لم يظهر أنَّ هناك مسؤولاً لبنانيّاً واحداً مقتنعاً بأنّ الأربعاء المقبل سيكون موعداً تاريخياً لانتخاب الرئيس الثالث عشر للجمهورية، حتى إنّ صاحب الدعوة مُتيقّن بأنّ «الأمور ليست ناضجة حتى الآن»... ما طرَح السؤال: ما الذي يمنع انتخاب رئيس «صُنع في لبنان»، وما هو الجوّ الدولي الذي يواكِب الإستحقاق؟
على مسافة أيّام من الموعد الذي حدَّده رئيس مجلس النواب نبيه برّي للجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لم يظهر أنّ هناك من يقول بإمكان انتخاب رئيس أو عدمه، ولم يَظهر أيضاً أنّ هناك من يشعر بتقلّص هامش المناورة لديه.
فالمهلة الدستورية اقتربت من بلوغ منتصف الطريق إلى النهاية المحتومة في 25 أيّار المقبل، وهناك من الأقطاب من يعتقد أنَّ أمامنا وقتاً كثيراً لمقاربة الأسماء، ومِن بينهم من يُمسك ناصية الحسم في الأكثرية المطلوبة للوصول إلى قصر بعبدا ولا يريد الدخول في الأسماء من اليوم لتبدأ مرحلة البوانتاجات والأرقام الإنتخابية.
وإزاء هذا الواقع وما يلفّه من غموض، هناك من يقدّم الأعذار ويختصر ليقول بكلّ ثقة: منذ معركة 1970 بين المرشَّحَين سليمان فرنجية والياس سركيس لم يحتسِب اللبنانيون مرّة أيّ بوانتاج رئاسي، والمهَل الدستورية لانتخاب الرئيس الخلف تجاوزتها أحداث 1988 ومن بعدها العام 2007، ولم يتسلّم لا الرئيس رينيه معوّض ولا الرئيس الياس الهراوي ولا الرئيس ميشال سليمان مهمّاتهم من سَلفِهم، ولم تُلتقَط لهم الصورة التقليدية التي يُسلّم فيها الرئيس السَلف الوشاحَ للخَلف، فارتدوه وحدَهم قبل الصورة التقليدية بلحظات.
وعلى هذه القاعدة يمكن مقاربة الإستحقاق الرئاسي من زاويةٍ تؤكّد أنّ اللعبة ليست لبنانية حتى اللحظة، وكلّ مَن يُمنّي النفسَ برئيس «صُنع في لبنان» سيخيب ظنّه ما لم تحدث مفاجأة ما.
وهذا الشعور بعدم قدرة اللبنانيين على إنتاج الرئيس ليس له ما يبرّره سوى حِدّة الفرز القائم بين التكتّلات السياسية التي تتموضع تحت عنوانَي «8 و14 آذار»، وهما على عِلم مُسبق بأنّ أيّاً منهما لن يتمكّن من إيصال من يريده إلى سدّة الرئاسة من دون أن يحظى بمَن يستطيع تعديلَ ميزان القوى بحفنةٍ من الأصوات، ما جعل البازار مفتوحاً على شتّى الاحتمالات بما فيها الوصول الحتميّ إلى العجز عن انتخاب رئيس، فيحلّ الفراغ.
ومن هذا المنطلق، يبحث المراقبون عمَّن يمتلك قدرة الحسم من خارج البلاد، وهو عملٌ مُضنٍ، فالتحالفات والمحاور الدولية التي تخوض الحرب في سوريا تفكّر في الملف الرئاسي اللبناني، لكنّها لم تحسم أمرَها بعد ولم تُنتِج توافقاً، سوى ما يظهر أنّه تفاهم ضمنيّ لإبعاد كأس الفتنة عن اللبنانيين، فسهَّلت كلّ ما يُعزّز ذلك، وتأكّدت من أنّ النار السوريّة ستبقى على وهجِها ضمن الحدود السوريّة، وأنّ لبنان دخل بتأليف حكومة «المصلحة الوطنية» فترةً من الأمن الهشّ والمستعار.
لذلك، تبدو البرودة الدولية الحاليّة في الملف الرئاسي مفهومةً ومبرّرة، فموعد الحَسم لم يأتِ بعد، بدليل أنّ هناك من ينتظر تفاهماً سعودياً - إيرانياً لا يمكن البحث عنه قبل التثبُّت من استقرار الوضع الداخلي في المملكة، وبلوغ مرحلة التفاهم الأميركي - الإيراني الذي ينتظر بدوره ما سيكون عليه شكل العلاقات بين الأميركيين والروس في ضوء تداعيات أزمة أوكرانيا، فيما العالم الأوروبي والغربي عموماً يراقب ما تشهده الساحة اللبنانية كمتفرّج، وفقَ المعادلة التي تقول «لا رأيَ لمن لا يُطاع».
ومن دون الدخول في تفاصيل كثيرة، يبدو أنّ لبنان سيدخل الاستحقاق الرئاسي على وقعِ التفاهمات الخارجية التي ستُعطي الضوء الأخضر لحسمِ المواقف، بما يضمن انتخاب رئيس جديد قبل نهاية الولاية الحاليّة، وفي حال العكس لا يستبعدَنَّ أحد أن تُحيي المجموعة الدولية مشاريعَ سابقة نامت في أدراجِها، ومنها التمديد. فمَن قال إنّه لن يكون المخرج لما يجري في سوريا ولبنان اللذين دخَلا إستحقاقين متشابهَين زمنياً بفوارق محدودة، وما زالا قيد البحث والجدل لفترة انتقالية تتحكّم بمستقبل الدولتين لسنتين أو للسنوات الثلاث المقبلة؟
19/4/2014 جورج شاهين - الجمهورية
على مسافة أيّام من الموعد الذي حدَّده رئيس مجلس النواب نبيه برّي للجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لم يظهر أنّ هناك من يقول بإمكان انتخاب رئيس أو عدمه، ولم يَظهر أيضاً أنّ هناك من يشعر بتقلّص هامش المناورة لديه.
فالمهلة الدستورية اقتربت من بلوغ منتصف الطريق إلى النهاية المحتومة في 25 أيّار المقبل، وهناك من الأقطاب من يعتقد أنَّ أمامنا وقتاً كثيراً لمقاربة الأسماء، ومِن بينهم من يُمسك ناصية الحسم في الأكثرية المطلوبة للوصول إلى قصر بعبدا ولا يريد الدخول في الأسماء من اليوم لتبدأ مرحلة البوانتاجات والأرقام الإنتخابية.
وإزاء هذا الواقع وما يلفّه من غموض، هناك من يقدّم الأعذار ويختصر ليقول بكلّ ثقة: منذ معركة 1970 بين المرشَّحَين سليمان فرنجية والياس سركيس لم يحتسِب اللبنانيون مرّة أيّ بوانتاج رئاسي، والمهَل الدستورية لانتخاب الرئيس الخلف تجاوزتها أحداث 1988 ومن بعدها العام 2007، ولم يتسلّم لا الرئيس رينيه معوّض ولا الرئيس الياس الهراوي ولا الرئيس ميشال سليمان مهمّاتهم من سَلفِهم، ولم تُلتقَط لهم الصورة التقليدية التي يُسلّم فيها الرئيس السَلف الوشاحَ للخَلف، فارتدوه وحدَهم قبل الصورة التقليدية بلحظات.
وعلى هذه القاعدة يمكن مقاربة الإستحقاق الرئاسي من زاويةٍ تؤكّد أنّ اللعبة ليست لبنانية حتى اللحظة، وكلّ مَن يُمنّي النفسَ برئيس «صُنع في لبنان» سيخيب ظنّه ما لم تحدث مفاجأة ما.
وهذا الشعور بعدم قدرة اللبنانيين على إنتاج الرئيس ليس له ما يبرّره سوى حِدّة الفرز القائم بين التكتّلات السياسية التي تتموضع تحت عنوانَي «8 و14 آذار»، وهما على عِلم مُسبق بأنّ أيّاً منهما لن يتمكّن من إيصال من يريده إلى سدّة الرئاسة من دون أن يحظى بمَن يستطيع تعديلَ ميزان القوى بحفنةٍ من الأصوات، ما جعل البازار مفتوحاً على شتّى الاحتمالات بما فيها الوصول الحتميّ إلى العجز عن انتخاب رئيس، فيحلّ الفراغ.
ومن هذا المنطلق، يبحث المراقبون عمَّن يمتلك قدرة الحسم من خارج البلاد، وهو عملٌ مُضنٍ، فالتحالفات والمحاور الدولية التي تخوض الحرب في سوريا تفكّر في الملف الرئاسي اللبناني، لكنّها لم تحسم أمرَها بعد ولم تُنتِج توافقاً، سوى ما يظهر أنّه تفاهم ضمنيّ لإبعاد كأس الفتنة عن اللبنانيين، فسهَّلت كلّ ما يُعزّز ذلك، وتأكّدت من أنّ النار السوريّة ستبقى على وهجِها ضمن الحدود السوريّة، وأنّ لبنان دخل بتأليف حكومة «المصلحة الوطنية» فترةً من الأمن الهشّ والمستعار.
لذلك، تبدو البرودة الدولية الحاليّة في الملف الرئاسي مفهومةً ومبرّرة، فموعد الحَسم لم يأتِ بعد، بدليل أنّ هناك من ينتظر تفاهماً سعودياً - إيرانياً لا يمكن البحث عنه قبل التثبُّت من استقرار الوضع الداخلي في المملكة، وبلوغ مرحلة التفاهم الأميركي - الإيراني الذي ينتظر بدوره ما سيكون عليه شكل العلاقات بين الأميركيين والروس في ضوء تداعيات أزمة أوكرانيا، فيما العالم الأوروبي والغربي عموماً يراقب ما تشهده الساحة اللبنانية كمتفرّج، وفقَ المعادلة التي تقول «لا رأيَ لمن لا يُطاع».
ومن دون الدخول في تفاصيل كثيرة، يبدو أنّ لبنان سيدخل الاستحقاق الرئاسي على وقعِ التفاهمات الخارجية التي ستُعطي الضوء الأخضر لحسمِ المواقف، بما يضمن انتخاب رئيس جديد قبل نهاية الولاية الحاليّة، وفي حال العكس لا يستبعدَنَّ أحد أن تُحيي المجموعة الدولية مشاريعَ سابقة نامت في أدراجِها، ومنها التمديد. فمَن قال إنّه لن يكون المخرج لما يجري في سوريا ولبنان اللذين دخَلا إستحقاقين متشابهَين زمنياً بفوارق محدودة، وما زالا قيد البحث والجدل لفترة انتقالية تتحكّم بمستقبل الدولتين لسنتين أو للسنوات الثلاث المقبلة؟
19/4/2014 جورج شاهين - الجمهورية
إرسال تعليق