0
يرى نواب وجوب حضور جلسات الاستحقاق الرئاسي وعدم التغيب عنها من دون عذر شرعي لئلا يتحملوا مسؤولية تعطيل نصابها، على أن يبقى لمن يريد منهم تعطيل عملية الاقتراع السري للرئيس، الحق في ذلك، إما بالانسحاب من القاعة مع البقاء داخل مبنى المجلس وعدم العودة اليها إلاّ بعد معرفة اسماء المرشحين، أو الاقتراع بأوراق بيض لئلا يفاجأوا بانتخاب من لا يرغبون فيه إذا ما قرّر نواب كتلة جنبلاط مثلاً التصويت له.

 وهذا التخوّف يساور الكثير من الأحزاب والكتل. لكن أوساطاً اقتصادية ترى أنه إذا تكرّر هذا السيناريو عند انعقاد كل جلسة يكتمل فيها النصاب ولكنه يتعطل عند مباشرة عملية الاقتراع، أو يتعطل بأوراق بيض، يجب الاتفاق على مرشّح من 8 آذار يناسب مرشحاً من 14 آذار كي تأخذ اللعبة الديموقراطية مداها ويفوز من ينال أصوات الأكثرية المطلوبة. وإذا تعذّر التوصل الى هذا الاتفاق، فان على بكركي عندئذ التدخل للاتفاق على مرشح مقبول من الجميع ويكون على مستوى الظروف الداخلية والاقليمية والدولية بحيث يتم اختيار الأجدر والافضل للرئاسة الاولى والغني باخلاقيته ومعرفته ومهارته، كما وصفه البطريرك الكاردينال الراعي، وهو وصف جعل الرئيس نبيه بري يفتح نافذة على الاستحقاق الرئاسي تساعد على الوصول إلى اختيار رئيس توافقي يحظى بقبول اللبنانيين.

لقد بات واضحاً حتى الآن أن لا مرشح 8 آذار يحظى بأصوات نواب 14 آذار ولا مرشح 14 آذار يحظى بأصوات نواب 8 آذار، إلا إذا انضمت إليها أصوات نواب كتلة جنبلاط لأن لكل من مرشحي التكتلين برنامجاً مختلفاً عن برنامج الآخر ولا سيما بالنسبة إلى سلاح "حزب الله" وانه لا يمكن لبننة الاستحقاق الرئاسي كما يسعى الرئيس بري إلا بمرشح توافق يكون من صنع لبنان وليس من صنع أي خارج. 

ومن دون التوصل إلى هذا التوافق فإن دورات الاقتراع مهما بلغ عددها ستعطي النتائج ذاتها التي اعطتها الدورة الأولى في حال لم يتم تعطيلها بعد اكتمال النصاب كما حصل في جلسة الانتخاب الأولى. وبات واضحاً أيضاً أنه لا يمكن مرشحاً يمثل الانقسام العمودي بين 8 و14 آذار أن يكون رمزاً لوحدة البلاد بل قد يواجه صراعاً سياسياً وربما أمنياً بدأ بين هذين الكتلتين منذ عام 2005 وهو مستمر الى الآن، ولا مجال للخروج منه إلا بتسوية اقليمية ودولية لم تظهر ملامحها بعد. فلا يجوز والحالة هذه أن يبقى منصب الرئاسة الأولى شاغراً في انتظار حصول هذه التسوية، بل ينبغي انتخاب الرئيس المناسب للوقت المناسب ولا يكون برنامجه مناقضاً لبرنامج طرف آخر ويكون بالتالي عاجزاً عن تنفيذه. فكثير من المرشحين يظنون أنهم يستطيعون الفوز بالرئاسة على أساس برنامجهم وإن كان غير قابل للتنفيذ بحكم الظروف الموضوعية، وكثير من المرشحين لا برنامج يطرحونه ويعتبرون أن الثقة بشخصهم هي البرنامج وهي تكفي لكي ينفذ ما يقول لا أن يقول ولا ينفذ. 

وهذا يذكّر بزعماء رفضوا الترشح للرئاسة عندما اشترطت عليهم سوريا إخراج العماد ميشال عون من قصر بعبدا بالقوة، وعندما رفضوا للولايات المتحدة الأميركية شرط القبول ببقاء الجيش السوري في لبنان لأنهم سيكونون عاجزين عن الحكم في ظل هذا الوضع ما داموا غير قادرين على إخراج هذا الجيش. 

لذلك من الأفضل ألاّ يترشح للرئاسة من يقبل بشرط الابقاء على سلاح "حزب الله" وقبل التوصل إلى حلّ لمشكلة بقاء هذا السلاح لأنه سيجد نفسه إذا صار رئيساً بين خيارين: إما التغاضي عن وجود سلاح "حزب الله" وعندها لن يستطيع إقامة الدولة القوية التي لا سلاح غير سلاحها، أو أن يجعل سلاح الدولة يصطدم بهذا السلاح وعندها تكون المشكلة الكبرى. وثمة من يرى أن بكركي التي لها دائماً دورها في الملمات والأزمات، مدعوة الى القيام بدور انقاذ رئاسة الجمهورية من الفراغ القاتل للبنان واللبنانيين، وهي قادرة إذا عقدت العزم ورفعت الصوت عالياً في وجه المعطِّلين والمعرقلين فتصارح قوى 8 و14 آذار ولا سيما المسيحيين فيهما بأن يتفقوا على مرشح يحظى بالأكثرية النيابية المطلوبة، فوجود رئيس للبلاد، أياً تكن مواصفاته، يظل أقل ضرراً من عدم وجوده، وأن تحذّر بكركي من مغبة تطيير النصاب عند مباشرة عملية الاقتراع وترفع صوتها في وجه المعطلين لأن هذه العملية تتوقف عندما يطير النصاب الذي يفرض وجود ثلثي عدد النواب في القاعة، بل من حق النائب أن يقترع بورقة بيضاء ليحول دون تمكين المرشح غير المرغوب فيه من الحصول على الأكثرية المطلوبة، أي إن على النواب أن يفصلوا بين نصاب الجلسة وواجب تأمينه وعملية الاقتراع التي تمارس فيها اللعبة الديموقراطية الحرّة، ذلك أن تغيّب النواب عن جلسة انتخاب الرئيس بهدف تعطيلها هو كتغيب المحامي عن جلسة محاكمة تهم موكّله، والنواب هم وكلاء عن الشعب الذي انتخبهم ولا يحق لهم التصرّف بهذه الوكالة بما يسيء إلى مصالحه وخصوصاً أن الانتخابات النيابية باتت على الأبواب.

اميل خوري - النهار 29\4\2014

إرسال تعليق

 
Top