قلت للمسؤول الأول في المؤسسة الأميركية، التي تتعاطى البحث والإعلام والاستقصاء نفسها، تعليقاً على ما سمعه من إيرانيين: ما قالوه لك صحيح. تذهبون لأنكم لم تتدخلوا في سوريا، لكن تذهبون أيضاً لأنكم، حيث دخلتم أو تدخلتم اضطررتم إلى الذهاب، وهم بقوا. العراق ولاحقاً أفغانستان. إيران في سوريا ولبنان والعراق مع طوائف ومذاهب لا مع شعوب، هذه حقيقة. وهم مستمرون لأن الحرب مستمرة، ولأن النظام الإقليمي ينهار، ولأن الجديد الذي سيحل مكانه لم ير النور بعد. هل تعتقد ان اسرائيل تقبل وجوداً إيرانياً مباشراً وغير مباشر في شرق المتوسط؟ أنا لا أعرف. ربما بسبب الخوف من الإرهاب السني قد تقبل، وهل يقبل الغرب والسنة ذلك؟
أجاب: "حقيقة لا أعرف. لكن هناك ايران والسعودية وإسرائيل، إما تتفق هذه القوى وتحارب الإرهاب معاً وتنجح في حربها، وإما يبقى الإرهاب". علّقت: لهذا السبب قلت في الحديث معك، ان التفاوض النووي الدولي (تشارك فيه أميركا) مع إيران، يجب أن يواكبه تفاوض ثنائي بين واشنطن وطهران على القضايا الإقليمية الشائكة، وعلى دور إيران وسائر الدول الأساسية في المنطقة. ردّ: "أعتقد انه بعد الانتهاء من التفاوض النووي، وهو الآن حول التقنيات، يصبح المجال واسعاً للبحث الإقليمي مع إيران.
استطردت: أميركا كانت دائماً مع إيران قوية، وهي تعترف أنها قوية، لكنها ليست مع سيطرة لها على المنطقة، هي مستعدة للتفاهم معها على دور مهم، وعليها (أي إيران) أن تحدد أو تقترح الدور الذي تريد، على أن لا يكون شرطي المنطقة كلها عربياً وإسلامياً. أعتقد أن البحث في ذلك ليس صعباً، وكذلك التفاهم عليه. علماً أنه لا بد، في أثناء البحث في الأدوار، من التفكير في أدوار دول مهمة أخرى مثل السعودية، التي قد لا تقبل استمرار سيطرة الأقلية على غالبية الشعب السوري. ردّ: "صحيح لكن عليهم أن يقوموا أيضاً بما يجب ويسهِّلوا التفاوض بينهم وبين إيران، وحتى مع إسرائيل".
سألت: ما رأيك في قول عدد من العارفين في واشنطن، أن الاتفاق مع إيران يحجّمها، وفي قول عدد آخر منهم، انه يقوّيها ويجعلها أكثر شراسة؟ أجاب: "ستبقى إيران قوية، أكيد لن تضعف، لكن ربما يصير هناك تفاهم على نظام إقليمي وأدوار. في أفغانستان كان دور إيران مهماً ولا يزال، لولا دعمها كرازاي رئيس الجمهورية، الذي قاربت ولايته نهايتها الدستورية، لحلّ "تنظيم القاعدة" مكانه. هي رعت في العراق رئيس الحكومة نوري المالكي، ولا تزال. نحن لا ندعمه ولا نعمل ضدّه، وهي طبعاً عملت على إضعافنا في العراق. "ماذا عن لبنان؟" سأل. أجبت: لبنان دولة شكليةـ أي فيها مؤسسات لكنها غير فاعلة. وهذا كلام يزعج طبعاً الطبقة السياسية فيه على تناقضاتها، وهو مقبل على انتخابات رئاسية، لا أحد يعرف إذا كانت ستجري. ما يجري في سوريا يؤثّر فيه مباشرة. في نهاية اللقاء عاد المسؤول الأول نفسه في المؤسسة الأميركية البحثية – الإعلامية – الاستقصائية إلى إيران، قال: "إذا استطاعت إيران، وهذه سياستها دائماً، ان تفرّق بين أميركا وأوروبا بعد الاتفاق النووي، إذا تم التوصّل إليه، فإنها لن تتردد في الإقدام على ذلك ولن ترد على أميركا في أي مفاوضات تتناول المنطقة، وساعتها تأخذ من أوروبا وقف عقوبات وتعاون".
ماذا في جعبة مسؤول مهم في مركز أبحاث واشنطني عريق، عمل سابقاً في الإدارة، وله خبرة عميقة في الشرق الأوسط، والنزاع العربي – الفلسطيني – الإسرائيلي؟
تحدث في بداية اللقاء عن أوكرانيا. قال: "أؤكد أنها مشكلة. لكن هناك أموراً مشابهة حصلت في السابق. الاتحاد السوفياتي احتل هنغاريا في القرن الماضي وربما في أواسطه، واحتل بعدها تشيكوسلوفاكيا عام 1968، ولم يقم الغرب برد فعل، كرد الفعل الذي يقوم به حالياً على احتلال روسيا، وريثة السوفيات، شبه جزيرة القرم الأوكرانية. لا بد من الاعتراف بنوع من المصالح الحيوية والاستراتيجية لروسيا في أوكرانيا، وأقصد هنا شبه جزيرة القرم. لكن السؤال الذي يُطرح هو، ماذا نفعل؟ هل نذهب إلى الحرب؟ لن نفعل ذلك لأن الرأي العام الأميركي بغالبيته ضد الحرب. الشعب الأميركي ليس انعزالياً، لكنه لم يعد مع المغامرة العسكرية. لا بد من التفاوض".
هل ترى علاقة ما، بين ما جرى في أوكرانيا أخيراً، وبين ما يجري في سوريا، منذ أكثر من ثلاث سنوات؟
18/4/2014 سركيس نعوم - النهار
إرسال تعليق