متى بدأ الربيع المشرقي تحديدا بصورته الحالية؟ لاحظوا أنني تعمدت استخدام لفظ «المشرقي» بدلا من «العربي» كما تعودنا عليه منذ أكثر من ثلاث سنوات. فالمشهد الحالي يوضح أن الربيع العربي بمجمله كان «حفلة فوضوية» لتقدم جاهزة للتيارات الدينية المتشددة، وذلك ليصلوا للحكم كخيار وحيد، مدعومين من المجتمع الدولي الذي يراهم كفصيل يمثل الشارع، بحسب التحليلات والدراسات التي كانوا يعتمدون عليها لقراءة المشهد السياسي في المنطقة.
ولو عدنا للوراء سنجد أن هذه الرؤية جاءت مع ما حدث بحق نظام الشاه في إيران، والذي سحب «فجأة» المجتمع الدولي دعمه وتأييده له وقبل بثورة دينية أرست نظاما طائفيا، واعتبره أنه جاء نتاج ثورة شعبية وتعامل معه على أساس أنه نظام ديمقراطي ومنتخب.
ثم كان الغزو الأميركي للإطاحة بنظام صدام حسين في العراق «والإتيان بالديمقراطية»، وتم ذلك تحت مباركة من قبل المرجعية الدينية الكبرى في العراق وأعضاء من تنظيم حزب «الدعوة» الأصولي الذين جاءوا بعد ذلك ليشكلوا حكومات ويحكموا العراق، فكان في الحالتين مشهد ربط الثورة والحراك الديمقراطي بسلطة دينية عليا (مرشد ومرجعية)، وهو نفس السبب الذي حصل «تبنيا» للحضور الإخواني في المشهد السياسي في ثورات العرب الأخيرة. فهناك تمازج واضح بين الهيكلية التنظيمية «للمرشد» في منظومة المشهد الإيراني والمرجعية الدينية العليا في المشهد السياسي العراقي، وبين الهيكلية التنظيمية للإخوان المسلمين التي يرأسها مرشد أعلى ومجلس إرشادي. فالتراتيبية واضحة، مما يسهل التعامل مع هكذا تنظيم وهكذا ترتيب تماما مثل فكر المؤسسات والتنظيمات، واضحة ومريحة.
لذلك من السهل النظر إلى 1979 كنقطة بداية للحراك الأصولي المتطرف والذي غزا المنطقة تحت مسمى الثورة والديمقراطية، وهو الذي مهد لأن تصل هذه الحركات ومن هم على شاكلتها إلى السلطة باسم الديمقراطية والحرية والتمثيل الشعبي، بينما في واقع الأمر كانت منصات لتمزيق المجتمع وتأصيل التطرف والعنف والإقصاء.
الديمقراطية في التاريخ الغربي كانت دائما ما تقصي التطرف وتحث على القواعد الاجتماعية التي تجمع الأطياف المختلفة وتحفظ لها حقوقها وتحميها وليس العكس. فالديمقراطية لفظت النازية والفاشية وكل أشكال التطرف اليميني والديني الذي أتى إلى سدة الحكم عبر الصناديق والانتخابات والاقتراع، فالغاية في هذه الحالة لا يمكن أن تبرر الوسيلة أبدا، لأن الغاية نبيلة جدا ويجب أن تحميها ذات الوسيلة. الديمقراطية حزمة متكاملة لا يؤخذ جزء منها ويترك بقيتها، فهي منظومة حقوقية وأخلاقية، أساسها حق الشعب في اختيار من يحكمه، ولا يمكن أن يكون من اختاره الشعب قادرا على أن يفتت الشعب، كما أن الديمقراطية تقتضي نظاما علمانيا فيه فصل صريح بين الدين والدولة، وكذلك منظومة ليبرالية في اقتصادات الرأسمالية الحرة والمنفتحة.
اليوم نرى مشاهد هي أقرب لأفلام الرعب تحدث باسم الحرية والديمقراطية، مشاهد تحت رايات وأعلام التطرف القاسي والدموي والمؤلم لا حماية فيها لحقوق الوطن ولا المواطن ولا الدين نفسه، ومع ذلك «يسمح» لكل هذا المشهد بأن يستمر ولا يسمح بقبول الاعتراض عليه ولا التصدي له بحجة حماية الرأي وحرية التعبير، وهي لعمري حجة باطلة جدا ومريبة ومخيفة في آن واحد.
آداب وأسس الديمقراطية معروفة، حقوق الجميع محفوظة، لا تفريق بين أي منهم لأنهم جميعا خلقوا سواسية. هذه هي القواعد التي بنيت عليها ديمقراطية أميركا وفرنسا وإنجلترا، وهي مبادئ اختفت في إيران والعراق وسائر الثورات العربية.
إيران كانت نقطة انطلاق «الربيع» الذي نراه سائدا في المنطقة، وهو النموذج الذي كانت ستسير عليه المنطقة، وليس هذا هو الحلم المنشود الذي ستنال به الحقوق وتتحقق به الآمال المعلقة.
إنه خريف مخيف وشتاء كئيب!
ولو عدنا للوراء سنجد أن هذه الرؤية جاءت مع ما حدث بحق نظام الشاه في إيران، والذي سحب «فجأة» المجتمع الدولي دعمه وتأييده له وقبل بثورة دينية أرست نظاما طائفيا، واعتبره أنه جاء نتاج ثورة شعبية وتعامل معه على أساس أنه نظام ديمقراطي ومنتخب.
ثم كان الغزو الأميركي للإطاحة بنظام صدام حسين في العراق «والإتيان بالديمقراطية»، وتم ذلك تحت مباركة من قبل المرجعية الدينية الكبرى في العراق وأعضاء من تنظيم حزب «الدعوة» الأصولي الذين جاءوا بعد ذلك ليشكلوا حكومات ويحكموا العراق، فكان في الحالتين مشهد ربط الثورة والحراك الديمقراطي بسلطة دينية عليا (مرشد ومرجعية)، وهو نفس السبب الذي حصل «تبنيا» للحضور الإخواني في المشهد السياسي في ثورات العرب الأخيرة. فهناك تمازج واضح بين الهيكلية التنظيمية «للمرشد» في منظومة المشهد الإيراني والمرجعية الدينية العليا في المشهد السياسي العراقي، وبين الهيكلية التنظيمية للإخوان المسلمين التي يرأسها مرشد أعلى ومجلس إرشادي. فالتراتيبية واضحة، مما يسهل التعامل مع هكذا تنظيم وهكذا ترتيب تماما مثل فكر المؤسسات والتنظيمات، واضحة ومريحة.
لذلك من السهل النظر إلى 1979 كنقطة بداية للحراك الأصولي المتطرف والذي غزا المنطقة تحت مسمى الثورة والديمقراطية، وهو الذي مهد لأن تصل هذه الحركات ومن هم على شاكلتها إلى السلطة باسم الديمقراطية والحرية والتمثيل الشعبي، بينما في واقع الأمر كانت منصات لتمزيق المجتمع وتأصيل التطرف والعنف والإقصاء.
الديمقراطية في التاريخ الغربي كانت دائما ما تقصي التطرف وتحث على القواعد الاجتماعية التي تجمع الأطياف المختلفة وتحفظ لها حقوقها وتحميها وليس العكس. فالديمقراطية لفظت النازية والفاشية وكل أشكال التطرف اليميني والديني الذي أتى إلى سدة الحكم عبر الصناديق والانتخابات والاقتراع، فالغاية في هذه الحالة لا يمكن أن تبرر الوسيلة أبدا، لأن الغاية نبيلة جدا ويجب أن تحميها ذات الوسيلة. الديمقراطية حزمة متكاملة لا يؤخذ جزء منها ويترك بقيتها، فهي منظومة حقوقية وأخلاقية، أساسها حق الشعب في اختيار من يحكمه، ولا يمكن أن يكون من اختاره الشعب قادرا على أن يفتت الشعب، كما أن الديمقراطية تقتضي نظاما علمانيا فيه فصل صريح بين الدين والدولة، وكذلك منظومة ليبرالية في اقتصادات الرأسمالية الحرة والمنفتحة.
اليوم نرى مشاهد هي أقرب لأفلام الرعب تحدث باسم الحرية والديمقراطية، مشاهد تحت رايات وأعلام التطرف القاسي والدموي والمؤلم لا حماية فيها لحقوق الوطن ولا المواطن ولا الدين نفسه، ومع ذلك «يسمح» لكل هذا المشهد بأن يستمر ولا يسمح بقبول الاعتراض عليه ولا التصدي له بحجة حماية الرأي وحرية التعبير، وهي لعمري حجة باطلة جدا ومريبة ومخيفة في آن واحد.
آداب وأسس الديمقراطية معروفة، حقوق الجميع محفوظة، لا تفريق بين أي منهم لأنهم جميعا خلقوا سواسية. هذه هي القواعد التي بنيت عليها ديمقراطية أميركا وفرنسا وإنجلترا، وهي مبادئ اختفت في إيران والعراق وسائر الثورات العربية.
إيران كانت نقطة انطلاق «الربيع» الذي نراه سائدا في المنطقة، وهو النموذج الذي كانت ستسير عليه المنطقة، وليس هذا هو الحلم المنشود الذي ستنال به الحقوق وتتحقق به الآمال المعلقة.
إنه خريف مخيف وشتاء كئيب!
حسين شبكشي - الشرق الاوسط 29\4\2014
إرسال تعليق