0
لا نصاب الأربعاء المقبل ولا انتخاب رئيس جديد. هذه هي حصيلة جديّة للمشاورات التي دارت منذ رفع الرئيس نبيه بري في الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد في الأسبوع الماضي. لقد كانت تلك الجلسة جامعة بكل ما للكلمة من معنى، غير أن السبب هو عدم رغبة أي فريق سياسي تحمّل وزر عدم تلبية دعوة برّي الأولى والتي يفترض أن يفوز في خلالها من ينال ثلثي أصوات المجلس النيابي. غير أنه مع بدء فرز الأصوات، بدأت الصورة تتوضّح مع انسحاب رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب ميشال عون ومعه عدد من أعضاء كتلته، وكذلك نواب كتلة «الوفاء للمقاومة» باستثناء من بقي في القاعة العامة ليراقب ما يدور من أحاديث جانبية، شارك في إحداها رئيس الكتلة النائب محمد رعد، ونواب «المردة» و«البعث» و«القومي» و«الطاشناق» والحزب «الديموقراطي اللبناني»، أي كامل مكوّنات فريق «8 آذار». غير أن أعضاء كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها برّي لم يتضامنوا مع «رفاقهم».

ماذا جرى حتى يوم أمس؟ كان رئيس جبهة «النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط محور المشاورات التي جرت في سبيل إنضاج طبخة انتخاب رئيس جديد للبلاد، غير أن الموقف الذي كرّره أكثر من مرّة هو أنه ماضٍ ورفاقه في الجبهة و«اللقاء الديموقراطي» في تأييد النائب هنري حلو، وأنه سيكون من أوائل الذين سيحضرون إلى مجلس النواب الأربعاء المقبل، لعلّ وعسى ... لكن أوساط جنبلاط لم تخف امتعاضها، وإن شدّدت على عدم الرد على الحملة التي تعرّض لها جنبلاط بسبب تسمية حلو من «كليمنصو»، مشيرة في هذا الإطار إلى أن الحملة المبرمجة التي شنّت ضد الزعيم الاشتراكي معروفة الأهداف والأسباب، لكن لو أن المسيحيين عموماً، والموارنة على وجه الخصوص، قدّموا مرشحّاً توافقوا عليه ولا يدخل البلد في أتون الصراعات الإقليمية، لكان أول من رحّب بهذه الشخصية وأيدّها ومنحها أصوات كتلته. ثم، ألم يُطلق على الزعيم الشهيد كمال جنبلاط لقب «صانع الرؤساء»؟ وهو صاحب المقولة الشهيرة «قلنا لذلك زل فزال، وقلنا لهذا كن فكان»، عندما أطاحت الثورة الشعبية التي قادها بالرئيس بشارة الخوري وأفضت إلى انتخاب الرئيس كميل شمعون. ألم يخضع الرئيس الراحل الياس سركيس إلى «امتحان» رسب بنتيجته وقرّر عندها منح صوته للرئيس سليمان فرنجية في الانتخابات التاريخية في العام 1970 التي فاز بها فرنجية بفارق صوت واحد، هو صوت جنبلاط؟ لماذا لم تقم الدنيا وتقعد حينها؟

تضيف الأوساط أن وليد جنبلاط ليس في وارد استنساخ دور والده، ولا يريد أن يلعب دور «صانع الرؤساء» ما بعد الطائف، لكن ذلك لا يلغي حقّه في تبنّي ترشيح شخصية تملك تاريخاً من الوطنية والانفتاح والحوار، وإيماناً بمبدأ الاعتدال الذي يجب أن يكون عليه رئيس الجمهورية اللبنانية، فلقد أثبتت التجارب أن لا فريقاً قادر على إلغاء الآخر في لبنان، وان شعار الرئيس الراحل صائب سلام «لا غالب ولا مغلوب» يجب أن لا يكون عنوان المرحلة فحسب، بل لازمة ترافق وجدان وتصرفات جميع أهل السياسة في لبنان.

وإذا كان جنبلاط محور جميع المشاورات «الرئاسية»، فإن رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي جمع أصوات 48 نائباً في الدورة الأولى، هي أصوات فريق «14 آذار»، يصرّ على المضي في معركته الانتخابية حتى «يقضي الله أمراً كان مفعولاً».

بالمقابل، فإن النائب عون الذي يريد إقناع اللبنانيين بما ليس هو شخصياً مقتنعاً به، أي أنه مشروع الرئيس «التوافقي»، فإن الأوراق البيضاء التي حصل عليها في الدورة الأولى والتي بلغت 52 ورقة، لن تبقى بيضاء لكنها لن تحمل اسمه لأن وصوله إلى كرسي بعبدا بالنسبة لبعض اللبنانيين، هي بمثابة وصول جعجع بالنسبة للبعض الآخر. فهل سيتخلّى عون للمرة الأخيرة عن حلمه بـ «الزواج الشرعي» من الكرسي التي سبق له ان حاول «اغتصابها» في العام 1988، والسير بمشروع رئيس معتدل لا يحسب له تاريخه بالانتماء إلى فريق سياسي في وجه فريق آخر، وبالتالي سيعتبر أنه رئيس صدامي؟

يبقى موضوع النصاب الذي تتوّزعه القوى السياسية في مجلس النواب. ففريق «8 آذار» مكوّن من كتلة «التنمية والتحرير» (13 نائباً) وكتلة «الوفاء للمقاومة» (13 نائباً) و«التيار الوطني الحر» (19 نائباً) وينضم إليها كتلة «المردة» (4 نواب) وكتلة «وحدة الجبل» (نائبان) وكتلة «البعث» (نائبان) و«القومي» (نائبان) وكتلة «نواب الأرمن» (نائبان) ومجموعه 55 نائباً، يقابله فريق «14 آذار» المكوّن من «تيار المستقبل» (30 نائباً) وكتلة «القوات اللبنانية» (7 نواب) وكتلة «الكتائب» (5 نواب) وكتلة «التوافق الأرمني» (4 نواب) و«الجماعة الاسلامية» (نائب واحد) و«المستقلون» (9 نواب) ومجموعها 56 نائباً، فيما يتألف الفريق «الوسطي» من كتلة «اللقاء الديموقراطي» (11 نائباً) والنواب نقولا فتوش وقاسم عبد العزيز ومحمد الصفدي ونجيب ميقاتي وأحمد كرامي وتمام سلام، أي ما مجموعه 17 نائباً (وفقاً لتوزيع دوائر مجلس النواب).

حسابياً لن يكون بمقدور أي من الفريقين تأمين النصاب في ظل مقاطعة الفريق الآخر، حتى لو ساهم النواب الوسطيون بحضورهم، إذ أن «8 آذار» الذي لديه 55 نائباً لن يشكّل غالبية الثلثين مع النواب الوسطيين والمستقلين البالغ عددهم 17 نائباً فالمجموع لن يتجاوز 72 نائباً فيما المطلوب 86 نائباً، وكذلك هي الحال بالنسبة لفريق «14 آذار» الذي إن حضر كل نوابه الـ 56 إلى جانب الوسطيين الـ 17 فسيكون المجموع 73 نائباً. إذاً لم يعد يشكل فريق الوسطيين بقيادة النائب جنبلاط «بيضة قبان» النصاب في جلسة الانتخاب، لكنه حتماً يشكّل «بيضة قبّان» الفوز بالنسبة لمرشح أي من الفريقين، وهو ما ليس مطروحاً في أي حال.

إذاً، وفي ظل استمرار المواقف على ما هي عليه، وغياب اسم المرشح التوافقي، فإن الفترة الفاصلة حتى 25 أيار بحسب الأوساط لن تشهد انعقاد جلسة في مجلس النواب، لا نصاباً ولا تصويتاً. ولعلّه يجدر التنويه بما صدر ويصدر عن المعني الأول بهذه الانتخابات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من مناشدات وإلحاح على جميع المعنيين لتجنيب لبنان كأس الفراغ المرّة.

28/4/2014  صلاح تقي الدين - المستقبل

إرسال تعليق

 
Top