دخلت اوكرانيا مرحلة جديدة من التصعيد الذي اخذ طابعا عسكريا بعد ان كان في مرحلة من التصعيد السياسي والإعلامي والدبلوماسي، ولعل الصدامات المسلحة التي بدأت تأخذ نوعا من الانتقام بين الطرفين تدل على عمق الهوة التي تبشر بدخول اوكرانيا في نفق مظلم.
لم تتمكن الحكومة الأوكرانية من استعادة السيطرة على شرق البلاد التي تحاول يوميا عرض عضلاتها العسكرية، وخاصة في ضوء التصعيدات التي شهدتها عدد من المناطق والمدن بشرق أوكرانيا خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية، وأعمال الشغب والعنف التي يقوم بها موالون لروسيا، في ظل عدم قدرة الجيش الاوكراني على الحسم بسبب عدم موالاة الجيش لسلطة كييف واعتماد الاخيرة على القوات الخاصة.
وهذا ما يبشر بامتداد الازمة الى مناطق اخرى من مدن الجنوب الشرقي لأوكرانيا كما حدث بتاريخ 3 مايو في مدينة اوديسا الجنوبية التي تعتبر المركز التجاري والحربي للحكومة في كييف ومدخلها الى البحر الاسود وبالتالي هذا السيناريو يقضي باستمرار الوضع الفوضوي الراهن في اوكرانيا ريثما يتم انتاج تسوية سياسية ترضي جميع فرقاء الازمة وهو السيناريو الذي يميل إليه الكثير من المراقبين والمحللين للشأن الأوكراني، بحيث أن حكومة كييف الفتية أثبتت عدم قدرتها على التعامل مع الانفصاليين الموالين لروسيا شرق البلاد في الوقت الذي لا يستطيع الفريق المطالب بالانضمام إلى روسيا "حتى الساعة" تحويل اعتصاماته وإضراباته في تلك الناطق إلى حركات أوسع تقلب الموازين في العاصمة.
وحالة الضعف والهزل التي تعاني منهما حكومة كييف ستجبرها على محاولة السيطرة عسكريا، بالوقت الذي تفتقد فيه للمصداقية في المناطق الجنوبية والشرقية الموالية لروسيا نتيجة انقلابها على اتفاق 21 فبراير الماضي الذي رعته الدول الاوروبية الثلاثة مما سوف يجعل من هذا الوضع، عاملاً مساعداً لصقور الكريملين باستخدام سيناريو يقوم على تدخل عسكري روسي على الرغم من تأكيدات كل من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ووزير خارجيته، سيرغي لافروف عدم وجود نية بتدخل عسكري في أوكرانيا.
إلا أن الحقيقة تشير إلى أن قيام موسكو بمثل هذه الخطوة سيكلفها الكثير، خصوصاً في ضوء العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية.
اما بالنسبة لسوريا، فان القيادة الروسية عازمة على دعم النظام السوري بكل الوسائل العسكرية واللوجستية والأمنية، لاسيما ان الرئيس فلاديمير بوتين مصمم شخصيا على دعم الرئيس الاسد، ويرى المراقبون بان هذا التوجه موجود ويعمل عليه من خلال الصمت الكامل على عملية الترشيح الذي يحاول الرئيس الاسد ان يفرضها امراً واقعاً من خلال الذهاب الى جنيف 3 وانتزاع موقف من المعارضة السورية بعدم المطالبة بإبطال صلاحيات الاسد في العملية الانتخابية القادمة بالرغم من التباين بوجهات النظر الروسية بهذا الصدد التي عبر عنها مبعوث الرئيس الروسي للشرق الاوسط مخيائيل بوغدانوف في مؤتمر القمة العربية من خلال تصريحه الشهير لجريدة الحياة اللندنية في 28 مارس الماضي: "الانتخابات السورية لن يكتب لها النجاح بسبب وجود قوة معارضة كبيرة تعارض الاسد وبالتالي أي توافق سياسي سوف يعيد عملية الانتخابات من جديد".
فالروس يعتقدون بالحل العسكري والأمني في سوريا بعد تورطهم في الاعمال العسكرية. وإذا نظرنا جيداً للاتفاق التي تحاول ابرامه المعارضة السورية والنظام في عملية اخلاء مقاتليها من المناطق المحاصرة، الذي يتم برعاية وحضور "روسي وإيراني"، نظرا للإشراف المباشر لهما على المعليات العسكرية التي تدور في سوريا، إضافة لوجود اسرى ايرانيين وروس معتقلين لدى المعارضة السورية يتم التبادل عليهم في هذه الصفقة، وبالتالي الروس يدخلون وحل الازمة السورية مما سوف يبرر للمتطرفين الاسلاميين بممارسة اعمال ضد روسيا.
بالطبع الاستراتيجية الروسية تقوم على التقسيم من خلال ترشيح الاسد للرئاسة وبحال لم يستطع الاسد السيطرة على سوريا كلها فيكون رئيساً على الجيب الذي يشكل دويلة صغيرة في الساحل السوري بمساعدة ايران و"حزب الله" اللبناني وروسيا. هذه الدويلة ذات المنفذ تخدم الروس ببقاء نفوذها على المتوسط والإيرانيين بأحدث جيب قريب من منطقة "حزب الله" اللبناني والقريب للحدود الاسرائيلية. لكن الغريب العجيب، أن تطلب روسيا الحماية للناطقين باللغة الروسية في اوكرانيا وتتطلب بعقد جلسة طارئة لمجلس الامن لما حدث في مدينة اوديسا الاوكرانية وادى الى مقتل 50 شخصا، وترفض الانتخابات وتعتبر السلطة في كييف غير نظامية، ولكن تقبل بترشح بشار الاسد وتعتبره شأنا سوريا داخليا، وتساعد النظام في القتل الجماعي من خلال استخدام براميل الموت الروسية وتدمير كل اجزاء سوريا طمعاً باستسلام الشعب والمعارضة لإبقاء دكتاتورها في الحكم وتستخدم الفيتو وتمنع أي قرار اممي بإدخال مساعدات انسانية للمناطق المحاصرة باعتبار الشعب الرافض للأسد ارهابي ومتطرف.
بوتين يتصرف في كل من اوكرانيا وسوريا على قاعدة قضم الارض والردة السريعة دون أي استراتيجية قادمة محاولا فرض "امر واقع" جديد يعزز نفوذ امبراطوريته بظل الضعف الاميركي والتردد في اتخاذ أي قرار يردع موسكو وقيصرها من ممارسة العنجهية.
فالتصرفات الروسية غير انسانية ولا اخلاقية، "ترسل روسيا وزير خارجيتها في 17 ابريل الماضي الى جنيف لإبرام اتفاق مع الغرب حول اوكرانيا، ويصرح الرئيس بوتين في نفس اليوم على الهواء اثناء لقاءه مع الصحافة في اليوم المفتوح بأنه سوف يقر تدابير قاسية بحق اوكرانيا وقيادتها النازية الجديدة.
كذلك يذهب لافروف الى جنيف 2 ويتفق مع الغرب على البدء بتشكيل حكومة انتقالية في سوريا ويخرج من الاجتماع بالانقضاض على جنيف 1 من خلال تحريف الاتفاق ومحاولة نقل المشكلة الى فكرة محاربة الارهاب، وعلى النظام والمعارضة الاتفاق على ذلك، وتأجيل المطالبة برحيل الاسد.
طبعاً العقوبات والضغوطات الغربية سوف يكون لها صدها البعيد على روسيا وشعبها وسوف تؤدي فيما بعد الى انفجار داخلي بسبب وضع روسيا الاقتصادي المهتز وسيطرة الرشاوى والفساد داخل مجموعة بوتين نفسها.
لكن روسيا اليوم، تنفذ سيناريو احتلال القسم الشرقي من اوكرانيا والتفاوض مع الغرب على القسم الغربي، بظل تشدد قادم في سوريا وإبقاء الحال كما هو عليه بانتظار جنيف 3 التي ستحدده التطورات الداخلية وتغير في الموقف الخارجي، وهذا يعود نتيجة ضعف الغرب في المقاومة وسيطرة الخطاب التعنتي بين الاطراف على حساب الملفات العالقة.
د. خالد ممدوح العزي – باحث مختص بالشؤون الروسية ودول اوروبا الشرقية – منبر "ليبانون تايم" 14\5\2014
لم تتمكن الحكومة الأوكرانية من استعادة السيطرة على شرق البلاد التي تحاول يوميا عرض عضلاتها العسكرية، وخاصة في ضوء التصعيدات التي شهدتها عدد من المناطق والمدن بشرق أوكرانيا خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية، وأعمال الشغب والعنف التي يقوم بها موالون لروسيا، في ظل عدم قدرة الجيش الاوكراني على الحسم بسبب عدم موالاة الجيش لسلطة كييف واعتماد الاخيرة على القوات الخاصة.
وهذا ما يبشر بامتداد الازمة الى مناطق اخرى من مدن الجنوب الشرقي لأوكرانيا كما حدث بتاريخ 3 مايو في مدينة اوديسا الجنوبية التي تعتبر المركز التجاري والحربي للحكومة في كييف ومدخلها الى البحر الاسود وبالتالي هذا السيناريو يقضي باستمرار الوضع الفوضوي الراهن في اوكرانيا ريثما يتم انتاج تسوية سياسية ترضي جميع فرقاء الازمة وهو السيناريو الذي يميل إليه الكثير من المراقبين والمحللين للشأن الأوكراني، بحيث أن حكومة كييف الفتية أثبتت عدم قدرتها على التعامل مع الانفصاليين الموالين لروسيا شرق البلاد في الوقت الذي لا يستطيع الفريق المطالب بالانضمام إلى روسيا "حتى الساعة" تحويل اعتصاماته وإضراباته في تلك الناطق إلى حركات أوسع تقلب الموازين في العاصمة.
وحالة الضعف والهزل التي تعاني منهما حكومة كييف ستجبرها على محاولة السيطرة عسكريا، بالوقت الذي تفتقد فيه للمصداقية في المناطق الجنوبية والشرقية الموالية لروسيا نتيجة انقلابها على اتفاق 21 فبراير الماضي الذي رعته الدول الاوروبية الثلاثة مما سوف يجعل من هذا الوضع، عاملاً مساعداً لصقور الكريملين باستخدام سيناريو يقوم على تدخل عسكري روسي على الرغم من تأكيدات كل من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ووزير خارجيته، سيرغي لافروف عدم وجود نية بتدخل عسكري في أوكرانيا.
إلا أن الحقيقة تشير إلى أن قيام موسكو بمثل هذه الخطوة سيكلفها الكثير، خصوصاً في ضوء العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية.
اما بالنسبة لسوريا، فان القيادة الروسية عازمة على دعم النظام السوري بكل الوسائل العسكرية واللوجستية والأمنية، لاسيما ان الرئيس فلاديمير بوتين مصمم شخصيا على دعم الرئيس الاسد، ويرى المراقبون بان هذا التوجه موجود ويعمل عليه من خلال الصمت الكامل على عملية الترشيح الذي يحاول الرئيس الاسد ان يفرضها امراً واقعاً من خلال الذهاب الى جنيف 3 وانتزاع موقف من المعارضة السورية بعدم المطالبة بإبطال صلاحيات الاسد في العملية الانتخابية القادمة بالرغم من التباين بوجهات النظر الروسية بهذا الصدد التي عبر عنها مبعوث الرئيس الروسي للشرق الاوسط مخيائيل بوغدانوف في مؤتمر القمة العربية من خلال تصريحه الشهير لجريدة الحياة اللندنية في 28 مارس الماضي: "الانتخابات السورية لن يكتب لها النجاح بسبب وجود قوة معارضة كبيرة تعارض الاسد وبالتالي أي توافق سياسي سوف يعيد عملية الانتخابات من جديد".
فالروس يعتقدون بالحل العسكري والأمني في سوريا بعد تورطهم في الاعمال العسكرية. وإذا نظرنا جيداً للاتفاق التي تحاول ابرامه المعارضة السورية والنظام في عملية اخلاء مقاتليها من المناطق المحاصرة، الذي يتم برعاية وحضور "روسي وإيراني"، نظرا للإشراف المباشر لهما على المعليات العسكرية التي تدور في سوريا، إضافة لوجود اسرى ايرانيين وروس معتقلين لدى المعارضة السورية يتم التبادل عليهم في هذه الصفقة، وبالتالي الروس يدخلون وحل الازمة السورية مما سوف يبرر للمتطرفين الاسلاميين بممارسة اعمال ضد روسيا.
بالطبع الاستراتيجية الروسية تقوم على التقسيم من خلال ترشيح الاسد للرئاسة وبحال لم يستطع الاسد السيطرة على سوريا كلها فيكون رئيساً على الجيب الذي يشكل دويلة صغيرة في الساحل السوري بمساعدة ايران و"حزب الله" اللبناني وروسيا. هذه الدويلة ذات المنفذ تخدم الروس ببقاء نفوذها على المتوسط والإيرانيين بأحدث جيب قريب من منطقة "حزب الله" اللبناني والقريب للحدود الاسرائيلية. لكن الغريب العجيب، أن تطلب روسيا الحماية للناطقين باللغة الروسية في اوكرانيا وتتطلب بعقد جلسة طارئة لمجلس الامن لما حدث في مدينة اوديسا الاوكرانية وادى الى مقتل 50 شخصا، وترفض الانتخابات وتعتبر السلطة في كييف غير نظامية، ولكن تقبل بترشح بشار الاسد وتعتبره شأنا سوريا داخليا، وتساعد النظام في القتل الجماعي من خلال استخدام براميل الموت الروسية وتدمير كل اجزاء سوريا طمعاً باستسلام الشعب والمعارضة لإبقاء دكتاتورها في الحكم وتستخدم الفيتو وتمنع أي قرار اممي بإدخال مساعدات انسانية للمناطق المحاصرة باعتبار الشعب الرافض للأسد ارهابي ومتطرف.
بوتين يتصرف في كل من اوكرانيا وسوريا على قاعدة قضم الارض والردة السريعة دون أي استراتيجية قادمة محاولا فرض "امر واقع" جديد يعزز نفوذ امبراطوريته بظل الضعف الاميركي والتردد في اتخاذ أي قرار يردع موسكو وقيصرها من ممارسة العنجهية.
فالتصرفات الروسية غير انسانية ولا اخلاقية، "ترسل روسيا وزير خارجيتها في 17 ابريل الماضي الى جنيف لإبرام اتفاق مع الغرب حول اوكرانيا، ويصرح الرئيس بوتين في نفس اليوم على الهواء اثناء لقاءه مع الصحافة في اليوم المفتوح بأنه سوف يقر تدابير قاسية بحق اوكرانيا وقيادتها النازية الجديدة.
كذلك يذهب لافروف الى جنيف 2 ويتفق مع الغرب على البدء بتشكيل حكومة انتقالية في سوريا ويخرج من الاجتماع بالانقضاض على جنيف 1 من خلال تحريف الاتفاق ومحاولة نقل المشكلة الى فكرة محاربة الارهاب، وعلى النظام والمعارضة الاتفاق على ذلك، وتأجيل المطالبة برحيل الاسد.
طبعاً العقوبات والضغوطات الغربية سوف يكون لها صدها البعيد على روسيا وشعبها وسوف تؤدي فيما بعد الى انفجار داخلي بسبب وضع روسيا الاقتصادي المهتز وسيطرة الرشاوى والفساد داخل مجموعة بوتين نفسها.
لكن روسيا اليوم، تنفذ سيناريو احتلال القسم الشرقي من اوكرانيا والتفاوض مع الغرب على القسم الغربي، بظل تشدد قادم في سوريا وإبقاء الحال كما هو عليه بانتظار جنيف 3 التي ستحدده التطورات الداخلية وتغير في الموقف الخارجي، وهذا يعود نتيجة ضعف الغرب في المقاومة وسيطرة الخطاب التعنتي بين الاطراف على حساب الملفات العالقة.
د. خالد ممدوح العزي – باحث مختص بالشؤون الروسية ودول اوروبا الشرقية – منبر "ليبانون تايم" 14\5\2014
إرسال تعليق