المبادرة الفلسطينية في المخيمات تنزع فتيل الفتنة، وعلى السلطات اللبنانية تلقفها وتفعيلها في ظل الاجماع الخارجي والداخلي لتثبيت الهدوء وإعطاء الضوء الاخضر للجيش لتحمل مسؤولية الامن.
بعد نجاح تنفيذ الخطة الامنية في طرابلس وإنهاء الصراع بين منطقتي القتال في باب التبانة وجبل محسن الذي ذهب ضحيته العشرات من القتلى والجرحى، تمكنت الدولة اللبنانية بأجهزتها الامنية من تنفيذ عملية الانتشار العسكري بين ما كان يعرف بالمحاور حيث عانت عاصمة الشمال طرابلس طوال الفترة السابقة من الاستباحة والدمار والتهجير القسري لابنائها.
وفي اعقاب هذا النجاح الذي حققته القوى الامنية الى حد ما، ما ساعد في توسيع الخطة الامنية لتشمل البقاع الشمالي الذي يعاني من الفلتان الامني.
وبظل هذه الخطط الهادفة الى فرض الامن وضبط المناطق اللبنانية (ولو بالتراضي)، جاءت مبادرة فلسطينية من قبل القوى الوطنية والإسلامية من اجل الحفاظ على المخيم وعدم انتشار لهيب اي انفجار قد يؤثر على الداخل (المخيمات) او على الجوار.
فالسؤال الذي يطرح نفسه، هل تقوم الدولة بالإمساك بزمام الامور والاستجابة لهذه المبادرة التي تحاول نزع فتيل الانفجار واخراج مخيم عين الحلوة والورقة الفلسطينية من التجاذبات الاقليمية، وعدم استخدام كل ذلك كورقة في الصراع الداخلي اللبناني الذي يأخذ وجهة مذهبية بامتياز.
تعتبر المبادرة الفلسطينية التي تم اطلاقها الاسبوع الماضي المبادرة الثانية من نوعها. فالمبادرة الاولى كانت قد اطلقت في العام 1990 وكانت حول المخيمات وتحديدا مخيم عين الحلوة وتم بموجبها تسليم السلاح الفلسطيني الثقيل والوسط للدولة اللبنانية التي اذت على عاتقها ضمان حماية وامن المخيمات، وقد تم توقيعها مع الراحل كمال مدحت ممثل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على اساس تسليم السلاح مقابل الحصول على الحقوق الانسانية والاجتماعية للشعب الفلسطيني في لبنان، وبعدها تم تشكيل وفد وزاري من بينهم الوزير شوقي فاخوري لزيارة المخيمات والتعرف على حاجاتها من اجل العمل السريع لحلها، لكن للأسف حتى اليوم لا يزال الشعب الفلسطيني يتقاضى فتات الفتات من الحقوق القانونية التي وعد بها.
فالمبادرة الفلسطينية المطروحة تأتي من حيث الوعي الفلسطيني الكامل والحِس بالمسؤولية الكبيرة تجاه المخيمات والمحافظة على امنها. فالقوى التي بادرت الى طرح هذه المبادرة، شعرت بالخطر القادم والذي يهدد المخيمات ويدخلها في اتون حربا ملتهبة لا تحمد عقباها.
وبحسب رأي د. محمود حنفي مدير مؤسسة شاهد الحقوقية في لبنان: "ان المؤسسة واكبت التحضير للمبادرة منذ بداية اطلاقها، وكيفية العمل الجاد من الجميع تحضيرا لها والجهد الذي بدل من اجل التوصل والعمل على انجاحها وإخراجها الى الى النور".
ويرى حنفي "ان اهمية المبادرة المطروحة تكمن بنقاط متعددة:
1- القدرة الفعلية من الجميع لاقناع كافة القوى الجلوس على طاولة حوار واحدة وخاصة المتشددين في المخيم.
2-اهمية الحوار الفلسطيني – الفلسطيني بظل التباينات السياسية المختلفة للأطراف داخل المخيم والتي لا تتلاقى لا في السياسة ولا الايديولوجيا. على سبيل المثال: "الاختلاف بين فصائل منظمة التحرير، الاختلاف بين فصائل التحالف الفلسطيني، الاختلاف بين حركتي حماس وفتح".. وبالرغم من هذه العقبات خرجت المبادرة الى النور.
3- تكمن اهمية المبادرة في توقيع القوى الاسلامية المتشددة والتي تعرف بالشباب المسلم على هذه الوثيقة المؤلفة من ثلاثة بنود بعد ان تم التوقيع عليها بشكل فعلي (الامضاءات الشخصية) والتي تلتزم من خلالها بتطبيقها.
ويشدد حنفي "ان المؤسسة ترى بهذه المبادرة والتي قد تشكل مدخلا لحل وتسوية انسانية لأوضاع الشعب الفلسطيني في لبنان الى حين العودة والتحرير، فالمبادرة تسمح للقوى الفلسطينية بتحمل المسؤولية والحفاظ على المخيم والخروج من خلال التلاقي بين قوى الجوار اللبناني والدولة اللبنانية.
ويعتبر حنفي ان على الدولة اللبنانية وأجهزتها الامنية التحقق من هذه المبادرة والعمل على تفعيلها ضمن الاطر الرسمية. وبناء عليه تطالب مؤسسة شاهد الحقوقية اخراج الملف الفلسطيني من اطاره الامني الضيق، ووضعه في اطار اوسع من خلال تشكيل لجنة وزارية ونيابية وإعلامية وأمنية بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني لتصحيح اوضع وحقوق الشعب الفلسطيني الانسانية المزرية.
لا يزال يعيش الملف الفلسطيني تحت سيطرة اجهزة الدولة الامنية، وتحديداً تحت سيطرة الامن العام.
لأول مرة يقع الملف الفلسطيني ضمن صلاحيات الامن العام ويعود السبب لكون اللواء عباس ابراهيم كان مسؤولاً عن هذا الملف عندما كان مسؤولاً لمنطقة الجنوب في المخابرات اللبنانية وفور تعينه مديرا للأمن العام بقي هذا الملف ضمن صلاحيته نظرا لمعرفة اللواء ابراهيم الجيدة والدقيقة بهذا الملف الشائك والكبير ولكونه استطاع ان يضبط هذا الملف ويسير به بين الالغام، لذلك تم تكليفه مجددا من رئاسة الجمهورية بمتابعة هذا الملف الكبير.
ويعتبر اللواء عباس ابراهيم من اجدر الضباط الامنيين الذين تسلموا هذا الملف تاريخيا واستطاعوا تحمل مسؤوليته بظل الازمات الكبيرة الذي يتعرض لها لبنان والمنطقة، وبالتالي الشعب الفلسطيني كان جزءا وما يزال منها، وامام هذه الاعصار الكبير الذي يواجه المنطقة كان اللواء يدير هذا الملف بحس وطني عالي ويمكنه التكلم مع الجميع بعقلية دبلوماسية وحس امني رفيع ساعد على تثبيت الهدوء وامتصاص الازمات ما ساعد على انجاح هذه المبادرة .
تتألف المبادرة من ثلاثة بنود:
1- مواجهة اشكال الفتنة التي تستهدف الايقاع بين المسلمين، ونبذ اي شكل من اشكال الفتنة بين السنة والشيعة في لبنان.
2- تتولى الفصائل الفلسطينية والقوى الاسلامية ضبط الاوضاع الامنية في المخيمات الفلسطينية وخصوصا عين الحلوة.
3- تعزيز امن واستقرار المخيمات ونزع اية ذرائع وأسباب تؤثر سلبا ومنع ان تكون المخيمات منطلقا لاي اعمال تمس بالأمن اللبناني، ورفع الغطاء عن كل المخلين بالأمن وعدم ايواء متورطين وخارجين عن القانون اللبناني.. الخ..
ومن جهته امين سر حركة فتح والفصائل الفلسطينية في مخيم الحلوة ماهر شبيطة يقول: "ان نجاح المبادرة يتوقف على مصداقية الجميع وتحديدا عند القوى الاسلامية الضامنة لقوى الشباب المسلم التي وقعت على بنود الاتفاقية وتحاول تنفيذها وانجاحها".
فالقوى الضامنة هي حركة حماس وحركة الجهاد وعصبة الانصار والحركة المجاهدة، هذه الفصائل تقول بأنها هي من حاورت بما يعرف بالشباب المسلم "المتشددين" وتوصلت الى هذه النتيجة من خلال وضع اسماء الاشخاص شخصيا على هذه الوثيقة.
ويشدد شبيطة بان الضامن لهذه القوى هي القوى الاسلامية وفي عهدتها، وأيضا اهل المخيم الذين طالبوا بهذه الوثيقة التي تضمن امن المخيم، ومن ناحية ثانية على الفصائل تعزيز القوة الامنية لكي تتمكن من الحفاظ على امن المخيم ولأخذ الثقة من الشعب والجوار، ولذلك تم عرض هذه المبادرة ضمن مهرجان رسمي وشعبي في مخيم عين الحلوة بتاريخ 27 اذار \مارس الماضي بمشاركة كافة الفصائل الوطنية والإسلامية، وبحضور قيادة الصف الاول الراعية لهذه المبادرة، وبرعاية السفير الفلسطيني في لبنان، وتمت دعوة كل القوى وحتى الجيران، وبالتالي هي مبادرة فلسطينية بامتياز تهدف للحفاظ على امن المخيم والجوار، وعلى الدولة اللبنانية دعمها سياسيا. فاللجان الشعبية والسياسية الفلسطينية في المخيم في 29 اذار \مارس كانت قد جالت على المسؤوليين الامنيين اللبنانيين والسياسيين لتسويق المبادرة لبنانيا.
لكن امير الحركة الاسلامية المجاهدة وأمين سر الفصائل الاسلامية الشيخ جمال خطاب يقول: "ان الامن يجب ان يتم بالتوافق من خلال الحوارات واللقاءات، وهذا ما تم عمله مع الشباب المسلم والتي لا تزال مستمرة هذه اللقاءات تحت شعار "امن المخيم" والمخيم فوق كل اعتبار.
فالحوارات واللقاءات افضت الى نتيجة مفادها "ان العمل السليم والمنهجي لا يتم من خلال العمليات والتفجيرات بالداخل والخارج، بل برفض الاغتيال في المخيم او خارجه، ورفض استخدام العمليات الانتحارية في سورية ولبنان، وتجنيد شباب فلسطيني، مما دفع بقوى الشباب المسلم الى الاتصال بسورية والطلب من اصدقائهم بعدم استغلال اي شاب فلسطيني وتجنيده لهذه المهمة.
ويشدد الشيخ خطاب عبر طريقته الهادئة وحواره الجميل ولغته العربية السديدة بان هذه الخطوة هي من الخطوات الاولى والاستباقية للحفاظ على امن المخيم والجوار. والشيخ جمال محاور لبق وخلوق وذكي يقول: نتابع الامور يومياً وميدانيا على الارض، ونأمل بتنفيذ هذه المبادرة تدريجيا وحتى لو حصلت بعض الخروقات البسيطة، فاننا سوف نعمل على تصليحها ومعالجتها معاً مع الذين وقعوا اسمائهم على الوثيقة.
ويعتبر الشيخ جمال بان القوى الاسلامية هي الضامن والقادر على التحاور مع الشباب المسلم. و يقول بان القوى والفصائل في المخيم ليست دولة، بل تطرح مبادرة من خلال التعاون الامني في المخيم، وبالتالي هذه القوى مطالبة امام شعبها والذي هو اهل المخيم بتنفيذ هذه المبادرة لأنهم هم الحامي والمراقب على سير تنفيذها.
ويتابع: "نطالب الدولة ان لا تحملنا عجزها في الكثير من المناطق اللبنانية التي تتعرض يوميا لانتكاسات امنية وخروقات وممارسات مختلفة، ورغم ذلك تحل وتعالج المشاكل ضمن المقدرة، فالمطلوب استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة المتواجدة على مداخل المخيمات كالكاميرات ومكننة الكمبيوترات في معرفة ارقام السيارات والهويات واستخدام الكمبيوترات التي تساعد فعليا عن الكشف الحقيقي لمنع الخروقات. مثلا تخفيف التسجيل الذي يسجل عن الدخول والخروج وتأخير تسجيل السيارات حتى الحادية عشر ليلا، لان هذه الطرق استخدمتها الاحزاب والمليشيات في زمن الفوضى، والدولة اليوم هي الدولة، والشعب في المخيم يريد من الدولة الرد السريع على التحية التي تم توجيهها لها من خلال تخفيف الاجراءات الامنية والنظر الى الامور الانسانية التي يعاني من جراءها الشعب الفلسطيني في لبنان من خلال تشكيل لجان مختصة تابعة لها، وبالتالي يجب ان تعطى اوامر سريعة للجيش بان لا تمارس بعض من عناصره الممارسات الاستفزازية التي قد تؤدي الى صدام حتمي لا يمكن لأحد إيقافه وخاصة بان هناك الكثير من الشكاوى التي تصل الى اللجان الشعبية عن تحرش وتصرفات بعض العسكريين المخلة للآداب والتي تصل مباشرة الى الاجهزة المختصة التي تعبر عن اسفها لهذه الحوادث، ولكنا نحاول التنبيه استباقا لأي خطأ يكلف اهلنا والجوار اثمان باهظة.
من جهته، الناطق الاعلامي باسم الامن الوطني الفلسطيني في لبنان عصام الحلبي يقول: "المبادرة الفلسطينية اخيرا ابصرت النور وهي كفكرة توقيع ميثاق شرف بين القوى والفصائل الوطنية والإسلامية والهدف منها الحفاظ على المخيمات الفلسطينية كعنوان حق العودة، وعنوان سياسي وطني فلسطيني بامتياز، وإخراج المخيمات من التصنيف الذي يسود عند البعض من سياسيين او وسائل اعلامية متعددة والتي دأبت على تصوير المخيم من الزاوية الامنية وإغفال الواقع الاجتماعي والاقتصادي والخدماتي للمخيم، ففي المخيم ناس طيبون ن يحبون الحياة ويحرصون على الحياة والعلاقات الاجتماعية ذات الطابع الفلسطيني، والتي تاخذ الطابع الوطني، حفاظا على الهوية الوطنية، وكذلك يحرصون على افضل العلاقات مع المحيط اللبناني الذي يرتبطون معه بالمصاهرة والقربى، وبالمصير المشترك وبالطموحات والآمال.
وأيضا تكريس مبدأ الحياد "الايجابي الفلسطيني" الذي يوفر مساحة للتلاقي لكافة الاطراف اللبنانية كون القضية الفلسطينية تجمع ولا تفرق، وهي قضية العرب والمسلمين المركزية، وبالتالي قضية اللبنانيين المركزية ايضا، فالشعب اللبناني قدم الكثير من اجل القضية الفلسطينية، فقد احتضن شعبنا منذ النكبة في العام 1948، وقاتل عدد كبير من ابنائه على ارض فلسطين وأصيب واستشهد العديد من المناضلين والمقاومين اللبنانيين على تلك الارض.
ويشدد الحلبي على ان بنود المبادرة تكرس الرؤية الفلسطينية الى تهدف الى عدم زج الفلسطينين في اية تجاذبات او صرعات جانبية، والتاكيد على التناقض الاساس مع العدو الصهيوني الذي دأب الى طمس حق العودة وتهجير ابناء شعبنا ، وتدنيس المقدسات وتغير الواقع الطوبوغرافي والجغرافي للقدس وللعديد من المدن والقرى الفلسطينية لخلق واقع جديد يجهض امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة .
فالحلبي يؤكد على ان هذه البنود لا بد من الخروج فيها من اطار الطرح النظري الى الحيز العملاني الذي يتطلب قوة امنية ومرجعية سياسية للمباردة، فالقوة الامنية تحتاج الى غطاء سياسي فلسطيني ولبناني، فلسطينيا توفر الغطاء السياسي الفلسطيني، يبقى الغطاء السياسي اللبناني مكملا بالغطاء القانوني لإفراد القوة الامنية الذين سيتولون حفظ الامن داخل المخيم ومطاردة المخليين بالأمن او الذين يرتكبون قضايا جرمية او مضرة ومسيئة الى المخيم والى لبنان.
تبقى المبادرة في اطارها النظري توافقا فلسطينيا داخليا مهماً جداً ما لم يتم تلقفها والتعاطي الايجابي معها، ومن الناحية العملانية لبنانيا، ستبقى وثيقة شرف او مبادرة فلسطينية داخلية تشكل ناظماً غير ملزم يعتمد على القناعة والالتزام الذاتي لكل فصيل او حزب او قوة.
الجميع في المخيم يجمع بان نجاح المبادرة ونزع فتيل الازمة يتوقف على الفصائل الفلسطينية المختلفة، وكذلك على دعم الدولة اللبنانية لها من خلال الاسراع بتخفيف الاجراءات الامنية وتشكيل لجان رسمية للبحث بآنسة مشاكل المخيمات، وفتح ملف المطلوبين بما فيها المطلوبين بالجنح والجنايات من خلال لجنة قضائية مختصة بالقضاء. فالقوى الامنية الفلسطينية يجب ان تنسق مع الدولة اللبنانية وتكون لها كمظلة سياسية وقضائية لبنانية لكي تمارس عملها الامني من اجل الاّ تقع في مشاكل امنية كما حال قائد الكفاح المسلح الاسبق محمد عبيد الذي سجن 9 شهور بجرم انه اعتقل شخص وهذه تهمة يعاقب عليها القانون اللبناني في جريمة الاخفاء القسري.
وبالتالي يؤكد الجميع على ان حماية المخيمات هي مهمة فصائل منظمة التحرير التي يجب ان تنسق مع الدولة اللبنانية عبر تأمين الحماية السياسية والقانونية، من خلال التنسيق اليومي بما يخص اوضاع المخيمات.
منبر "ليبانون تايم" - د. خالد ممدوح العزي - كاتب مختص بالاعلام السياسي والعلاقات الدولية – 18\4\2014
إرسال تعليق