كشف اغتيال ثلاثة اعلاميين من قناة «المنار» التابعة لـ «حزب الله» في بلدة معلولا السورية أخيراً بوادر أزمة بين النظام السوري و «حلفائه» المقاتلين الى جانبه. ففي الوقت الذي نسبت القناة والآلة الاعلامية المحيطة بـ «حزب الله» مقتل الصحافيين الى قوات المعارضة، تبين أن ثمة ثغرات تجعل تلك الرواية غير متماسكة حتى لدى شرائح واسعة من جمهور الحزب نفسه. ذاك أن الاحتفال بـ «تطهير» معلولا والمناطق المحيطة بها من «الارهابيين» المزعومين وما رافقه من توزيع حلوى كان تم قبل وقت غير قليل من مقتل الشبان اللبنانيين الثلاثة برصاص قنص استهدفهم بشكل مباشر، لا باشتباكات لم تعد دائرة أصلاً.
وتأتي تلك الحادثة بمثابة ذروة في سياق متراكم من الضيق والتبرم السوري مما قد يعتبر في عرف نظام البعث «تجاوزات» أقدم عليها رفاق السلاح إعلامياً وسياسياً. فكانت وزارة الإعلام السورية اتخذت بداية تدابير من شأنها التضييق على تغطية قناتي «الميادين» و «المنار» لساحات المعارك، إلى أن تقرر منعهما كلياً لأسباب «تنظيمية بحتة» على ما قيل، بعدما انكفأ المراسلون عن مقابلة جنود سوريين واكتفوا بإظهار مقاتلين لبنانيين وعراقيين.
لكن «المنار» التي تبث من بيروت ولها باع في تغطية الحروب والاشتباكات بغض النظر عن موقفها السياسي، لم تذعن لقرار حظر لم تعتد عليه، فأرسلت فرق عملها ضمن وحدات المقاتلين التابعين لـ «حزب الله» ظناً أو أملاً ربما بأن أركان حرب النظام السوري قد يقيمون لهم استثناء.
ويعطف على ذلك ما نسب الى مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان من أن «بعض المحطات الصديقة أقدمت على بث مقابلات وتقارير توحي بأن سورية ودولتها لم تكن لتصمد لولا دعم فلان وفلان من الدول والاحزاب، وهذا أمر مرفوض. سورية صمدت بشعبها الذي قدم الى الآن أكثر من ربع مليون شهيد». وإذ توظف شعبان ضحايا النظام في معركة بقائه فتمنحهم لقب «شهداء»، لم ينفعها كثيراً أن عادت وتراجعت عن أقوالها.
ذاك أن الحرس الثوري الايراني أعلن على لسان أحد مسؤوليه أنه «لولا الدعم الايراني لخسر الأسد المعركة»، وهو ما أعاد تأكيده نائب الامين العام لـ «حزب الله» نعيم قاسم حين قال: «لولا وقوف الحزب مع نظام الاســـد لكان سقط في ساعتين». أما أمين عام الحزب حسن نصرالله، فذهب أبعد من ذلك في إحدى اطلالاته الأخيرة، إذ أعرب عن استعداده للقتال بنفـــسه في سورية إذا دعت الحـــاجة، وهو ما لم يصــدر عن أي مسؤول سوري ولا حتى عن بشار الاسد نفسه!
والى ذلك، وفي الوقت الذي يخوض النظام معركة الرئاسة بصفتها استجابة لرغبة السوريين «المدنيين» في مواجهة القوى التكفيرية، ونجح الى حد بعيد في تسويق نفسه دولياً كمفاوض يحمي الاقليات، قفز له الشيخ نعيم قاسم من جديد، وسبقه الى اعلان ترشيحه لولاية رئاسية جديدة مطالباً المعارضة السورية بالقبول به، فيما يقف بلده (لبنان) عند مفترق رئاسي لم يتخذ الحزب منه موقفاً واضحاً بعد.
وبعيداً من التصريحات والمواقف السياسية المعلنة، كان الاحتقان بدأ يعتمل منذ فترة في نفوس السوريين واللبنانيين (من جمهور النظام والحزب) على حد سواء وإن لم تتخذ شكل النقاش الفكري او السياسي. فعدا عن الأشكال المختلفة للاحتفال بـ «نصر يبرود» و«القصير» و«معركة القلمون» من بهرجة في الشوارع أو حملات تلفزيونية، وأقراص مدمجة تصدح بموسيقى النصر الذي لا يأتي على ذكر الجيش السوري، او نظام الأسد، طفت على السطح فوارق اجتماعية - طائفية ما عادت «القضية» قادرة على إخفائها.
فالبيئة المقربة من دوائر الأسد لا تجد في سلوكيات «حزب الله» ومقاتليه انعكاساً لخياراتها ولا تجمعها بهم قواسم حياتية مشتركة، لا بل تنظر اليهم على أنهم أقرب الى «المتشددين السنّة» الذين يفترض أنها تقاتلهم. وهو ما ظهر جلياً في دمشق اخيراً خلال إحياء مراسم «عاشوراء»، وامتعاض الدمشقيين من إضفاء طابع ديني «شيعي» على المظهر العام واستقطاب بعض الشباب اليه. وفي منطقة الساحل السوري حيث أمسك الحزب بزمام الامور لفترة وجيزة ثم اضطر الى تسليم مواقعه الى «اللجان الشعبية» خصوصاً في المناطق المختلطة «اقلوياً»، والمحاذية للمسيحيين.
وكما يمتعض «البعثيون» السوريون من أدبيات «النصر الإلهي» وتمجيد «المجاهدين» في المقاومة، فإن بيئة «حزب الله» في المقابل، لا تستسيغ الخطاب «العلماني» الذي يتغنى به النظام، لا بل شاعت في بيروت نكات ساخرة عن تقاعس الجيش السوري وتراخي عناصره وعدم خبرتهم في القتال، خصوصاً أن «العلويين منهم ينصرفون الى شرب الخمر، فيما السنّة غير موثوق فيهم». فهم (أي الجنود السنّة في الجيش السوري) إن لم ينشقوا في أي لحظة قد يقومون بتصفية رفاقهم وهو ما حدث فعلياً في بداية الاشتباكات ومشاركة «حزب الله» فيها.
لعل طول الأزمة عرّى ما لم يكن في الحسبان. فإضافة الى الجهل المتبادل بين قاعدتي الهرمين والاختلاف العميق بينهما، كشفت حادثة اغتيال الصحافيين وجهاً «لبنانياً» لـ «حزب الله» وسلوكاً بعثياً متجذراً لدى نظام الأسد. فالأول اعتقد أن الإنجاز العسكري يمنحه سلطة وحصانة في سورية كما في لبنان، والثاني لا يعرف معنى للشراكة ما لم تكن تحت إمرته فلا يتورع عن التذكير بقدرته على اطلاق «نيران صديقة» حين تدعو الحاجة.
وتأتي تلك الحادثة بمثابة ذروة في سياق متراكم من الضيق والتبرم السوري مما قد يعتبر في عرف نظام البعث «تجاوزات» أقدم عليها رفاق السلاح إعلامياً وسياسياً. فكانت وزارة الإعلام السورية اتخذت بداية تدابير من شأنها التضييق على تغطية قناتي «الميادين» و «المنار» لساحات المعارك، إلى أن تقرر منعهما كلياً لأسباب «تنظيمية بحتة» على ما قيل، بعدما انكفأ المراسلون عن مقابلة جنود سوريين واكتفوا بإظهار مقاتلين لبنانيين وعراقيين.
لكن «المنار» التي تبث من بيروت ولها باع في تغطية الحروب والاشتباكات بغض النظر عن موقفها السياسي، لم تذعن لقرار حظر لم تعتد عليه، فأرسلت فرق عملها ضمن وحدات المقاتلين التابعين لـ «حزب الله» ظناً أو أملاً ربما بأن أركان حرب النظام السوري قد يقيمون لهم استثناء.
ويعطف على ذلك ما نسب الى مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان من أن «بعض المحطات الصديقة أقدمت على بث مقابلات وتقارير توحي بأن سورية ودولتها لم تكن لتصمد لولا دعم فلان وفلان من الدول والاحزاب، وهذا أمر مرفوض. سورية صمدت بشعبها الذي قدم الى الآن أكثر من ربع مليون شهيد». وإذ توظف شعبان ضحايا النظام في معركة بقائه فتمنحهم لقب «شهداء»، لم ينفعها كثيراً أن عادت وتراجعت عن أقوالها.
ذاك أن الحرس الثوري الايراني أعلن على لسان أحد مسؤوليه أنه «لولا الدعم الايراني لخسر الأسد المعركة»، وهو ما أعاد تأكيده نائب الامين العام لـ «حزب الله» نعيم قاسم حين قال: «لولا وقوف الحزب مع نظام الاســـد لكان سقط في ساعتين». أما أمين عام الحزب حسن نصرالله، فذهب أبعد من ذلك في إحدى اطلالاته الأخيرة، إذ أعرب عن استعداده للقتال بنفـــسه في سورية إذا دعت الحـــاجة، وهو ما لم يصــدر عن أي مسؤول سوري ولا حتى عن بشار الاسد نفسه!
والى ذلك، وفي الوقت الذي يخوض النظام معركة الرئاسة بصفتها استجابة لرغبة السوريين «المدنيين» في مواجهة القوى التكفيرية، ونجح الى حد بعيد في تسويق نفسه دولياً كمفاوض يحمي الاقليات، قفز له الشيخ نعيم قاسم من جديد، وسبقه الى اعلان ترشيحه لولاية رئاسية جديدة مطالباً المعارضة السورية بالقبول به، فيما يقف بلده (لبنان) عند مفترق رئاسي لم يتخذ الحزب منه موقفاً واضحاً بعد.
وبعيداً من التصريحات والمواقف السياسية المعلنة، كان الاحتقان بدأ يعتمل منذ فترة في نفوس السوريين واللبنانيين (من جمهور النظام والحزب) على حد سواء وإن لم تتخذ شكل النقاش الفكري او السياسي. فعدا عن الأشكال المختلفة للاحتفال بـ «نصر يبرود» و«القصير» و«معركة القلمون» من بهرجة في الشوارع أو حملات تلفزيونية، وأقراص مدمجة تصدح بموسيقى النصر الذي لا يأتي على ذكر الجيش السوري، او نظام الأسد، طفت على السطح فوارق اجتماعية - طائفية ما عادت «القضية» قادرة على إخفائها.
فالبيئة المقربة من دوائر الأسد لا تجد في سلوكيات «حزب الله» ومقاتليه انعكاساً لخياراتها ولا تجمعها بهم قواسم حياتية مشتركة، لا بل تنظر اليهم على أنهم أقرب الى «المتشددين السنّة» الذين يفترض أنها تقاتلهم. وهو ما ظهر جلياً في دمشق اخيراً خلال إحياء مراسم «عاشوراء»، وامتعاض الدمشقيين من إضفاء طابع ديني «شيعي» على المظهر العام واستقطاب بعض الشباب اليه. وفي منطقة الساحل السوري حيث أمسك الحزب بزمام الامور لفترة وجيزة ثم اضطر الى تسليم مواقعه الى «اللجان الشعبية» خصوصاً في المناطق المختلطة «اقلوياً»، والمحاذية للمسيحيين.
وكما يمتعض «البعثيون» السوريون من أدبيات «النصر الإلهي» وتمجيد «المجاهدين» في المقاومة، فإن بيئة «حزب الله» في المقابل، لا تستسيغ الخطاب «العلماني» الذي يتغنى به النظام، لا بل شاعت في بيروت نكات ساخرة عن تقاعس الجيش السوري وتراخي عناصره وعدم خبرتهم في القتال، خصوصاً أن «العلويين منهم ينصرفون الى شرب الخمر، فيما السنّة غير موثوق فيهم». فهم (أي الجنود السنّة في الجيش السوري) إن لم ينشقوا في أي لحظة قد يقومون بتصفية رفاقهم وهو ما حدث فعلياً في بداية الاشتباكات ومشاركة «حزب الله» فيها.
لعل طول الأزمة عرّى ما لم يكن في الحسبان. فإضافة الى الجهل المتبادل بين قاعدتي الهرمين والاختلاف العميق بينهما، كشفت حادثة اغتيال الصحافيين وجهاً «لبنانياً» لـ «حزب الله» وسلوكاً بعثياً متجذراً لدى نظام الأسد. فالأول اعتقد أن الإنجاز العسكري يمنحه سلطة وحصانة في سورية كما في لبنان، والثاني لا يعرف معنى للشراكة ما لم تكن تحت إمرته فلا يتورع عن التذكير بقدرته على اطلاق «نيران صديقة» حين تدعو الحاجة.
بيسان الشيخ - الحياة - 19\4\2014
إرسال تعليق