0
تلاحقت في الايام القليلة الماضية ثلاثة مشاهد في بلدان مجاورة، تستحقّ أن نتوقف عندها، ونربطها بسجال دار عندنا مؤخرا. 

المشهد الاوّل من السودان، حيث صدر حكم قضائي باعدام امرأة حامل. التهمة؟ الارتداد عن الاسلام. 

المشهد الثاني من مصر. استضاف أحد البرامج التلفزيونية في القاهرة طبيبة كشفت في سياق الحديث أنها ملحدة. طردت الطبيبة من البرنامج فوراً، ثم صرّح مصدر قضائي مسؤول أن "ما اقدمت عليه الطبيبة يعتبر جريمة ازدراء اديان وتصل العقوبة فيها للحبس ثلاث سنوات، مشددًا بأن تلك الجريمة من الجرائم التي لا يوجد تسامح فيها حال ثبوتها". 

هذا الخبر نشره موقع مصراوي بعنوان "مصدر قضائي: النيابة تنتظر أي بلاغ ضد الطبيبة "الملحدة".. والعقوبة ثلاث سنوات". وقد حاز الخبر على 978 لايك بسرعة بعد نشره. كما انهالت التعليقات/الشتائم بحق الطبيبة، هذا واحد منها: "نحن فى مجتمع يشهد بان لا اله الا الله محمد رسول الله. نحن مجتمع يؤمن بالله ورسوله وعندما يتعلق الحوار بالعقيدة فنحن نفدى انفسنا دفاعا عن ديننا وعن رسولنا الكريم. من شاء من الملحدة او المبشريين بنصرانية او مله الكفرة هذه فليبشر بعيدا عن ديار المسلميين لان الدين عند الله هو الاسلام. فليس على وجه الارض دين غير الاسلام. وذلك بنصّ القران الكريم". 

المشهد الثالث من سوريا، حيث لم تكتف داعش بقتل أسير حرب عندها. لا. ذبحته من الوريد الى الوريد. ثم وضعت رأسه على متن جسده. ثمّ وزعت الصور على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه المشاهد الثلاثة لا تختصر السودان ومصر وسوريا، صحيح. ولكنّها تعبّر عن منظومة قيمية هي في متن العالم العربي، لا على هامشه. وفي كلّ مرّة تجري أحداث مشابهة، يهرع دوما من يقول أنها تعبير عن فهم "مشوّه" للدين. 

والحال أنه لا يوجد شيء اسمه فهم "مشوّه" للدين، لانه لا يوجد فهم "صحيح" له أصلا. النصّ هو تفسير النصّ. وأما أن أحدا من أتباع المرويات الدينية لا يملك خطّ اتصال مباشر مع مؤسيسها ليستشيرهم بما قصدوا فعلا في تلك الاية أو تلك، فلا أحد يملك الحق الحصري بتحديد ما ذهبوا اليه فعلا، وما لم يذهبوا. أن يقرّر حوالي ألف شخص وضع لايك على خبر تهديد طبيبة عبّرت عن رأيها يعني شيئا واحدا هو أن جوارنا المبتلى بهذا النوع من المنظومات القيمية مريض. بالعمق. أمّا أن تصوّر داعش رأسا فصلته عن جسده وتوزّع الصورة ف...اللّه أكبر. 

لذلك ساءني مقال لمنذر رضا نشره موقع المدن الالكتروني يوم الجمعة الماضي، انطلق من سجال حول صورة لجمال تابعة للاجئين سوريين، ليرغي ويزبد ضدّ "طموحات جزء من اللبنانيين، بعزل لبنان عن محيط عربي، والتملّص من هوية ساكنيه وأصولهم". 

ساءني أكثر أن أجد أن هناك من تحمّس للمقال، ونشره على الصفحة الخاصة به على فايسبوك. وساءتني كذلك شتائم قرأتها على مواقع التواصل الاجتماعي ضدّ "الفينقة"، و"الشوفينية اللبنانية"،الخ الخ. 

هو الخطاب المتهافت القديم ايّاه. لا يبدو أنه يبتعد كثيرا عن السطح، حتى عندما نظنّ أنّه اختفى. هناك هويّات في لبنان منشدّة الى جواره انشدادا مثيرا للحيرة – رغم كلّ ما حدث لنا مع، وبسبب، الجوار، وكلّ ما يحدث أيضا. لو صار كل هذا الجوار داعشيا، وقطّاع رؤوس، لن يغيّر اللّه في أمر كان مفعولا. عبث. لو بقي الحقّ البديهي بالايمان أو عدمه، بتغيير الدين أو البقاء عليه، جريمة في العالم العربي الى ما شاء اللّه ان وجد، هناك هويّات في لبنان لا تخجل، ولن تخجل، من تقريع الذين لا يريدون لبلادهم أن تربط مصيرها بمنظومة قيمية ترجم طبيبة لانها عبرت عن رأي. خلفيّة هذا الخطاب القديم-الجديد، والهويات وراءه، طائفية فاقعة، ولو أن الطائفي المتذاكي، الذي لا يريد شتم الموارنة كموارنة، يشتم "الفينقة"، ثمّ يقول أنه ليبرالي يدافع عن لاجئين. خلّصوا لبنان من هذا الخطاب، ومن هذه الهويات. أو خلّصوا جبل لبنان من لبنان.

هشام بو ناصيف - منبر "ليبانون تايم" 18\5\2014

إرسال تعليق

 
Top