0
لم يكن خطف راهبات معلولا (في شهر كانون أول الماضي إثر دخول المقاتلين إلى البلدة) عملاً مقبولاً أو يخدم الثورة السورية؛ لكن صفقة إطلاقهن (في شهر آذار الماضي) أظهرت كم أن نظام بشار الأسد مجرم وبشع؛ ليس لأنه تاجر بقضيتهن فحسب، وإنما لأنه شتمهن بأقذع العبارات لمجرد إنهن لم ينْسَقن مع دعايته، ولأن العالم وهو الأهم- اكتشف مدى بشاعة النظام السوري؛ ففي حين أكدت راهبات معلولا أن أحداً لم يتعرض لهن بأذى، أو ينزع صُلْبُهن؛ روى بالمقابل- من «تخطى التقاليد الاجتماعية» من السوريات المفرج عنهن؛ أنهن تعرضن للضرب والاغتصاب، وفي حين حمل قائد الخاطفين الراهبات بيديه؛ اكتشف العالم أن في سجون بشار الأسد حالة غريبة؛ تضم امرأة معتقلة وأولادها الصغار الأربعة (دون سن التمييز)، لا لذنب ارتكبته سوى أنها زوجة أحد قادة المقاتلين ضد بشار الأسد.

اليوم؛ وبسبب استعادة الثوار لبلدة كسب على الساحل السوري، استأنف النظام دعاية مشابهة؛ يبكي فيها على مصير الأرمن؛ لكأنه يقول إن الأرمن بخير طالما هم في كنفه، أما أن يسيطر معارضوه على مدينة يقطنها الأرمن في سوريا؛ فهذا يعني أنهم في خطر، في حين أن معارك الساحل هدفها الأول السيطرة على مناطق خاضعة للنظام، وفتح منفذ بحري لمعارضيه، ومحاولة منع إقامة دولة علوية، وليس من أهدافها استهداف الأرمن أو غير الأرمن، وإن صدَفَ أن تكون كسب؛ مدينة غالبية سكانها من الأرمن السوريين.

وللعلم؛ فقد سبق أن ركز النظام مجموعات «الدفاع الوطني» (الشبيحة) في هذه المنطقة، وبعض هؤلاء من الأرمن، كما نقل إليها قياداته الأكثر دموية، وفيها (أي في كسب) قُتل قائد الشبيحة هلال الأسد، ابن عم بشار، المعروف بزعيم الساحل أو زعيم الشبيحة، مع الإشارة أن هؤلاء الشبيحة لم يرحموا أحداً، لا سيما تركمان المنطقة، لا في السابق عندما مارس النظام سياسات تمييزية ضدهم، ولا أثناء الثورة عندما انخرطوا في الحراك الشعبي ثم في الكتائب المقاتلة ضده (انسياقاً مع تردي علاقة النظام بتركيا، لا يأبه إعلامه باستعداء أكثر من مليوني تركماني سوري، وصل الأمر ببعض الحملات عليهم إلى الدعوة لإبادتهم، باعتبارهم «عملاء لتركيا»)!.

إعلام النظام يبكي اليوم على أرمن كسب، بعدما تسبب بدمار سوريا كلها، ومن قبل بكى على موارنة معلولا، التي قصفها بالمدفعية الثقيلة، وقبل ذلك اخترع وروّج أحد شبيحته في لبنان مقولة: «العلوي على التابوت والمسيحي على بيروت»، ليكتشف اللبنانيون بعد ذلك أن الإرهابيين الذين كان يحذر منهم هذا الشبيح (برتبة وزير سابق)، ليسوا سوى المجموعات التي يتعامل معها... وفي كل الأحوال؛ فإن النظام السوري هو المسؤول الأول عن وجود المجموعات المتطرفة التي تسيء إلى المعتقدات والمقدسات، سواء من خلال خلقه بيئة جاذبة لها، أو بدعمها بشكل غير مباشر كما في حالة «داعش».

لا يمنع ما تقدم؛ من تفهّم هواجس الأرمن، وخوفهم على المصير، وتأثّرهم بالدمار الذي خلّفته المعارك في مناطقهم، وتعاطف أخوانهم الأرمن في لبنان معهم، لكن لا ينبغي في المقابل أن يسمح الأرمن للنظام السوري بالمتاجرة بمشاعرهم المحقة؛ للقول من خلالهم للعالم: «أنا حامي الأقليات؛ أبقوا نظامي لتبقى هذه الأقليات»!، ولا أن يستخدم بعض شبابهم كشبيحة لديه، أو أن يؤجج الحساسيات العرقية بينهم وبين شركائهم التركمان السوريين في المنطقة نفسها... وإن في درس معلولا لعبرةً لمن يراجع ما حصل.

5/4/2014 فادي شامية - المستقبل

إرسال تعليق

 
Top