عندما ينطلق نفير التضامن للدفاع عن حرية الرأي والتعبير، على الجميع أن يلبي النداء ويزحف للوقوف مع الصحافيين المُهدَّدين من قبل محكمة دولية لا شرعية لها وتسعى إلى حصار الحريات الإعلامية، على ما قيل.
إنها معركة وجود، ولا ريب في أن النصر حليف من يخوضها، مثلها مثل كل معارك الممانعة. هكذا يراد للبنانيين أن يروا، عبر تغطية إعلامية كثيفة، استدعاء إعلاميين للمثول أمام المحكمة الدولية بتهمتي التحقير وعرقلة سير العدالة.
وفي مناخ يسوده التعميم وتُمحى فيه الحدود والفواصل، في وسع صاحب كل قضية رفع الصوت مطالباً «جماعته» بالتضامن معه، ظالماً أو مظلوماً، فيساق الإعلاميون، وهم «جماعة» لها حسابها بين الجماعات اللبنانية، إلى تضامن في ظل شعار حرية الرأي والتعبير.
لكن رويداً. يتأسس التضامن المهني، تعريفاً، على من تعرّض لعدوان وهو متمسك بأخلاقيات المهنة وقيمها وأسسها. الاعتداء على محام يسرق لا يفترض تضامن باقي المحامين معه، بل إحالته مع المعتدي عليه إلى القضاء. هذه النقطة الأساس تغيب عن المبتهجين، ضمناً، باستدعاء المحكمة الخاصة بلبنان وتحويله إلى استثمار سياسي وإعلامي. وفي لبنان، لا شيء يمنع هذا النوع من الاستثمارات السياسية ما دامت الشاشات مباحة والصحف مفتوحة.
ثمة مسألتان تتطلبان نظراً: الأولى تتعلق بالولاية القانونية للمحكمة الخاصة، وهو ما ينظمه البروتوكول الموقَّع من الحكومة اللبنانية وقرار إنشاء المحكمة، ويبيحان لها -على ما يبدو، وفي انتظار رأي قانوني مهني- أن تصدر مثل القرار موضوع الاحتجاج. كما يتعين على المحكمة الدولية الكشف عن الإجراء الذي اتخذته بحق من باع المعلومات المسربة التي تقول إنها تعرقل سير العدالة.
المسألة الثانية تتعلق بمحاولة إسباغ صفات غير حقيقية على الإعلام اللبناني. دعونا من التكاذب الشائع عن الحريات وحصارها والأخطار المحدقة بها، ذلك أن الزمن لم يمر بعد على موجات جارفة من التحريض الطائفي والمذهبي الذي مارسه بكل حماس واندفاع كثر من الذين وقفوا أمس في نقابة الصحافة للاحتجاج على قرار المحكمة الخاصة، ووقفت السلطات اللبنانية تتفرج عليه عاجزة لا حول لها ولا قوة. ودعونا أيضاً من تقمص أدوار وشخصيات القديسين، حتى نجرؤ على فتح ملف الإعلام بكل أبعاده. من يستطيع الحديث، على سبيل المثال، عن أبواب التمويل وأسراره و «صمود» مؤسسات إعلامية على رغم خسائرها المالية الفادحة؟ من يود الكشف عن العلاقة بين «المطابخ» في المؤسسات الإعلامية و «المصادر» والحملات المباشرة وغير المباشرة للترويج لهذه الجهة أو تلك بمبالغ معلومة؟ من يستطيع الحديث عن كيفية تحرير الأخبار الرئيسية وتدخّل ممثلي قوى الأمر الواقع وأجهزة المخابرات في صياغتها؟
ومن حق الرأي العام اللبناني اليوم، ومن ضمنه عدد من الصحافيين والإعلاميين، التساؤل عن معنى وهدف التضامن مع مؤسسات لم تتورع عن المساهمة في الإعداد للتذابح الأهلي وعلى الدعوة إلى الحرب على الشعب السوري وإلى الاستقواء بالسلاح وتبرير بل تجميل ذبح إعلاميين وصحافيين خالفوها الرأي والموقف، هل هناك من إعلامي لبناني لا يعرف قصة عن طرد زميل له من عمله بسبب موقفه السياسي؟ هذا في حين لم تبد المؤسسات المذكورة أي حساسية حيال اقتحام وحرق وتهديد محطات تلفزيونية وصحف أو إهانة وتهديد وضرب صحافيين في الشوارع.
ومن حق هؤلاء الصحافيين ومعهم قسم مهم من الرأي العام، رفض حملات التضامن الاستثماري في بازار السياسات المحلية والإقليمية ورفع سعر وسيلة الإعلام عند الممولين، فالتضامن ليس رد فعل غريزي يركض المرء لإبدائه عند سماعه كلمة «حرية» أو «صحافة». نظرية بافلوف لا تصلح هنا.
إنها معركة وجود، ولا ريب في أن النصر حليف من يخوضها، مثلها مثل كل معارك الممانعة. هكذا يراد للبنانيين أن يروا، عبر تغطية إعلامية كثيفة، استدعاء إعلاميين للمثول أمام المحكمة الدولية بتهمتي التحقير وعرقلة سير العدالة.
وفي مناخ يسوده التعميم وتُمحى فيه الحدود والفواصل، في وسع صاحب كل قضية رفع الصوت مطالباً «جماعته» بالتضامن معه، ظالماً أو مظلوماً، فيساق الإعلاميون، وهم «جماعة» لها حسابها بين الجماعات اللبنانية، إلى تضامن في ظل شعار حرية الرأي والتعبير.
لكن رويداً. يتأسس التضامن المهني، تعريفاً، على من تعرّض لعدوان وهو متمسك بأخلاقيات المهنة وقيمها وأسسها. الاعتداء على محام يسرق لا يفترض تضامن باقي المحامين معه، بل إحالته مع المعتدي عليه إلى القضاء. هذه النقطة الأساس تغيب عن المبتهجين، ضمناً، باستدعاء المحكمة الخاصة بلبنان وتحويله إلى استثمار سياسي وإعلامي. وفي لبنان، لا شيء يمنع هذا النوع من الاستثمارات السياسية ما دامت الشاشات مباحة والصحف مفتوحة.
ثمة مسألتان تتطلبان نظراً: الأولى تتعلق بالولاية القانونية للمحكمة الخاصة، وهو ما ينظمه البروتوكول الموقَّع من الحكومة اللبنانية وقرار إنشاء المحكمة، ويبيحان لها -على ما يبدو، وفي انتظار رأي قانوني مهني- أن تصدر مثل القرار موضوع الاحتجاج. كما يتعين على المحكمة الدولية الكشف عن الإجراء الذي اتخذته بحق من باع المعلومات المسربة التي تقول إنها تعرقل سير العدالة.
المسألة الثانية تتعلق بمحاولة إسباغ صفات غير حقيقية على الإعلام اللبناني. دعونا من التكاذب الشائع عن الحريات وحصارها والأخطار المحدقة بها، ذلك أن الزمن لم يمر بعد على موجات جارفة من التحريض الطائفي والمذهبي الذي مارسه بكل حماس واندفاع كثر من الذين وقفوا أمس في نقابة الصحافة للاحتجاج على قرار المحكمة الخاصة، ووقفت السلطات اللبنانية تتفرج عليه عاجزة لا حول لها ولا قوة. ودعونا أيضاً من تقمص أدوار وشخصيات القديسين، حتى نجرؤ على فتح ملف الإعلام بكل أبعاده. من يستطيع الحديث، على سبيل المثال، عن أبواب التمويل وأسراره و «صمود» مؤسسات إعلامية على رغم خسائرها المالية الفادحة؟ من يود الكشف عن العلاقة بين «المطابخ» في المؤسسات الإعلامية و «المصادر» والحملات المباشرة وغير المباشرة للترويج لهذه الجهة أو تلك بمبالغ معلومة؟ من يستطيع الحديث عن كيفية تحرير الأخبار الرئيسية وتدخّل ممثلي قوى الأمر الواقع وأجهزة المخابرات في صياغتها؟
ومن حق الرأي العام اللبناني اليوم، ومن ضمنه عدد من الصحافيين والإعلاميين، التساؤل عن معنى وهدف التضامن مع مؤسسات لم تتورع عن المساهمة في الإعداد للتذابح الأهلي وعلى الدعوة إلى الحرب على الشعب السوري وإلى الاستقواء بالسلاح وتبرير بل تجميل ذبح إعلاميين وصحافيين خالفوها الرأي والموقف، هل هناك من إعلامي لبناني لا يعرف قصة عن طرد زميل له من عمله بسبب موقفه السياسي؟ هذا في حين لم تبد المؤسسات المذكورة أي حساسية حيال اقتحام وحرق وتهديد محطات تلفزيونية وصحف أو إهانة وتهديد وضرب صحافيين في الشوارع.
ومن حق هؤلاء الصحافيين ومعهم قسم مهم من الرأي العام، رفض حملات التضامن الاستثماري في بازار السياسات المحلية والإقليمية ورفع سعر وسيلة الإعلام عند الممولين، فالتضامن ليس رد فعل غريزي يركض المرء لإبدائه عند سماعه كلمة «حرية» أو «صحافة». نظرية بافلوف لا تصلح هنا.
حسام عيتاني - الحياة 29\4\2014
إرسال تعليق