتحدّيات التحالفات السياسية، انتخب الأسيريّون كلاً من فؤاد السنيورة وبهيّة الحريري، غاضّين النظر عن المحظورات الشرعية. وفي ربيع الصيف الماضي، حين اعلن الاسير «الجهاد» على الجيش اللبناني، لم يلتف حوله أكثر من بضع عشرات راحوا يتناقصون بعد أول اطلاق نار.
وعليه، قد توفر البيئة السنية اللبنانية حاضنة لعنف فردي يكون اقرب الى الجريمة المتفشية في أحزمة البؤس والاهمال منه الى تنظيم عنفي ديني له هيكلية وإطار واضحان. وبمقارنة بسيطة بين أعداد الشبان الموقوفين بجنح وجنايات في منطقة مثل التبانة، وأقرانهم «المتطرفين»، يتبين ان المخدرات وضرب الموس أكثر استقطاباً من الدعوة الى الجهاد.
والى ذلك، فإن التركيبة السياسية اللبنانية «الهشة» ساهمت أيضاً في حماية الطائفة السنّية من زلات من هذا النوع. فلبنان، لم يشهد انقلابات عسكرية أو حكماً ناصرياً أو بعثياً أطبق بقبضة من حديد على السلطة والناس، ما يشتت أي هدف محتمل لذلك الاحتقان الطائفي ما لم يكن موضعياً ومؤقتاً وبمعنى ما انتقامياً (كاستهداف مواقع لـ «حزب الله» او لعلويين في طرابلس مثلاً).
هذا وكانت الحرب الاهلية بحد ذاتها قناة لتصريف العنف من خلال احزاب يسارية و «علمانية»، وخرجت منها الطائفة السنّية بمكاسب سياسية كرستها في اتفاق الطائف. ما يجعل تلك المظلومية حديثة نسبياً وغير ضاربة في الذاكرة الجمعية السنّية. أما البيئة الاجتماعية فموزعة بدورها بين مدينتين رئيستين (صيدا وطرابلس) وأرياف مختلطة طائفياً، ما يجعلها أكثر ارتخاءً من أن تنتج نماذج «قاعدية» متينة.
ولعل الاهم من هذا وذاك، ان التشدد الديني- السياسي لا تحتكره في لبنان الطائفة السنّية. فـ «حزب الله» الشيعي شكل نموذجاً فريداً في العالم العربي، وهو أيضاً عن «تنظيم اسلامي» متشدد له عقيدة قتالية وقدرات عسكرية كبيرة وقدرات أكبر في الاستقطاب والتجنيد.
وفيما تُركت الساحة اللبنانية لوقت غير وجيز لتأدية دور وظيفي هو تأمين منطقة عبور للجهاديين المتوجهين الى العراق عبر سورية، مع ما يشبه الاتفاق الضمني بتحييد لبنان، عادت تلك المساحة وتحولت الى هدف مباشر لتنظيم «القاعدة» ومنصة لإطلاق انتحاريين الى لبنان والداخل السوري في آن معاً. ومع بروز أسماء شبان محليين في تنفيذ عمليات انتحارية وإعداد السيارات المفخخة، وارتباط مشايخ مسجلين في دار الفتوى بإرسالهم وتجنيدهم، بات شبه محسوم ان التنظيم افتتح فرعه اللبناني بشكل رسمي ومن دون مواربة.
فالاحتقان السنّي الذي بدأ يعتمل منذ 2005، تاريخ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، كان بلغ ذروته مع إعلان «حزب الله» رسمياً انخراطه في المعارك السورية واصفاً الثورة «ارهاباً» ومبرراً مشاركته بـ «الواجب الجهادي»، ما جعل محاربته في المقابل واجباً «جهادياً» لا يقل شرعية بالنسبة الى أبناء الطائفة السنّية.
وسجل العام نفسه انخراط السلفية اللبنانية الرسمية في السياسة بشكل علني بعدما بقيت لعقود دعوية وبمنأى عن المتاهات الداخلية، مغذية مظلومية تلو الأخرى، ما يجعلها نظرياً على الاقل قابلة لإنتاج نماذج محلية من الانتحاريين. فبعد سلسلة الاغتيالات التي طاولت وجوهاً سنية تشغل مواقع عامة وأمنية حساسة، أُضيفت «الإهانة الى الأذى» في أحداث 7 ايار (مايو) 2008 التي استثمرت في «اتفاق الدوحة» لفرض تسوية سياسية لمصلحة «حزب الله».
وتغذت تلك المظلومية أيضاً من ثلاثة عقود من النفوذ السوري العسكري والأمني في لبنان الذي همّش الطائفة السنّية وأفرغها من زعاماتها إما عبر الاغتيال او الإقصاء. ثم تشبعت من معطيات خارجية وعابرة للحدود فطغت الهوية «الاسلامية» على الهوية الوطنية، وراح منسوبها يرتفع ويحبط وفق الأحداث الخارجية وكيفية الاستجابة لها محلياً. ففي العراق، وصلت الى السلطة حكومة نوري المالكي الموالية لإيران مُطلِقة يد الميليشيات الشيعية في استهداف مباشر للقيادات السنّية بذريعة مكافحة الارهاب، فيما انطلقت في البلد المجاور (سورية) ثورة ما لبثت ان اتخذت شكل أكثرية «سنّية» تصارع حكماً أقلوياً «علوياً». تلقائياً شُد العصب الطائفي، وترسخ شعور تلك الفئة اللبنانية بمظلوميتها الاوسع.
وبدأت الرسائل تتوالى على «حزب الله» ومعاقله. ففي أيار 2013، وبعد اعلان الأمين العام حسن نصرالله مشاركته في القتال في سورية، استهدفت الضاحية الجنوبية بصاروخين لم يوقعا ضحايا لكنهما أوصلا رسالة أولى وواضحة. وارتفعت الوتيرة حيث بلغت في ثلاثة أشهر فقط خمسة تفجيرات راح ضحيتها أكثر من 200 شخص بين قتيل وجريح.
أما «النقلة النوعية»، والتي أثارت الرعب فكانت مع أول عملية انتحارية نفذت ضد السفارة الإيرانية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 اعقبتها في شباط (فبراير) عملية انتحارية أخرى ضد المركز الثقافي الايراني. هكذا، لم يعد هناك مجال للشك لدى اللبنانيين بأن القاعدة باتت تفرّخ انتحارييها من وسطهم.
وقد يكون الأدهى أن تلك التفجيرات جاءت أيضاً على خلفية مواجهات مسلحة خاضتها مجموعات سنّية متطرفة في مدينتي صيدا وطرابلس.
وكان اللافت في كلتا الحالتين، علانية المجموعات المقاتلة، وإفراطها في المجاهرة بمواقفها ونشاطها بفضل شرعية استمدتها من الشارع وبعض زعاماته التقليدية، والاجهزة الامنية على السواء. فالأخيرة كانت أحاطت الشيخ أحمد الأسير في صيدا مثلاً بحمايتها ورعايتها الى حد بعيد، إلى أن وقع الاشتباك المسلح المباشر فنجح في ترتيب هروبه الى جهة يفترض أنها مجهولة. وفي طرابلس كرست تلك الاجهزة قادة المحاور «أبناء شرفاء للمدينة وخير من يدافع عنها» قبل أن تعود وتشن حملة اعتقالات بحقهم.
كل ذلك يقود الى القول بأن البيئة السنّية في لبنان إنما تقدم تربة مثالية لتطرف الشباب وانقيادهم نحو حركات جهادية أوسع. لكن الواقع، في المقابل، يقدم صورة مختلفة.
فبالنظر الى عنف الجماعة، والمثال عليه تنظيم «فتح الاسلام»، الذي ظهر في مخيم نهر البارد الفلسطيني في 2007، وعنف الأفراد كالشيخ أحمد الأسير أو حتى الانتحاري قتيبة الصاطم، يظهر جلياً أن لا أرضية صلبة لفكر قاعدي حقيقي. ربما يكون المجال متاحاً لتطرف فردي، وهو يحصل، لكن هنا لا مكان لأدبيات وأيديولوجيات من قبيل «محاربة الطاغوت» و «قتال العدو البعيد والقريب» و «إقامة الحد» وغير ذلك من سرديات «القاعدة». كما لا مجالس عزاء احتفالية بـ «الشهيد» ولا محاولات لتصويره بطلاً. بل تبليغ متعجل من العائلات عن اختفاء أحد ابنائها والتبرؤ منه فور تبين مصيره. فيكفي مثلاً إن والد الصاطم سلّم نفسه الى الامن مباشرة بعد مقتل ابنه في عملية انتحارية ليطابق بيانات الحمض النووي.
وإذا اعتبرنا ان «فتح الاسلام» اكثر مجموعة منظمة تابعة للقاعدة ظهرت في لبنان، فلم يطل بها الامر حتى انكشف أنها اداة أداة أمنية سورية أدخلت الى لبنان بعد الانسحاب العسكري وانهيار المنظومة الامنية المشتركة. فزعيم المجموعة، شاكر العبسي، أخرج من سجن صيدنايا وأوفد الى لبنان ليشكل مع مجموعة من المفرج عنهم مثله جماعة مهمتها تجنيد المقاتلين وإرسالهم الى العراق. وفي بداية ظهورهم، ألصقت التهمة بالفريق السياسي السنّي الناشئ آنذاك، أي 14 آذار. لكن عندما حسم قرار المعركة العسكرية ضدهم، رفع «حزب الله» الصوت عالياً بذريعة أنهم يقاتلون «محتلاً أجنبياً في بلد عربي (العراق) ولا يؤذون الداخل»، وأعلن أمينه العام المخيم وأهله «خطاً أحمر» لن يقبل باختراقه!
أما الشيخ الأسير، الذي سطع نجمه بصفته الوجه المحلي للتطرف والارهاب، فلا يعدو كونه «مهرجاً» يهوى الاستفزاز والاثارة الاعلامية. فحين اصطدم، في 2009، تحريم المشاركة في الانتخابات بتحدّيات التحالفات السياسية، انتخب الأسيريّون كلاً من فؤاد السنيورة وبهيّة الحريري، غاضّين النظر عن المحظورات الشرعية. وفي ربيع الصيف الماضي، حين اعلن الاسير «الجهاد» على الجيش اللبناني، لم يلتف حوله أكثر من بضع عشرات راحوا يتناقصون بعد أول اطلاق نار.
وعليه، قد توفر البيئة السنية اللبنانية حاضنة لعنف فردي يكون اقرب الى الجريمة المتفشية في أحزمة البؤس والاهمال منه الى تنظيم عنفي ديني له هيكلية وإطار واضحان. وبمقارنة بسيطة بين أعداد الشبان الموقوفين بجنح وجنايات في منطقة مثل التبانة، وأقرانهم «المتطرفين»، يتبين ان المخدرات وضرب الموس أكثر استقطاباً من الدعوة الى الجهاد.
والى ذلك، فإن التركيبة السياسية اللبنانية «الهشة» ساهمت أيضاً في حماية الطائفة السنّية من زلات من هذا النوع. فلبنان، لم يشهد انقلابات عسكرية أو حكماً ناصرياً أو بعثياً أطبق بقبضة من حديد على السلطة والناس، ما يشتت أي هدف محتمل لذلك الاحتقان الطائفي ما لم يكن موضعياً ومؤقتاً وبمعنى ما انتقامياً (كاستهداف مواقع لـ «حزب الله» او لعلويين في طرابلس مثلاً).
هذا وكانت الحرب الاهلية بحد ذاتها قناة لتصريف العنف من خلال احزاب يسارية و «علمانية»، وخرجت منها الطائفة السنّية بمكاسب سياسية كرستها في اتفاق الطائف. ما يجعل تلك المظلومية حديثة نسبياً وغير ضاربة في الذاكرة الجمعية السنّية. أما البيئة الاجتماعية فموزعة بدورها بين مدينتين رئيستين (صيدا وطرابلس) وأرياف مختلطة طائفياً، ما يجعلها أكثر ارتخاءً من أن تنتج نماذج «قاعدية» متينة.
ولعل الاهم من هذا وذاك، ان التشدد الديني- السياسي لا تحتكره في لبنان الطائفة السنّية. فـ «حزب الله» الشيعي شكل نموذجاً فريداً في العالم العربي، وهو أيضاً عن «تنظيم اسلامي» متشدد له عقيدة قتالية وقدرات عسكرية كبيرة وقدرات أكبر في الاستقطاب والتجنيد.
بيسان الشيخ - الحياة 28\6\2014
إرسال تعليق