شدّ البطريرك بشارة الراعي على يد رئيس مجلس النواب نبيه بري شاكراً مرتين. هي زيارة استثنائية لرأس الكنيسة المارونية التي لطالما اعتمدت قاعدة «تُزار ولا تَزور»... إلا إلى رئاسة الجمهورية. البطريرك الراعي خرق هذه القاعدة ثلاث مرات: الأولى عندما زار السرايا الحكومية في عهد الرئيس نجيب ميقاتي، والثانية إلى اليرزة للقاء قائد الجيش العماد جان قهوجي، والثالثة أمس الى عين التينة.
عند المدخل الرئيس لقصر عين التينة ردّ رئيس المجلس التحية قائلا: «نمارس صلاحياتنا وفقاً لأحكام الدستور». وضْع قطار انتخاب رئيس جديد على السكة الدستورية، سبب كافٍ لكي يكون البطريرك بشارة الراعي سعيداً، أو على الأقل مطمئنا الى «الحالة الصحية» للموقع الماروني الأول. فهذا يعني أن كرسي بعبدا ستسلم من الإصابة بفيروسات التمديد أو الفراغ. كل ما يشاع عن دعوة جديدة يوجهها البطريرك للأقطاب المسيحيين قبل جلسة الأربعاء المقبل «لا أساس لها» على ما تؤكد أوساط أسقفية. تلك «الخبرية» شاعت لدرجة ان هاتف البطريركية لم يهدأ للاستفسار الذي أتى حتى من دوائر السفارة الاميركية.
جلسة انتخاب الرئيس كانت كفيلة بإسعاد الراعي. كل ما شابها من «ظهور ورقي للشهداء» لا يتوقف عنده. تقول تلك الاوساط: «هذا يصب في حرية التعبير والانتخاب، فلكل امرئ رسالة يريد تمريرها». الأيام الفاصلة عن الجلسة المقبلة ستكون للتشاور. هذا ما تؤكده الأوساط نفسها وتشي به ايضا الأجواء المرافقة. وكل هذه الانسيابية الدستورية المرافقة تعيدها الكنيسة لرئيس مجلس النواب نبيه بري. وهذا ما دفع البطريرك الى تخصيص عين التينة بزيارة خاصة قبل توجهه الى روما. «نحن نثق بما يقوم به دولة الرئيس والجلسة بينه وبين سيدنا كانت جيدة جدا»، تؤكد الأوساط بما يتوافق مع الأجواء التي رشحت من عين التينة. فأوساط بري تعبّر عن امتنان لزيارة البطريرك وتقول إن بري «يلتقي مع البطريرك الماروني في السعي الى لبننة الاستحقاق الرئاسي تجنبا للفراغ».
تناول الحديث جلسة الأربعاء الماضي. بدا الراعي مرتاحا لمجرياتها، لكنه تمنى لو أن الجلسة امتدت لدورة ثانية وصولا الى انتخاب رئيس جديد. أجابه بري: «كان ذلك ممكناً سيدنا لولا فقدان النصاب، علماً أن النتيجة كانت ستكون امتداداً للدورة الأولى، لأنه ليس بمقدور أي طرف وحده أن ينال 65 صوتاً في الدورة الثانية».
ما قيل في خلوة عين التينة أعلنه البطريرك بعدها. «الكنيسة لا تتحدّث لغتين»، تقول أوساط كنسية مطلعة. ثلة من شرطة المجلس النيابي أدّت التحية للبطريرك الذي حضر، يرافقه المطرانان بولس صياح وسمير مظلوم. في كلمته للصحافيين، شكر البطريرك بري على دعوته للجلسة وقال: «نؤمن مع دولته اننا في بلد ديموقراطي، ومن الضروري أن تستمر الجلسات الانتخابية للوصول بالتشاور والاقتراع الى إيجاد الرئيس المناسب للبنان في هذه الظروف الراهنة». وأضاف: «دعاؤنا، وهذه أمنية دولة الرئيس، أن يكون النصاب مؤمّناً في جلسة الأسبوع المقبل، وأن يكون موجوداً ايضاً في كل جلسة يدعو إليها دولته، لكي يلتقي النواب فعلاً بمسؤولية وبجدية ويقترعون لانتخاب الرئيس، وأن تكون الفترات بين الجلسة والأخرى للتشاور. وجميعنا يعرف أن الرئيس في لبنان هو رئيس الجميع، لذلك يجب أن يكون رئيساً مقبولاً من الجميع، ولا يعني هذا، كما يقول البعض إنه ضعيف. لا، هذه هي القوة، القوة هو أن يكون الإنسان مقبولاً من الجميع، فهذه قوة لأننا بحاجة كبيرة في لبنان للملمة الشمل، وبحاجة أيضاً أن يكون لدينا رئيس يطل دولياً وعربياً أيضاً».
ونفى البطريرك أن يكون عازما على الدعوة الى قمة روحية لحثّ النواب على الانتخاب وقال: «هذا واجب ضميري عليهم (النواب)، وأنا من الذين أقول دائماً إن النائب موكّل من الشعب للعمل المطلوب منه، وخصوصاً أنه موكل لانتخاب رئيس، ولا يستطيع ان يستعمل الوكالة كأنها ملك خاص. عندما يقول الدستور إنه يجب أن يكون الثلثان في مثل هذه الجلسة فهذا لا يعني أن تغيب، هو ينص على ذلك لكي يقول إن وجود الثلثين هو ضرورة، لأن الرئيس اللبناني الذي سينتخب يجب ان يكون كل المجلس موجوداً في هذا الانتخاب. لا يستطيع النواب أن يغيبوا أو يكسروا النصاب، وهم قادرون على أن يكونوا موجودين وأن يتباحثوا، ولكن ليست مرجلة أن نكسر النصاب أو نغيب، هذا هو مفهومنا الكنسي، ولا داعي أبداً أن نطلب من أحد أو نضغط عليه. هذا واجب ضميري بحكم الوكالة التي يملكها النائب من الشعب».
وشدد على ان تكون الايام المقبلة مخصصة للمزيد من التشاور، مضيفا: «نريد أن يكون اللبنانيون مسؤولين ويختاروا رئيسهم، والتشاور يشمل الجميع، ونحن ننتمي الى الأسرة العربية والى الأسرة الدولية ونتشاور معهم، ليس بمن يفرضونه علينا بل بمن نحن نفكّر به، ولكن في النتيجة على اللبنانيين أن يستعيدوا فعلاً بحكم الديموقراطية وينتخبوا رئيسهم.
وقبل ان يغادر الى روما للمشاركة في تطويب البابوين يوحنا بولس الثاني ويوحنا الـ23، قال البطريرك الراعي من مطار بيروت: «نحن من يعلن للأسرة الدولية أي رئيس نريد للبنان. الرئيس ينتخب وفقا لسيرته بناء على ماضيه وحاضره ومستقبله ولا نطبخه في الليلة الأخيرة، ولا يجب أن نصل إلى جلسة الانتخاب ولا نعرف من سننتخب. إن انتخاب الرئيس يريح الشعب اللبناني الذي يجب أن يعطى قيمة».
25/4/2014 غراسيا بيطار - السفير
إرسال تعليق