0
دعا رئيس المجلس نبيه بري الى عقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية يوم الاربعاء المقبل أي بعد انقضاء شهر من مهلة الشهرين التي يحددها الدستور، والتي بدأت في 25 آذار الماضي. وفور الاعلان عن تحديد الموعد اتصل بري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي ليزف له الخبر، ما دفع بكثيرين للتساؤل عن مغزى هذه الخطوة وما اذا كانت من باب المجاملة واحترام الموقع على اعتبار ان الراعي ناشد أكثر من مرة رئيس المجلس وأصر عليه تحديد جلسة، وبأسرع وقت من دون انتظار حصول توافق او نضوج طبخة الرئيس العتيد. 

غير ان هذا التفسير البديهي والمفهوم يبقى غير كاف وغير مقنع لأنه يكشف أولا عن ان الدعوة لعقد الجلسة جاءت من باب رفع العتب، لأن رئيس المجلس كما عودنا يفضل التحرك و»الطبخ» من وراء الكواليس اذ ان ديدنه البحث عن «التوافق» خارج اصول اللعبة الديموقراطية التي تقوم على الانتخاب ومنطق الاكثرية والأقلية. وبما ان «الطبخة» لم تنضج بعد، وعلى الارجح لن تنضج قبل انتهاء المهلة الدستورية في 25 ايار المقبل، فان هذه الجلسة هي للقول ان رئيس المجلس قد أرضى بكركي كونها مرجعية الطائفة المارونية التي ينتمي اليها رئيس الجمهورية. 

اما العامل الآخر فهو للتأكيد باستمرار على جوهر تركيبة النظام الطائفية، وعلى التقاسم «الوظيفي» بين هذه الطوائف والمذاهب، وبالتالي فان لعبة «التوافق» تتم أيضا بين الطوائف ومراجعها. وهكذا فان رئاسة الجمهورية هي أولا شأن ماروني، تماما كما ان رئاسة المجلس هي شأن شيعي، وكذلك رئاسة الحكومة هي شأن سني. مع فارق «بسيط» هو ان الشيعة او الأصح الثنائي الشيعي هو من يختار ويفرض عمليا شخص رئيس المجلس، والدليل على ذلك ان بري يتربع على عرش المجلس منذ 22 سنة. وكذلك، رئيس الحكومة وان بنسبة أقل، بينما رئيس الجمهورية يحتاج الى «توافق» وموافقة باقي الطوائف والقوى.

بالمقابل، يتصرف الراعي كأنه زعيم سياسي ويكثر من تصريحاته شبه اليومية واطلالته الاعلامية، ويدلي بدلوه أيضا في الامور التفصيلية وفي كل شاردة وواردة، للايحاء بانه صاحب الكلمة الفصل في الاستحقاق الرئاسي، خلافا للنهج وللسلوك اللذين كان يتبعهما تاريخيا أسلافه في تأكيدهم على الثوابت الوطنية، وعلى دور بكركي كمرجعية روحية ووطنية جامعة. وهو يلاقي عمليا بري في طرحه وسلوكه عندما يضع مواصفات الرئيس، وعندما يؤكد على ان «الرئيس القوي» هو من يستمد قوته من تمثيله ل»طائفته». وهو يلتقي ايضا مع بري حول ضرورة ان لا يأتي الرئيس لا من صفوف قوى 14 آذار ولا من فريق 8 آذار، بل ان يكون «توافقيا». فكيف له اذن ان يكون «قويا» بطائفته و»توافقيا» في الوقت عينه؟ 

واذا استعرضنا المشهد الرئاسي والمسترئسين قبل بضعة ايام من الجلسة، سيتبين بوضوح ضبابية الموقف لدى الفريقين. فعلى جبهة 14 آذار هناك مرشح واحد رسمي معلن هو سمير جعجع وعدد من المرشحين غير المعلنين مثل امين الجميل، وبطرس حرب، وروبير غانم. فهل يمكن ان يتوجه هذا الفريق الى الجلسة من دون الاتفاق على مرشح واحد، وهل سيتمكن بالمقابل ان يتفق على مرشح واحد؟ 

أما فريق 8 آذار فليس لديه اي مرشح رسمي معلن، ولكن ميشال عون هو عمليا مرشحه الفعلي الا انه لا يجرؤ على اعلان ترشيحه لأنه يريد الايحاء بانه مرشح «توافقي» على اعتبار انه «موعود» (أو واعد نفسه؟) بدعم الحريري من الفريق الآخر. ولذلك، ما زال يلتزم الصمت، الا ان حلفاءه في 8 آذار غير متحمسين تماما على دعم ترشيحه بدءا برئيس «حركة أمل» نبيه بري الذي لديه مرشحه «التوافقي» الخاص جان عبيد، الصامت الأكبر وصاحب «النكهة السورية» الذي ينتظر منذ أكثر من عقدين من الزمن. كما ان «حزب الله» حليف عون، واللذين تجمعهما «ورقة التفاهم» لم يعلن اي موقف داعم له «بانتظار ان يعلن عون نفسه عن ترشيحه». فيما يقف سليمان فرنجيه بالصف ينتظر دوره.

اما وليد جنبلاط، صاحب كتلة حاسمة من ثمانية نواب، وهو بطبيعة الحال يقف في منزلة وسطى بين فريقي 14 و 8 آذار، وهو على تنسيق تام مع بري، وهو لا يريد ان يصوت لا لسمير جعجع ولا لعون. فسيعمد على الارجح الى استنباط مخرج التصويت لواحد من نواب كتلته الموارنة هنري حلو، اقله في دورة الاقتراع الأولى.

وانطلاقا من هذا المشهد، فان معلومات ومعطيات الساعات الأخيرة تفيد ان جميع القوى والكتل ستشارك في جلسة الاربعاء وتؤمن نصاب الثلثين الالزامي بحسب الدستور. وبعدها تبدأ دورة الاقتراع الأولى ومعها عملية جس النبض و»عرض العضلات»، وسيحصل جعجع على اكثرية اصوات نواب 14 آذار، أي ما بين 45 و 50 صوتا فيما يصوت نواب الكتائب لأمين الجميل مع على الارجح صوتي ميشال المر وحفيدته نايلة تويني (8 - 10 أصوات). أما على الجهة المقابلة فستذهب معظم أصوات 8 آذار الى عون (أقل من 40 صوت) من دون ان يترشح رسميا، وفي هذه الحال يمكن ان تمتنع كتلة بري عن التصويت او تلجأ الى الورقة البيضاء. ثم هناك حوالي عشرة أصوات ستذهب الى حلو المرشح الجنبلاطي، كما ستتجاوز الاوراق البيضاء في الصندوق أكثر من عشرين.

عندها سيرفع بري الجلسة للتشاور على أمل انعقادها مجددا في وقت قريب... وربما لن يأتي هذا «الوقت القريب» في المدى المنظور بانتظار «الطبخة» الفعلية التي لم تنضج بعد في الخارج، بحسب الأطراف السياسية الداخلية نفسها، التي تكون قد «أدت قسطها للعلى» وحرقت اوراق المرشحين الكبار، واعادت كرة الرئاسة الى ملعبها بانتظار الصفارة الاقليمية.

19/4/2014 سعد كيوان - اللواء

إرسال تعليق

 
Top