مرت أمس الذكرى التاسعة لجلاء آخر جندي سوري عن لبنان. ذكرى أبرز انتصار لـ»ثورة الأرز»، محققة واحداً من أهدافها في الحرية والسيادة والإستقلال والعدالة.
في 26 نيسان 2005، سقط نظام الوصاية الإحتلالية. انسحب الجيش السوري من لبنان، ومعه شبكة مخابراته القذرة، وضباطه الموغلون في الجريمة والتوحش والإنحطاط الأخلاقي. يومها انهار «النظام الأمني المشترك» اللبناني السوري، وخرجت آخر القطعات العسكرية السورية محملة بعتادها وبـ»هداياها» التي استحوذت عليها نهباً أو جزية و»خوّة«.
قبل تسع سنوات، وإثر خروج اللبنانيين في أعرض انتفاضة مدنية وسلمية يشهدها العالم العربي (ستشكل فيما بعد «المثال» المشهدي والعملي لثورات الشعوب العربية المطالبة بالحرية)، مؤيدة بتعاطف الرأي العام العربي والدولي، وبمساندة من قرارات مجلس الأمن ودعم العالم الحر، رضخ النظام السوري للإرادة اللبنانية، الوليدة من رحم المعاناة والظلم والتسلط والإجرام، كما من تلاقي اللبنانيين على هويتهم الوطنية وتمسكهم بقيم الحرية والديموقراطية والسلم الأهلي.
ورغم شدة إصرار نظام الوصاية على تعميق التشرذم واختلاق الفتن والعداوات وإدارة الفساد والإستتباع، وبث الضعف في الدولة وتخريب الحياة السياسية وتسميمها، وفرض القمع والتخويف وممارسة الإبتزاز، وصولاً إلى الخطف والإغتيال وكل أنواع الترهيب..استطاع اللبنانيون سراً وعلناً، وبنضال دؤوب وصامت، تجاوز انقساماتهم الموروثة من زمن الحرب، وتخطي الحواجز والجدران التي نصبتها الوصاية في ما بينهم.
هكذا، بين خريف 2004 وربيع 2005، تشكلت «المعارضة الوطنية اللبنانية»، التي لأول مرة منذ العام 1975، يسترد معها لبنان أرقى أشكال التعبير الديموقراطي العابر للطوائف والأيديولوجيات، انحيازاً إلى «الجمهورية»، المهددة بالتبدد تحت نير الديكتاتورية والوصاية المخابراتية والعسكريتارية.
كان هذا التلاقي ثمرة الجهد الثقافي والإعلامي الممتد لأكثر من عقد، والذي شكل حقاً «رأياً عاماً» كاسحاً سيتمظهر في آذار 2005 وانتفاضته المليونية. وستنشأ تلك المعارضة إثر استعصاء المواءمة بين مشروع إعادة البناء والإعمار واسترداد الدولة لأدوارها من جهة، وبين الإحتلال السوري المتوغل في كل شؤون اللبنانيين، والموغل بتسلطه ومافياويته ولصوصيته..من جهة ثانية. بل ستبرز تلك المعارضة من نضوج إرادة عامة بتحقيق الوفاق والمصالحة الوطنية، كما عبرت عنه يومذاك «مصالحة الجبل»، وبيان المطارنة الموارنة عام 2000 إضافة إلى تأليف تجمع «لقاء قرنة شهوان» ثم تأسيس «المنبر الديموقراطي» وتشكيل «لقاء البريستول» وبروز العلامات الأولى لتيار «المستقبل».
قابل نظام الوصاية كل هذا التحول التاريخي، الذي يطمح إلى إنقاذ لبنان من المصادرة والإستغلال والتلاعب بمصيره، وزجه في «حروب بالوكالة»، بأن لجأ إلى الإرهاب والعنف. أطنان من المتفجرات لاغتيال وحشي ذهب ضحيته الرئيس الحريري.اغتيال كان الهدف منه أولاً وأد الحركة الإستقلالية الوليدة، وإخضاع اللبنانيين مرة واحدة وإلى الأبد في «جمهورية الخوف والصمت«.
قبل تسع سنوات، لم يكن اللبنانيون يملكون سوى صدورهم العارية وحنجرتهم الحرة وعلمهم الوطني وتصميمهم على التلاقي والتعبير عن رؤيتهم في بلد حر وسيد ومستقل وآمن. كانوا يطلبون جمهوريتهم وديموقراطيتهم وسلامهم. كانت قوتهم تكمن أولاً في انتصارهم الأخلاقي على الإرهابيين وعسس المخابرات و»أشباح» الوصاية.
هكذا، قبل تسع سنوات سيسجل التاريخ يوم 26 نيسان 2005، «جلاء آخر جندي سوري عن لبنان»، وسيتلقى النظام السوري أول هزيمة فعلية له، أول مسمار في نعشه.
في هذه الذكرى، تبقى مهام التخلص من آثار تلك الوصاية عديدة وصعبة وخطرة. فوكلاء النظام السوري وحلفاؤه باتوا، منذ ذاك التاريخ، ينوبون عنه في ديمومة الترهيب والتخريب والتطاول على حياة اللبنانيين والتعدي على الدولة ورهن لبنان في قبضة حلف الشر «الممانع».وهم اليوم أكثر من أي وقت مضى يحاولون ربط لبنان عنوة بمصير النظام السوري ومحوره الإيراني، حرباً وسياسة ومؤامرات. وما الحقد الذي يظهرونه على رئاسة الجمهورية، وتآمرهم لإفشال الإنتخابات الرئاسية المقبلة وممارستهم المديدة في تعطيل مؤسسات الدولة، وخصوصاً مجلس النواب، وعرقلتهم لتشكيل الحكومات، ومنعهم لإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، وتحديهم السافر للقضاء اللبناني وللمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وافتعال الحروب الحدودية ومعارك الزواريب، عدا عن استمرارهم العنيد والإجرامي في الإغتيالات والتفجيرات وإشهار السلاح بوجه كل اللبنانيين... كل هذا ينم عن فداحة إرث الوصاية وشدة خطره على مستقبل لبنان.
بعد تسع سنوات على الإنسحاب التاريخي، سندرك أولاً أن نظام الوصاية هو منظومة «الممانعة» المشتركة برمتها، وهي لم تكن تفرض جبروتها واستبدادها كقوة إحتلالية على لبنان وحده، بل على سوريا ذاتها، إذ إن أحرار سوريا هتفوا ساخرين في نيسان 2005: «ومتى ينسحب الجيش السوري من سوريا«. فهذا النظام وملحقاته وشركاؤه من «حزب الله» و»حرس ثوري» إيراني وميليشيات شيعية عراقية، يخوض اليوم أقذر حرب إبادة وتطهير في سوريا نفسها وضد شعبها. وسندرك ثانياً حقيقة أن ديموقراطية لبنان من حرية سوريا واستقلال لبنان من تحرر سوريا، وانتصار الشعب السوري هو الشرط الحتمي لزوال «الوصاية» في المشرق العربي برمته.
في 26 نيسان 2005، سقط نظام الوصاية الإحتلالية. انسحب الجيش السوري من لبنان، ومعه شبكة مخابراته القذرة، وضباطه الموغلون في الجريمة والتوحش والإنحطاط الأخلاقي. يومها انهار «النظام الأمني المشترك» اللبناني السوري، وخرجت آخر القطعات العسكرية السورية محملة بعتادها وبـ»هداياها» التي استحوذت عليها نهباً أو جزية و»خوّة«.
قبل تسع سنوات، وإثر خروج اللبنانيين في أعرض انتفاضة مدنية وسلمية يشهدها العالم العربي (ستشكل فيما بعد «المثال» المشهدي والعملي لثورات الشعوب العربية المطالبة بالحرية)، مؤيدة بتعاطف الرأي العام العربي والدولي، وبمساندة من قرارات مجلس الأمن ودعم العالم الحر، رضخ النظام السوري للإرادة اللبنانية، الوليدة من رحم المعاناة والظلم والتسلط والإجرام، كما من تلاقي اللبنانيين على هويتهم الوطنية وتمسكهم بقيم الحرية والديموقراطية والسلم الأهلي.
ورغم شدة إصرار نظام الوصاية على تعميق التشرذم واختلاق الفتن والعداوات وإدارة الفساد والإستتباع، وبث الضعف في الدولة وتخريب الحياة السياسية وتسميمها، وفرض القمع والتخويف وممارسة الإبتزاز، وصولاً إلى الخطف والإغتيال وكل أنواع الترهيب..استطاع اللبنانيون سراً وعلناً، وبنضال دؤوب وصامت، تجاوز انقساماتهم الموروثة من زمن الحرب، وتخطي الحواجز والجدران التي نصبتها الوصاية في ما بينهم.
هكذا، بين خريف 2004 وربيع 2005، تشكلت «المعارضة الوطنية اللبنانية»، التي لأول مرة منذ العام 1975، يسترد معها لبنان أرقى أشكال التعبير الديموقراطي العابر للطوائف والأيديولوجيات، انحيازاً إلى «الجمهورية»، المهددة بالتبدد تحت نير الديكتاتورية والوصاية المخابراتية والعسكريتارية.
كان هذا التلاقي ثمرة الجهد الثقافي والإعلامي الممتد لأكثر من عقد، والذي شكل حقاً «رأياً عاماً» كاسحاً سيتمظهر في آذار 2005 وانتفاضته المليونية. وستنشأ تلك المعارضة إثر استعصاء المواءمة بين مشروع إعادة البناء والإعمار واسترداد الدولة لأدوارها من جهة، وبين الإحتلال السوري المتوغل في كل شؤون اللبنانيين، والموغل بتسلطه ومافياويته ولصوصيته..من جهة ثانية. بل ستبرز تلك المعارضة من نضوج إرادة عامة بتحقيق الوفاق والمصالحة الوطنية، كما عبرت عنه يومذاك «مصالحة الجبل»، وبيان المطارنة الموارنة عام 2000 إضافة إلى تأليف تجمع «لقاء قرنة شهوان» ثم تأسيس «المنبر الديموقراطي» وتشكيل «لقاء البريستول» وبروز العلامات الأولى لتيار «المستقبل».
قابل نظام الوصاية كل هذا التحول التاريخي، الذي يطمح إلى إنقاذ لبنان من المصادرة والإستغلال والتلاعب بمصيره، وزجه في «حروب بالوكالة»، بأن لجأ إلى الإرهاب والعنف. أطنان من المتفجرات لاغتيال وحشي ذهب ضحيته الرئيس الحريري.اغتيال كان الهدف منه أولاً وأد الحركة الإستقلالية الوليدة، وإخضاع اللبنانيين مرة واحدة وإلى الأبد في «جمهورية الخوف والصمت«.
قبل تسع سنوات، لم يكن اللبنانيون يملكون سوى صدورهم العارية وحنجرتهم الحرة وعلمهم الوطني وتصميمهم على التلاقي والتعبير عن رؤيتهم في بلد حر وسيد ومستقل وآمن. كانوا يطلبون جمهوريتهم وديموقراطيتهم وسلامهم. كانت قوتهم تكمن أولاً في انتصارهم الأخلاقي على الإرهابيين وعسس المخابرات و»أشباح» الوصاية.
هكذا، قبل تسع سنوات سيسجل التاريخ يوم 26 نيسان 2005، «جلاء آخر جندي سوري عن لبنان»، وسيتلقى النظام السوري أول هزيمة فعلية له، أول مسمار في نعشه.
في هذه الذكرى، تبقى مهام التخلص من آثار تلك الوصاية عديدة وصعبة وخطرة. فوكلاء النظام السوري وحلفاؤه باتوا، منذ ذاك التاريخ، ينوبون عنه في ديمومة الترهيب والتخريب والتطاول على حياة اللبنانيين والتعدي على الدولة ورهن لبنان في قبضة حلف الشر «الممانع».وهم اليوم أكثر من أي وقت مضى يحاولون ربط لبنان عنوة بمصير النظام السوري ومحوره الإيراني، حرباً وسياسة ومؤامرات. وما الحقد الذي يظهرونه على رئاسة الجمهورية، وتآمرهم لإفشال الإنتخابات الرئاسية المقبلة وممارستهم المديدة في تعطيل مؤسسات الدولة، وخصوصاً مجلس النواب، وعرقلتهم لتشكيل الحكومات، ومنعهم لإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، وتحديهم السافر للقضاء اللبناني وللمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وافتعال الحروب الحدودية ومعارك الزواريب، عدا عن استمرارهم العنيد والإجرامي في الإغتيالات والتفجيرات وإشهار السلاح بوجه كل اللبنانيين... كل هذا ينم عن فداحة إرث الوصاية وشدة خطره على مستقبل لبنان.
بعد تسع سنوات على الإنسحاب التاريخي، سندرك أولاً أن نظام الوصاية هو منظومة «الممانعة» المشتركة برمتها، وهي لم تكن تفرض جبروتها واستبدادها كقوة إحتلالية على لبنان وحده، بل على سوريا ذاتها، إذ إن أحرار سوريا هتفوا ساخرين في نيسان 2005: «ومتى ينسحب الجيش السوري من سوريا«. فهذا النظام وملحقاته وشركاؤه من «حزب الله» و»حرس ثوري» إيراني وميليشيات شيعية عراقية، يخوض اليوم أقذر حرب إبادة وتطهير في سوريا نفسها وضد شعبها. وسندرك ثانياً حقيقة أن ديموقراطية لبنان من حرية سوريا واستقلال لبنان من تحرر سوريا، وانتصار الشعب السوري هو الشرط الحتمي لزوال «الوصاية» في المشرق العربي برمته.
يوسف بزي - المستقبل 27\4\2014
إرسال تعليق