0
قبل أيام كتب المثقف السوري المعارض ياسين الحاج صالح مقالة من أهم ما كتب، عن عيوب المقاربات الإعلامية الغربية لكارثة سوريا.

أهمية ما كتبه ياسين الحاج صالح، في صحيفة «الحياة»، تأتي من كونه لم يغادر سوريا إلا متأخرا، ومن كونه صاحب اتجاه «علماني» يساري، ومن كونه صاحب معرفة مقنعة بالثقافة الغربية والعربية المعاصرة. بعد هذا كله تأتي أهمية كلماته من كونه «شاهد عيان» على حقيقة ما جرى بالشام من بشاعات بشار الأسد التي تُعجز هولاكو وتُحبط تيمورلنك.

منطلق الحاج صالح كان من نقد الكاتب الأميركي اليساري سيمور هيرش، الذي زعم - بصفاقة - أن «متمردين» سوريين، بتخطيط تركي، هم من استخدموا السلاح الكيماوي في غوطة دمشق الشرقية في أغسطس (آب) 2013.

ومثله الكاتب البريطاني، اليساري أيضا، روبرت فيسك، الذي كان انحيازه الأعمى لرواية إعلام الأسد فاضحا، متجاهلا دماء وعذابات الأمهات والأطفال والشيوخ السوريين.

يعقد الأستاذ مدار جدله على أن هيرش وفيسك، وأمثالهما من عتاة اليسار الغربي، والعربي أيضا، لا يرون في سوريا إلا «الهاي بوليتكس»، أي النظرات السياسية الاستراتيجية العليا و«لعبة الأمم» وصراع القوى، على طريقة «الأستاذ» هيكل في مصر، ويصمّون آذانهم، ويستغشون ثيابهم، عن القتل والبراميل المتفجرة التي تتساقط على «المدنيين» في حلب وحمص وحماة والغوطة، وعن فظائع الشبيحة، وعن البعد الطائفي السافر المتمثل في تدفق مقاتلي الشيعة المتطوعين من كل العالم لصالح الأسد، وعددهم حسب «الواشنطن بوست» تجاوز عدد المتطوعين الأصوليين السنة، الذين مسّنا «إرهابهم» وتحدثنا وسنتحدث عنه دوما.

يغض أمثال هيرش وفيسك وهيكل النظر عن استخدام الأسد للكيماوي، ويصدقون رواية القاتل، ويكذبون رواية الضحية. فأين الانحياز «الإنساني» للضعفاء؟!

يقول كاتبنا السوري اليساري، ياسين الحاج صالح: «لا شيء إطلاقا من عالم الناس العاديين في مقالات فيسك الكثيرة (أو في عمل الراحل باتريك سيل عن سوريا). فيسك الذي كان يُقرِّع صحافيين أميركيين كانوا يرافقون قوات احتلال العراق في 2003 استطاع مرافقة دبابات النظام الأسدي في أغسطس (آب) 2012 وهي تقتحم داريا، وتقتل أكثر من 500 من سكانها، ليشهد، خلاف ما يقوله سكان البلدة نفسها، بأن مقاتلي الجيش الحر، وهم محليون من داريا نفسها، هم من قتلوا السكان».

ثم يقول بمرارة: «كسوري قضى وقتا لا بأس به في سجون النظام، أجد مقالات فيسك هذه كاذبة إلى أقصى حد، تجمّل بلا خجل أقبح أدوات القتل في نظام قبيح».

يحاول صاحبنا تفسير هذا الفجور الأخلاقي والتغافل الفاضح لمآسي السوريين العاديين من أجل لعبة «الهاي بوليتكس»، معللا هذا التجاهل المفضوح: «ليست أشياء وليدة جهل عند صحافيين شهيرين، بل الوجه الآخر لتعالٍ عنصري على عامة السوريين».

أود أن أضيف أن هذا الانحياز السافر للقاتل بشار وحلفائه من طهران للضاحية يستبطن شعورا عميقا يغرف من مياه العصور الوسطى، خصوصا في بلاد الشام وثغوره ومرافئه.

مشاري الذايدي - الشرق الاوسط 20\4\2014

إرسال تعليق

 
Top