يزعم البعض بأنّ «قليلاً من التمديد يُفرِح قلبَ البطريرك»، وفي هذا القول كثير من الأساطير. ولكن ربما هناك مَن يخبّئ فعلاً «طبَّة» التمديد ويحاول فرضها غير آبه بضرب الدستور ونحر النظام الديموقراطي وخلق حالة تهدر حقوق المسيحيين.
في الصيف الماضي، طرح زائرو بكركي سؤالاً على البطريرك مار بشارة بطرس الراعي: هل أنتم مع التمديد للرئيس ميشال سليمان، فأجاب: نحن متمسِّكون بإنتخاب رئيس جديد، وفقاً للدستور، ولا خيار لنا سوى ذلك. ثم عادوا ليسألوه: ولكن إذا تعطَّل الإستحقاق؟ فأصرّ البطريرك: ندعم خياراً وحيداً هو إنتخاب رئيس جديد.
وعندما سأله الزائرون: لنفترض، ولظروف خارجة عن إرادة الجميع، أنّ موقع الرئاسة بات محكوماً بالفراغ، هل ستتمسكون برفض التمديد؟ فأجاب: سنمنع الفراغ لأنه يعني فقدان التوازن الميثاقي في مؤسسات الحكم. ويجب أن تكون معنا كل القوى الحريصة على الشراكة الحقيقية، من مسيحية وغير مسيحية.
الزائرون عادوا من بكركي يومذاك وفي إستنتاجهم أنّ البطريرك يعمل وفق المعادلة الواضحة الآتية: بين التمديد وإنتخاب رئيس جديد، هو سيقاتل لإنجاح الخيار الثاني. ولكن، بين التمديد والفراغ، هو قد يشرب مكرَهاً مرارة الكأس الأولى!
وأصرّ البطريرك دائماً على منع أيّ كان من «فتحِ سيرة» التمديد أمامه. وأراد من حِراكه الناشط سياسياً وإعلامياً وجمعِه الأقطاب الموارنة والإستطلاعات، أن يثبت رغبته في إنتخاب رئيس جديد. وهو ما زال يرفض التمديد على رغم الأسئلة التي يطرحها لضمان «عدم إقفال باب بعبدا» في 25 أيار، وإلى آجالٍ غير معروفة، ترتبط بمسار النزاعات والصفقات الإقليمية الكبرى.
في أيّ حال، لو كان قرار الرئاسة لبكركي، لكانت الإنتخابات مضمونة. لكنّه في أمكنة أخرى كما كان الإستحقاق النيابي قبل عام. فيومذاك أيضاً، جمع البطريرك أقطاب الموارنة وإتفقوا على قانون للإنتخاب، فتعذَّر إقراره، وفُرِض التمديد على الجميع. اليوم، يُعلن السياسيون جميعاً حرصهم على إنتخابات طبيعية. لكنّ كلاً منهم يتَّهم الآخر بوجود مصلحة لديه في التمديد.
في فريق «8 آذار» هناك مَن يتَّهم الخصوم بالمناورة، ويقول: التمديد هو خيار لا يزعج تيار «المستقبل». فأيّ رئيس سيتم إنتخابه في ظل موازين القوى الحالية لن يكون منسجماً مع نهج «المستقبل» وحلفائه العرب أكثر من سليمان. فهذا الرجل أمضى «شهرَ عسلٍ» دائماً مع رؤساء الحكومات جميعهم، خلافاً لأيّ رئيس سابق. وهناك تحضيرات أعدَّها حقوقيون من نواب «المستقبل»، لهذه الغاية. والتمديد ربما خيار مناسب أيضاً للرئيس نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط.
وأما في «14 آذار» فيُقال: الخصوم يفتعلون الحروب الدونكيشوتية لتعطيل الإستحقاق وبلوغ الفراغ. وعندئذٍ يصبح التمديد «أهْوَن الشرَّين». وفي كواليس «14 آذار» تساؤلات: بإستثناء مناوشات طارئة في الأسابيع الأخيرة من العهد، هل كانت علاقات سليمان بـ»حزب الله» سيئة طوال 6 أعوام؟ فحتى طرحُه الإستراتيجية الدفاعية لم يكن فيه إزعاج لـ»الحزب».
ويُقال أيضاً: إنّ سليمان، بتوجيهاته للمؤسسات المعنية، لم يختلف مع «الحزب» في عبرا أو طرابلس أو عرسال أو العاصمة، ولم يصطدم معه بسبب إنخراطه في الحرب السورية، وأنه ساهم في طعن الرئيس سعد الحريري وشارك في الانقلاب عليه لمصلحة «حزب الله».
وقد يكون بعض «الإتهامات» السياسية المتبادلة صحيحاً أو لا يكون. ولكن، هل هناك مَن يلعب تحت الطاولة «طبَّة» التمديد، لتصبح أمراً واقعاً أمام المسيحيّين جميعاً وبكركي... ليتمَّ، مرة أخرى، ما جاء في الكتاب: «يصلُ قائد الجيش إلى بعبدا... ويمدَّد له قليلاً، إلى أن ينضج آخر»!
التمديد متداوَل... والجميع يرفضه، والمسيحيون مقتنعون بأنه يستضعفهم، ولكنه مطروح على طريقة آغاتا كريستي في «10 عبيد زغار»: والجميع متّهم إلى أن يَثْبُتَ أنه المتهم... أو الضحية!
14/5/2014 طوني عيسى - الجمهورية
إرسال تعليق