0
لم تعد المفاوضات بين العماد ميشال عون ورئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري حول استحقاق رئاسة الجمهورية مجرد فرضية، بل اصبحت حقيقة لا لبس فيها، وبالتالي فان السؤال الملح المطروح حاليا ليس عما إذا كانت المفاوضات حاصلة فعلا، بل عن النتائج التي يمكن ان تؤدي اليها، وهل ستنجح في ترتيب «صفقة» سياسية تأتي بعون الى رئاسة الجمهورية والحريري الى رئاسة الحكومة، ام ان حجم التباينات بين الرجلين، وما يمثله كل منهما بخياراته وتحالفاته، هو أكبر بكثير من ان يعالجه تقاطع ظرفي.

يميل العونيون من جهتهم الى تفاؤل، لا يشاركهم فيه الكثر في «8 و14 آذار» على حد سواء، ممن يعتبرون ان الافتراض بإمكانية موافقة الحريري، ومن خلفه السعودية، على انتخاب عون رئيسا للجمهورية، هو ضرب من ضروب الخيال السياسي، لا يستقيم مع حسابات الواقع ومعادلاته المعقدة.

ويُنقل عن إحدى شخصيات «14 آذار» قولها في مجلس خاص ان مراجعة باردة للأحداث، تُظهر انه كان يُفترض بقوى «14 آذار» ان تدعم وصول عون الى رئاسة الجمهورية، قبل ست سنوات وليس الآن، لافتة الانتباه الى ان عون «كان سيتمكن، لو جرى انتخابه في التوقيت المناسب، من احتواء حزب الله ومنع انغماسه في سوريا، والدفع في اتجاه إنجاز الاستراتيجية الدفاعية، لاسيما ان الحزب مضطر الى ان يسايره ويحاذر الاصطدام به، حتى لا يصبح معزولا في الداخل اللبناني».

وترى تلك الشخصية ان «الأوان قد فات، وان انتخاب عون رئيسا الآن لن يغير في المعادلات التي ارساها حزب الله، سواء على مستوى السلاح او على مستوى المشاركة في القتال داخل سوريا».

لكن بعض المطلعين على كواليس الحوار القائم بين عون والحريري، سواء مباشرة او عبر وسطاء، يؤكدون ان فرص التفاهم ليست معدومة، وان هناك إمكانية للتلاقي حول قواسم مشتركة، بحيث يأتي التوافق على انتخاب الجنرال رئيسا، نتيجة لهذا التلاقي، وليس سببا له.

والى حين اتضاح الخلاصة النهائية التي سيرسو عليها الحوار، يروي العارفون ان اللقاء الشهير الذي عقد بين عون والحريري في الخارج انطوى على مصارحة متبادلة، أسست لاستمرار النقاش، بمعزل عن النتائج التي سيفضي اليها.

ووفق «الرواة»، دعا عون رئيس تيار «المستقبل» الى التفاهم مع السيد حسن نصرالله، وقال له: «هذا التفاهم يكتسب أهمية حيوية وضرورة قصوى، وهو سيساهم، إذا حصل، في إنقاذ لبنان، وسيحررك من أعباء البعض، وانا مستعد للمساهمة في التقريب بينكما وتأدية دور إيجابي على هذا الصعيد، والبداية بجلوسكما معا في الحكومة».

وأضاف الجنرال مخاطبا الحريري: «أتمنى عليك تعديل لهجتك والتخفيف من حدة الخطاب الذي تستخدمه ضد حزب الله، لان من شأن ذلك تأمين بيئة ملائمة لمواصلة النقاش وتحقيق خرق».

وعندما فتح سعد الحريري ملف اغتيال والده، قال له عون: «دولة الرئيس.. حزب الله لم يقتل والدك.. لقد سبق لك ان اتهمت الرئيس بشار الاسد باغتياله، ثم برأته المحكمة الدولية التي عادت ووجهت الاتهام الى الحزب، وهو أيضا بريء..».

وشدد عون على ضرورة ان يعود الحريري الى بيروت، قائلا له: «يجب ان ترجع، حتى تكون شريكا في الحل والحكم»، فرد عليه رئيس الحكومة السابق: «أريد ضمانات للعودة»..

وهنا، قال عون: «أنا أستطيع ان أساهم في إنضاج هذه الضمانات، لكن لا بد قبل ذلك من خطوات تمهيدية، ومن بينها تغيير لهجة التخاطب بينك وبين حزب الله».

وعند بلوغ النقاش مسألة سلاح المقاومة، أشار عون الى ان «المقاومة حققت انتصارات تاريخية، ولا يمكن لها ان تتخلى عن سلاحها حاليا مع استمرار التهديدات الاسرائيلية، لاسيما ان الجيش اللبناني ليس قادرا بعد على مواجهة اسرائيل والتصدي لاعتداءاتها، في ظل إمكانياته العسكرية المعروفة، ولذلك يجب دعمه وتقويته أولا ومن ثم إيجاد معالجة لملف السلاح، استنادا الى استراتيجية دفاعية متوافق عليها».

في المقابل، تطرح أوساط سياسية متشائمة من احتمال توصل عون والحريري الى «تفاهم رئاسي»، اسئلة تختزن في طياتها أجوبة ضمنية:

ـ ما الذي يستطيع ان يعطيه عون للحريري، وما الذي يستطيع الاخير ان يقدمه للجنرال، في ظل افتراق عميق على مستوى الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بالمقاومة والازمة السورية؟

ـ الى أي حد يمكن ان يذهب زعيما «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» في التنازلات المتبادلة وفي المونة على الحلفاء، فيما الاول يعرف ان مرونة «حزب الله» تقف عند ثوابت وضوابط غير قابلة للمساومة، والثاني يدرك ان تغطية انتخاب عون تحتاج الى قرار سعودي لا يبدو ناضجا؟

ـ هل بمقدور عون والحريري اختزال اي توافق او اتفاق بشخصيهما، من دون الاقوياء الآخرين في «8 و14 آذار»، ومن دون «قبة حديدية» إقليمية، وتحديدا سعودية - إيرانية؟

ـ ما الذي قد يدفع الحريري وعمقه الاقليمي الى التضحية بمسيحيي «14 آذار» وبالتالي فرط عقد هذا الفريق ككل، ثمنا لوصول عون الى رئاسة الجمهورية، وهل انتهت أصلا وظيفة هذا الفريق؟

ـ هل ان التقاطع الذي انتج الحكومة الائتلافية يمهد بالضرورة لتوافق مماثل على رئاسة برتقالية للجمهورية، ام ان حسابات الاستحقاق الرئاسي أكثر تعقيدا وصعوبة؟

عماد مرمل - السفير 29\4\2014

إرسال تعليق

 
Top