لا تشبه جلسة الأربعاء 23/4/2014 جلسة الأربعاء بعد غد، إلا بشيء واحد، هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.
لماذا هذا اللاتشابه بين الجلستين: الجواب لا يحتاج إلى كبير عناء، فجلسة الأربعاء نهاية هذا الشهر تهدف، إلى اختبار احتمالات المستقبل السياسي لمؤسسة الرئاسة الأولى، ومن حولها اختبار عوامل التحالفات والتباعدات، في مرحلة إعادة تشكّل السلطات العامة، ليس في لبنان وحده بل في عموم الإقليم.
1 - قد لا يكون الدكتور سمير جعجع بحاجة إلى اتصال من رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا، ليمضي في ترشحه للرئاسة الأولى، في جولة ثانية، فهو ذاق طعم الحضور السياسي القوي، الذي وفّره له الترشح، بصرف النظر عن حجم الأصوات التي نالها (48 صوتاً) أو الضجة السياسية المحلية التي أحدثها، وبدا له المشهد وكأن الرئاسة اقتربت منه أكثر مما اقترب هو منها.
يعتقد العارفون أن الرجل أراد أن يؤسّس لقيادة غير قابلة للجدل في الوسط المسيحي، كشخصية قوية داخل 14 آذار، وهذا ما يحدث «قلقاً مكبوتاً» لدى قيادة حزب الكتائب، التي تتحدث هنا وهناك، وفي السر والعلن، أن الرئيس أمين الجميل هو مرشّح أصيل، وليس بديل أو وكيل.
وبمعزل عن مآل الترشح، الذي ترسم له معالم في الساعات المقبلة، داخل التكتلات المتنافسة والمتخاصمة، فان ترشيح جعجع رسم له دوراً آخذ في الاتساع، ليتجاوز معراب إلى رحاب أوسع، تمتد إلى أبعد الحدود، وتلعب دوراً في صميم التصدعات والبناءات الإقليمية من دمشق إلى عواصم أخرى.
2 - في مرحلة بالغة الحساسية، يلعب العماد ميشال عون على حافة الهاوية، تدغدغ أحلامه الرئاسة الأولى، قبل أن يصبح رئيساً للحكومة العسكرية الانتقالية بعد انتهاء ولاية الرئيس الجميل عام 1988، ويدرك أن الأمر، ليس بالسهولة، التي يتوقعها الفريق المحيط به، من أن «اللحظة المؤاتية» قد دنت. فيكفي أن يعلن الرئيس سعد الحريري دعمه للنائب عون، حتى تتوافر للرجل فرصة الفوز، فتجتمع الأوراق البيضاء 52 إلى أكثر من 10 أوراق «للتيار الأزرق» حتى يتحقق «الحلم البرتقالي» بوصول الرئيس القوي إلى رئاسة الجمهورية، وتكر بعدها السبحة، حكومة برئاسة الرئيس الحريري، استراتيجية دفاعية على الطاولة، فتح النقاش الرسمي حول انسحاب حزب الله من سوريا، وتشريعات، وتنقيب عن النفط والغاز في البر و البحر، فإذا الجمهورية تتحول بين ليلة وضحاها إلى «جمهورية برتقالية» لا تغيب عنها شمس الازدهار والاستقرار.
هكذا يتراءى المشهد للتيار البرتقالي. غداً الثلثاء، ربما يرشح التيار رئيسه ليخوض غمار الميدان، إذا ما آنس من كتلة المستقبل أمراً ما، يفرج عمّا إذا كانت هناك تفاهمات في باريس، وصلت في العشاء الشهير بين الرئيس الحريري والنائب ميشال عون في منزل الأوّل، قبل أن تولد «حكومة المصلحة الوطنية» برئاسة تمام سلام، وتفتح الباب لانفراجات، تُخرج الفتنة من الجسم اللبناني، وتلفظها ربما إلى غير رجعة.
ثمة من يعتقد أنه من المبكر، الإفراج عن الموقف المستقبلي في الساعات المقبلة، وإن كانت القناعة المترشحة أن لا تبدّل في المواقف، قبل أن تحين ساعة المواقف الحاسمة، بعد الانتخابات التشريعية العراقية، وربما على مشارف إعادة انتخاب بشار الأسد رئيساً لسبع سنوات إضافية للجمهورية العربية السورية.
وفي الاعتقاد السائد أن عون المرشح لن يحرق الورقة الحريرية بتسرّع، بل قد يمتد الانتظار إلى فترة أطول، مربوطة على التوقيت الإقليمي، وما يرسمه اللاعبون الإقليميون على ساحة التفاهمات، في غمرة الأزمة الحالية في العلاقات الأميركية - الروسية.
3 - على المسرح، يُمسك النائب وليد جنبلاط ، بورقة المرشح المستقل الوسطي، ضمن حسابات يتقدّم فيها السياسي على الانتخابي، فالرجل يعلم بدقة، أن لا تأثير له، إذا ما اتفق اللاعبان الإقليميان، بامتداداتهم المحلية، على هذا المرشح أم ذاك، لذا يلعب في الوقت الضائع، ليبعث برسالة إلى الرياض، وبرسالة إلى طهران، وما بينهما أن على المسرح «بيضة القبّان» في صياغة التوازنات، لحماية الاستقرار من الانهيار، إنما بهذا المعنى، لعبة الثمن السياسي، لا غير..
وعليه، ما دامت ساعة التوافق الإقليمي تتحرك عقاربها إلى الأمام أو تقف عند منتصف الطريق، فان الحراك الجنبلاطي يبحث عن ضالته، بالتمسك بترشح النائب هنري حلو، الذي سبق رفاقه في العودة إلى جبهة النضال الوطني بأسابيع، بانتظار الوقت، الذي أعلن فيه أنه مرشّح اللقاء الديمقراطي النيابي.
4 - على جبهة الكتل الإسلامية الكبرى: المستقبل، التنمية والتحرير، والوفاء للمقاومة، وهي الكتل المتعايشة في «حكومة الإنجازات» على خلفية «ربط النزاع»، فان لديها ما هو مشترك، تخفيه ولا تعلنه: ليتفق الموارنة على مرشّح ونحن جاهزون!.
على أن المسألة أكبر. فكتلة المستقبل، معنية برئيس يحتفظ بأداء الرئيس ميشال سليمان، إذا لم يبزّه لجهة سلاح حزب الله، والانسحاب من سوريا. لكن عقل الكتلة يعمل «بإرهاصات عقلانية» على قاعدة «فن الممكن»، أو عقل التسوية، إذا صحّ القول.
أما كتلة «حزب الله»، فلا تخفي نيتها إيصال رئيس للجمهورية «يحفظ المقاومة ويحفظ أهلها»، وهذا أبسط الإيمان، في مرحلة، تبتعد فيها فرصة التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية من خلال المفاوضات، وقد تحفل الساحة الإقليمية بتغيرات، تفترض حماية المقاومة، وتوفير «الراحة السياسية» لها عبر الموقع الرسمي الأوّل في الدولة اللبنانية... بهذا المعنى، تصبح فرضية «الرئيس التوافقي» أكثر ملاءمة لحاجة المقاومة إلى «الحماية الرسمية».. ولا حاجة لتفصيل أكثر.
غير أنه من السذاجة، إبعاد الخلفية الإقليمية عن أداء «حزب الله»، الذي استجاب لطلب النائب عون منحه وقتاً لاختبار قدرته في كسب أصوات «المستقبل» لمصلحته كمرشح تسوية أو وفاقي، على خلفية ما حدث بشأن تأليف الحكومة.
تعتقد قيادة «حزب الله» أن «الفتنة المذهبية» آخذة بالابتعاد، وأن الاستقرار نقطة التقاء القوى السياسية كافة، وأن موازين القوى لا تزال تفسح في المجال أمام رئيس صديق للمقاومة ما لم يكن نصيراً لها، فهي ماضية في لعب هذا الخيار، وسط ارتفاع الأصوات المنادية برئيس مقبول من الجميع.. والباقي متروك لقدرات نبيه بري الرئيس المجرّب في إدارة الدفة؟!
28/4/2014 المحلل السياسي - اللواء
إرسال تعليق